ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 30/12/2013 لن أقول إن الإمارات محظوظة، لأن الحظ يرتبط تلقائياً باليانصيب: ضربة حظ، لا دخل فيها للكدح على مرّ السنين . ولكن لغتنا العربية ذات عبقرية مذهلة . كيمياء مدهشة . تجعل من لا يعشقها "فاسد المزاج، ليس له علاج" على رأي أبي حامد الغزالي . الضاد الرائعة تجيد لعبة النرد اللغوية . تبدع لنا من ثلاثي "ج د د" الجدّ بفتح الجيم بمعنى الحظ، والجدّ بكسر الجيم بمعنى الكدح والاجتهاد والحزم والعزم . فإذا جمعناهما وجدنا أن عظمة الحظ أن يأتي بفضل العمل الدؤوب . بالمناسبة هبط منسوب الإحساس بالمعاني إلى حدّ القول في الإعلام العربي الغرائبي: "قتل عشرون شخصاً وأصيب مئة بفضل سيّارة مفخخة" . الضاد كانت في الموقع من بين الضحايا . مسكينة . تقصير الجاحظ علمنا الاستطراد . في مأثورنا: "إذا سألتم الله فاسألوه البخت" . ماذا لو قلنا: فاسألوه حاكماً حكيماً؟ حاكماً رحيماً، مستقيماً، يريد نمواً مستداماً مستديماً، يتبع رأياً سليماً قويماً، يستشير عليماً، يتمنى خيراً عميماً؟ لك أن تحتار، أيهما يأتي أوّلاً: الكدّ يصنع الحظ، أم العكس؟ ستكون الحيرة أكبر: كيف حظيت الإمارات بحكام آثروا العمل الدؤوب على انتظار ضربة الحظ؟ ستقول طبعاً وحتماً: هذه هي ضربة الحظ . وسيحيّرك ثلاثي "ج د د" أكثر . لكننا في الواقع أمام واقع صاعد محلّق . هي ذي مصائر البلدان العربية مؤسفة . كل ربيع يتحوّل إلى خريف متناثر الأوراق . مؤسفة لأن الصورة أن الحضارات القديمة لا تشكل الركيزة التي يستند الناس إليها ويعتمدون عليها . كأنها هباء من الزمان منثور . كأنها حطب في سعير غير منير . رماد لا مثير ولا وثير . المحال محال إذا حضرت إرادة الحياة . تستطيع الأمة أن تعود إلى رشدها على جناحي الأمل . أن تؤمن بطاقاتها وكفاءاتها أن تستصغر الكبار الذين يلعبون بها . أن تدخل متحف تاريخها، ذلك المتحف الذي يتجلى في عنوان مالرو: "المتحف الخيالي"، ستخجل حتماً إذا هي لم تجد طاقة نووية تحرّكها . هي أروع حمّى حرارية نورانية . وعندها ستتذكر تلك الطرفة لشمس تبريزي: "رأيت جموعاً محتشدة . سألت، قيل لي: وراء هذا الباب الحديدي العملاق تنيناً يستطيع أن يجعل العالم لقمة . تقدّمت، اقتحمت الباب، رأيت دودة، سحقتها تحت قدمي، وخرجت" . لزوم ما يلزم: املك زمامك، واعتدل وعدّل قوامك، سترى إخوانك حكامك . [email protected]