سرني كثيراً صدور توجيهات من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لعموم خطباء الجوامع في السعودية بتخصيص خطبة الجمعة الماضية لتكون عن "الفساد وآثاره"، وتوعية المواطنين بهذه الآفة وخطورتها على البلد، وتسببها في مضاعفة البطالة، وتأخيرها تنفيذ المشاريع، إضافة لآثارها السلبية على الفرد والوطن.. وهو توجُّه جيد وصحيح يشكرون عليه، وأتمنى أن يستمر في كل ما يحتاج لمعرفته المصلي والمستمع لخطبة الجمعة. وزارة الشؤون الإسلامية تعمل في الظل؛ إذ لا تنتظم مع الوزارات الخدمية ولا المتصلة بمعاش الناس واهتماماتهم؛ ما يجعل تقويمها ونقدها بعيداً، لكن المسؤولية الكبرى عليها أمام الله تعالى وأمام الدولة بوصفها رائدة وقبلة للعالم الإسلامي. لديّ تساؤلات عدة تجاه الوزارة وأعمالها! ما يقول مقام الوزارة في تقصيرها في رعاية الدعوة السلفية الصحيحة في الداخل والخارج؟! والمشاهد أنك ترى الجهل وضَعف تعلُّم العقيدة الصحيحة في كثير من القرى والهجر والبوادي! فضلاً عن مسلمي الدول الإسلامية! كانت الوزارة في بداياتها ترسل الدعاة في الداخل والخارج، ويسمع بهم العالم، ويستفيدون منهم؛ إذ يأتون من بلاد التوحيد. أما عن الدورات العلمية الشرعية المتخصصة في المساجد، التي هي من واجبات عملها الدعوي والإرشادي، وهي تفعيل لدور المسجد بوصفه مؤسسة تربوية تعليمية، فلا ترى لذلك بروزاً! عدا جهود ذاتية من بعض أئمة المساجد. ومعلوم ما يقوم به المسجد في صدر الإسلام! من تعليم وتوجيه واجتماع وانطلاق الأعمال الخيرية ونحوها. أما الرقابة على الأئمة والمؤذنين فالتقصير ظاهر ومشاهَد! ويبدو العجز في وظائف مراقبي المساجد سبباً في أنك تصلي في مسجد لا يؤم المصلين فيه إمامه الرسمي، وكذلك الأذان، وقد يتغيبان عنه أياماً وأسابيع، ولا تقويم ولا متابعة! ولك أن تتقزز عند دخولك دورات مياه المسجد – أعزكم الله – لقذارتها واتساخها وضَعف متابعة شركات نظافة والصيانة لها! والواجب أن تكون هي الأنظف، وهو اللائق ببيوت الله. وللوزارة غياب في القنوات الإعلامية عموماً، والتلفزيونية خصوصاً، سواء القنوات المحلية أو الفضائية؛ لأن الدعوة إلى الله تعالى عالمية شاملة، وغيابها عن الدور الإعلامي الفضائي للعالم يجعل غيرها يقدّم الدعوة بصورة مشوهة ومحرفة، وبمناهج مضللة. وفي الوزارة دعاة مباركون، لكن لا وجود لهم في مساجدنا وقنواتنا الاجتماعية! كالإعلام المرئي والمقروء، ولا ترى لهم مشاركة في مصليات الجامعات والمدارس والوزارات والمجامع العامة والقرى والهجر بشكل كافٍ، فكما منعت الوزارة الداعية غير الرسمي من ذلك فالواجب حضور داعية الوزارة. ورعاية ونشر عقيدة أهل السنة والجماعة منوطان بالوزارة التي تمثل الدولة السعودية التي قامت على تلك الدعوة المباركة، بل من أهم واجباتها الدعوية والإرشادية. مع الإشارة للركود والبيات السنوي لفعالياتها! فلا يعرف المتابع إلا معرض "كُن داعياً" السنوي الذي يجب أن يثمر عن إرسال مئات الدعاة لمختلف الأماكن في الداخل والخارج، وأن تكون هناك فعاليات مكثفة لندوات ومحاضرات وجولات دعوية في المكان الذي يقام فيه المعرض، لا أن يتم عرض وريقات وإنجازات ليس لها أثر مشاهد على أرض الواقع. صحيح أننا نفخر بمكاتب الدعوة وتوعية الجاليات في مختلف مدن السعودية، لكن للأسف الوزارة لا تتولاها رسمياً، إنما هو إشراف عام فقط! وما نشاهده ونفرح به من ثمرات إنما هو من جهود دعاة متعاونين في كثير من منسوبي تلك المكاتب، وليسوا موظفين رسميين، وبتمويل من جهات غير الوزارة، بل لا يكفي ما تقدمه الوزارة من ميزانيات رمزية. والسؤال: ماذا أعدت الوزارة لعشرة ملايين وافد عندنا! ما بين مسلم ضعيف العلم بدينه، وغير مسلم عليها واجب دعوته للإسلام! وهل تكتفي الوزارة سنوياً ب"كشكات" إرشاد وفتيا في الحج فقط! مع الإشارة للتقليدية فيما تقدم من فعاليات تجاه الدعوة والإرشاد ورعاية الأوقاف، خاصة ونحن نعيش زمن التقنية والتواصل السريع مع العالم بوسائل لم تلحق بها الوزارة بعد! أما الأوقاف ونشر ثقافته! فالوزارة لا وجود لها مشاهد في واقع تعليم المسلمين فضيلة الوقف، وما تتعين فيه الأوقاف، وكيفية تسجيله رسمياً، والحث عليه، ودعوة التجار إلى المبادرة بالوقف للجهات التي تستفيد منه فعلياً. والوقف دين، والناس بفطرهم يتجهون له، وكثير ممن يرغب في الوقف يجهل كثيراً من أحكامه ومصارفه، وكيف يكتب عقده أو وصيته فيما يوقف، والوزارة منوطة بذلك، فأين هي منه؟! كم أتمنى فصل إدارة الأوقاف عن وزارة الشؤون الإسلامية بهيئة عامة مستقلة، تتمكن من أداء العمل بشكل أكثر فاعلية وإنتاجية. أما مطبوعات الوزارة فلا تجد لها أثراً اليوم، والحال احتدام الآراء واختلاف المسائل على الناس، بتجددها وتغير الأحوال والأزمان، فاجتهاد الفقهاء المعتبرين والدعاة المؤصلين يلزم حضوره بين الناس، والتوجيه بالتمسك بأصول الدين والاعتقاد الصحيح من خلال المطبوعات المتنوعة التي تصل لأيدي المستهدفين. وفَّق الله الجهود، وسدَّد الخطى.