"القسام" تعلن عن عمليات "نوعية" ضد قوات العدو جنوب قطاع غزة    شركة النفط: الوضع التمويني مستقر    الدكتور عبدالله العليمي يعزي العميد عبده فرحان في استشهاد نجله بجبهات تعز    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الدكتور عبدالله محمد المجاهد    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    مفتي عُمان يبارك "الانجاز الكبير" لليمن بضرب مطار بن غوريون    تحالف (أوبك+) يوافق على زيادة الإنتاج في يونيو القادم    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    وزير الدفاع الإسرائيلي: من يضربنا سنضربه سبعة أضعاف    عدن: تحت وقع الظلام والظلم    ريال مدريد يتغلب على سيلتا فيغو في الدوري الاسباني    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    هيئة رئاسة مجلس الشورى تشيد بوقفات قبائل اليمن واستعدادها مواجهة العدوان الأمريكي    بن بريك اعتمد رواتب لكل النازحين اليمنيين في عدن    أعضاء من مجلس الشورى يتفقدون أنشطة الدورات الصيفية في مديرية معين    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ يمني    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    الخبجي : لا وحدة بالقوة.. ومشروعنا الوطني الجنوبي ماضٍ بثبات ولا تراجع عنه    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 4 مايو/آيار2025    الوزير البكري يهنئ سالم بن بريك بمناسبة تعيينه رئيسًا للحكومة    أبو عبيدة:التصعيد اليمني على الكيان يتجاوز المنظومات الأكثر تطوراً بالعالم    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    بن بريك والملفات العاجلة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    التركيبة الخاطئة للرئاسي    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    اعتبرني مرتزق    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    الحقيقة لا غير    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    من يصلح فساد الملح!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار الوطني يطفئ الصفيح الملتهب منذ نصف قرن
نشر في الجنوب ميديا يوم 12 - 01 - 2014

(ليس النجاح أن تنزع سلاحاً من شخص يفكر بالقتل، بل النجاح أن تنتزع مسألة القتل من تفكير هذا الشخص).. اختزال إنساني بليغ -لم أتذكر كاتبه- لكني لمحته في أحد الأفلام الوثائقية التي شاهدتها قبل سنوات.. تذكرت هذه العبارة حين بدأتْ جهود العقلاء من أبناء اليمن، وجهود الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي مسيرة إطفاء الحرائق السياسية التي شبَّت خلال العام 2011م، لكن هذه العبارة سيطرت على مخيلتي أثناء حضوري لانطلاقة تدشين مؤتمر الحوار الوطني الشامل في دار الرئاسة في 18 مارس 2013م، في لحظة زمنيةٍ خيَّمَ معها التوجِّس والخوف في نفوس اليمنيين من تكرار مصائر الحوارات الوطنية التي انتهت في بداياتها بكوارث لم تزد الجراحات إلا تراكماً وترحيلاً للمستقبل.. ومع وداعنا للعام 2013م تحصرنا الاستفهامات حول الكيفية التاريخية التي أقنعت اليمنيين في الذهاب إلى طاولة الحوار..؟ وإلى ما جرى على قاعة موفمبيك..؟ وما التحديات التي رافقت مجريات الحوار..؟ وما المنجز خلال تسعة أشهر من الحوار.. عبر هذه المسارات الاستفهامية سنمضي سوياً مع هذه المادة الصحفية، عبوراً بين ثنايا مجريات العام 2013م من واقع المشاهدات والمؤشرات، وصولاً إلى الرؤية التقييمية من المصدر الأساسي الذي يقف إدارياً على مسيرة من أهم وأشمل حوار في تاريخ اليمن السياسي........ إلى التفاصيل:
