أحمد الصاوي (القاهرة) - عندما اجتاحت جيوش هولاكو المغولي بغداد في عام 656 ه «1258 م»، وراحت بعد استباحتها لدماء الأهالي تفتك بالكتب والمصاحف، وتلقيها في نهر دجلة حتى اسود لونه، أيقن الكافة أن نهاية العالم قد اقتربت بتحطيم هؤلاء الوثنيين للخلافة العباسية، ولكن لم تمر أربعة عقود حتى كان الإسلام قد غزا قلوب المغول شيئاً فشيئاً، وأعلن غازان محمود الإسلام دينا رسميا لدولة نواب الخان أو دولة الإيلخانات في عام 699 ه. إذا كانت فنون العمارة والتصوير وإنتاج التحف التطبيقية قد واصلت ازدهارها بسرعة في ظل حكم المغول؛ فإن مسيرة نسخ المصاحف بالخطوط المحققة المثالية النسب بين حروفها وبجلودها وزخارفها المسرفة في التأنق سبقت الفنون كافة، تحت تأثير رغبة الحكام الحديثي العهد بالإسلام في إظهار مدى حميتهم لدينهم الجديد واعتزازهم بالقرآن الكريم. نجاة أشهر الخطاطين شاءت الأقدار أن ينجو ياقوت المستعصمي أشهر الخطاطين ببلاط المستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس ببغداد من مذابح هولاكو ليواصل عمله حتى وفاته في عام 698 ه في نسخ المصاحف، وتلقين تلاميذه المقربين أسرار الخط العربي المحقق الذي أتقنه كل الإتقان، وبلغ عدد هؤلاء الطلاب المباشرين ستة صاروا من مشاهير الخطاطين في الدولة المغولية، ناهيك عن الخطاطين الذين حذوا حذوه وتتلمذوا على أسلوبه الفني الرفيع. وعني رشيد الدين الوزير الشهير لكل من غازان محمود وولده أولجايتو بإنتاج النسخ الفنية المخطوطة من المصاحف والكتب، حتى إنه أنشأ ضاحية ملكية لذلك عرفت باسم الرشيدية، ويتوزع إنتاج هذه الفترة الأولى من حكم المغول المسلمين بين عدة مكتبات ومتاحف عالمية، منها متاحف بريطانيا في لندن وأدنبره ودبلن ومتاحف إسطنبول المختلفة، بل ومتاحف الولاياتالمتحدة بأجزاء متفرقة من نسخ المصاحف الكبيرة التي نسخت على هيئة أجزاء أو ربعات سواء لخانات المغول أو لكبار رجال الدولة. ونجد في تلك الأجزاء توقيعات لبعض تلاميذ ياقوت المستعصمي الستة ولغيرهم ممن نسجوا على منوالهم، فضلا عن توقيعات للمزخرفين والمذهبين الذين أسبغوا على تلك النسخ المخطوطة التي فرقتها أيدي سبأ طابعاً من المهابة الجمالية، ويرى علماء الفنون الإسلامية أن تلك الأعمال تمثل بصدق الطابع الإمبراطوري لفن المصاحف بالعراق. ... المزيد