أسست مدرسة "الباوهاوس" الألمانية، قبيل الحرب العالمية الثانية مفهوماً جديداً لمسألة الخامات المستعملة في بناء وتأسيس اللوحة، لأنها نظرت إلى العمل الفني من زاوية التأليف المعماري المتكامل، كما أكدت أن هذا المسطح التصويري، هو ساحة صالحة للبناء عليها، والخروج بشتّى النتائج والاجتهادات، ولا يكفي هنا أن يجيء الاجتهاد بالموضوع التعبيري وحده، بل لا بدّ أن يصل إلى مستوى خاماته الأساسية . فمن قال إن عنصري التأليف هما اللونان الزيتي والمائي؟ فهناك في الطبيعة عدد هائل من الألوان والمواد يمكن وضعها على المسطح، وإنتاج الموضوع الفني بواسطتها لأن العملية التأسيسية في المسطح التصويري هي أعمق وأوسع مما نحاول أن نحصره بعنصرين أو ثلاثة عناصر، ففي الزمن الكيميائي الذي نعيشه ونتمتع بنتائج تجاربه، سواء على مستوى الحرب كالحرب العالمية الأولى التي أسميت حرب الكيمياء، أو على مستوى السلم حيث تم الكشف عن معادلات كيميائية جديدة ومثيرة، دخلت في كل شيء ابتداء من الخرسانة وانتهاء بالأدوية . إذن كل الخامات تصلح لتكوين المسطح التصويري، وكل مواد إضافية على السطح سوف تمنح هذا المسطح أبعاداً ملمسية مهمة، بل يمكنها أن تعزز لديه حالتي الإحساس بقوة السطح التصويري، وتضاد الأعماق ما بين النافر والغائر . وقد التقط بعض أقطاب التكعيبية أمثال بيكاسو وبراك هذه الدعوة لاستعمال المواد الإضافية في التكوين، فأدخلوا الخشب في مقدمة المواد "المطواعة" التي تتجلى فيها روح التأليف التجسيدي الحي، بل لم يكتفِ بيكاسو بالعنصر الخشبي قوةً اعتراضيةً قائمة بذاتها حتى أدخلها ضمن المعادلة اللونية أيضاً، فقد استعمل الأخشاب مسطحاً إضافياً يجانس المسطح القماشي أو الخشبي الأصلي، وذلك منذ عام ،1924 حين بدأ في باريس يؤلف "قيثارته" الشهيرة من مجموعة متناثرة من الأخشاب المقطعة والمحروقة ثم الملونة بالألوان البنية الحارة . بعد بيكاسو وفي الخمسينات من القرن العشرين بدأ بعض الفنانين اللبنانيين تحديداً يشتغلون على مسألة تطعيم المسطح التصويري بمسطحات خشبية جاهزة لكن ذلك كان يؤدي دائماً إلى إنتاج لوحة تجريدية، فيما السعي الذي اشتغل عليه الفنان كان يهدف إلى إنتاج لوحة ذات طابع تعبيري مباشر . لقد تجرأ الفنان اللبناني الراحل عارف الريّس على مد بعض القطع الخشبية على سطح اللوحة، بشكل اعتراضي يصل إلى حدود الاستفزاز أحياناً، لذلك لم يكن الأمر مقبولاً على صعيد الجمهور والنقاد، ثم عمد فنانون آخرون إلى الاستعمال المباشر لشرائح الخشب، ولكن عندما دخل الخشب المصنّع إلى الأسواق للاستعمال التأليفي المعماري في قسم الهندسة أو أقسام الديكور في الجامعة اللبنانية، رأينا أن كثيراً من الفنانين باتوا يختارون قضباناً خشبية رقيقة أو مكعبات من الخشب الصغير، أو حتى مسطحات خشبية بسيطة من الخشب الصناعي . لقد انتبه فنان غرافيكي هو محمد الرواس، من مواليد ،1951 وهو من خرّيجي معهد الفنون في الجامعة اللبنانية، ومن الذين أكملوا دراساتهم العليا في كلية سلايد في لندن، إلى أن مسطحه التصويري يمكن أن يتحول إلى قوة ذات أعماق متباينة، وأنه يستطيع أن يصل إلى مستويات ملمسية عليا إذا ما استعمل كل أنواع الخشب الديكوري الجاهز، استعمالاً تلصيقياً ومن دون نظام بصري فعّال، وقد نجحت التجربة عند الرّواس لاسيما أنه من المركبين الجيدين للمواد المتنوعة على سطح لوحته . أما الفنان اللبناني غريغور أغوبيان، (مواليد 1942)، حيث درس في كل من كندا وأميركا، فإن لوحته التي تجمع بين الهواجس التجريدية والسوريالية مع انتماء إلى الاتجاه "التضخيمي الواقعي" (الهوب ريالست) قد أوصلته إلى أقصى حدود المغامرة الناجحة، وذلك عندما جعل من المسطحات الخشبية عوالم مستقلة، بل ذات دلالات زمانية متحركة أحالت الساكن في العمل إلى عنصر من عناصر التفاعل الخلاّق، إنه ليس فنّاناً اختبارياً، بل هو قصديّ يذهب صوب تصوراته التأليفية بروح مملوءة بالوعي المسبق بالنتائج . وكان لا بدّ للروح الاختبارية من أن تذهب وتأخذني أنا تحديداً إلى نوع من الاستعمال المضموني للخشب على المسطح التصويري . فعند دراستي لأكثر الذين اشتغلوا على مادة الخشب المضاف على السطح، وجدت أن التعامل مع الخشب قام على أساس مزدوج، أو ضمن حالة ازدواجية، فهب حافظت على استقلالية المادة الخشبية من جهة، وقد منحتها دوراً اعتراضياً موازياً من جهة ثانية، لا أحد فكّر في أن العنصر التأليفي في قطعة الخشب يحمل دلالات قائمة بذاتها، وتستطيع أن تمارس دورها الإنشائي كاللون أو كالقماش بالمسطح الأساسي الذي يثبت عليه، ثم أدخلت اللون قوة أساسية على المسطح الخشبي لكي يوازيها في القوة والأداء . ففي بعض الأعمال التعبيرية نرى الخشب يلعب دوره الحضوري كجزء مميز في العمل الفني، لكنه يمارس دوره الاستخدامي في عمل آخر، إنه يجيء (كزيح) نافر على السطح، أو كمساحة اعتراضية وسط ثورة اللون، فالهدف هنا هو تطبيق الفكرة التي بدأت تتبلور اليوم عبر، ومن خلال، الأعمال الفنية المفاهيمية إذ إن الكتلة هي حضور استخدامي نفعي يشير فقط إلى الغايات التوصيلية الآنية للعمل .