لماذا الحوار..؟ هذا هو السؤال الأهم في لغز التخلي عن المتارس والمواجهات وذهاب اليمنيين إلى طاولة أوسع وأشمل حوار في تاريخهم.. ورغم أن الإجابة على سؤال كهذا لا يمكن أن نفيها في هذا المقام إلا أن من اللائق الإشارة إلى الخلفية التاريخية والسياسية للمجتمع اليمني الذي شهد تراكماً كبيراً للمشكلات والأحقاد على مدى أكثر من 60 عاماً، إذا لم تشهد اليمن هدوءاً لنار الساسة وأخطائهم الفادحة، إلا بحدود تخدير الآلام والأوجاع، وفقاً لمصالح سلطوية قصيرة المدى، وكانت النُذُر الأولى لاستفحال الصراع بعد مقتل الإمام يحيى بن حميد الدين، وما تلاها من تصفيات كانت مبتدأ الانحراف القيمي في مسار العمل السياسي اليمني، وكانت نقطة الخروج الأولى عن طور العقل ومنطقية القضاء، إلى طور الثأر السياسي، لتسقط صنعاء برمتها، ليسجّل التاريخ المعاصر أول خرق لنواميس التعامل الإنساني، محدثاً تداعياً نفسياً في تركيبة المجتمع اليمني، لم ينته هذا التداعي إلا بثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، ورغم كونها شكّلت فجراً الخلاص إلا أنها فتحت الباب لمتوالية جديدة من الصراعات- خصوصاً حين بدأت بالتهام أبنائها- لتستمر المعارك والتصفيات بين الجمهورين والملكيين حتى مطلع السبعينيات، وتزامنت مع هذه الظروف والتصفيات، أقسى المعارك في جنوب الوطن وكانت لحظة إنزال المستعمر أعلامه من عدن في 1967م بداية لمسلسل الاقتتال في الشوارع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، لتسير قافلة اليمن السياسية –بعد ذلك- على هذا المنوال من الصراعات والاغتيالات وصولاً إلى مجزرة يناير 86م، ليأتي بعدها بأربع سنوات مشروع استعادة الوحدة اليمنية بعد أن سأم اليمنيون الاقتتال وسفك الدماء، لكن أساسات المشروع بنيت على بذرتين للصراع لم يقدرهما الساسة ولم يكن لديهم الشجاعة الكاملة لمعالجتهما، ربما لظن الساسة أن ذلك قد يعيق الإعلان الوحدوي.. البذرة الأولى تمثلت في شرط الإقصاء لأطراف الصراع في أحداث يناير 86م، وما سبقها من ثارات، والثانية ثقافة الاستحواذ وابتلاع الآخر لدى الطرفين، وهو البعد السياسي الأخطر الذي أفضى إلى حرب صيف 94م التي فتحت للانتقام من ماضٍ كان يجب مغادرته قبل إعلان الوحدة.. فتعاظمت المشكلات واحتقنت الأوضاع حتى ظهر الحراك السلمي في 2006م وظهرت مشاريع سياسية جديدة على خارطة اليمن الموحد، ليخرج الجَمَعُ السياسي عن مسار الإصلاحات والطموحات المشروعة، إلى دوامة الجدل العدمي، بين سلطة أخطأت الحساب، بتكريس ثقافة الولاء للمصلحة المادية، هدفاً للتوسع والبقاء عبر وسائل الاستقطاب الحميد وغير الحميد، دون الالتفات إلى الدولة والتنمية كأهم ركيزتين في الاستقرار المجتمعي، فتربّى على هذه الثقافة جيش واسع من أصحاب المصالح، أضاع فرص التحول الجذري نحو مسار التنمية والبناء، وبين معارضة حصرت نفسها في زاوية الانتهازية واقتناص أخطاء النظام دون الوثوب بمشروع مستنير كبديل لما يجري من اعوجاج سياسي، فكانت المعارضة التي تتخاصم مع النظام على مدار العام تلتقي في نهاية كل خلاف للتقاسم معه حصيلة الاتفاق بعد الخصام ما أخرج القاعدة الجماهيرية من طور الترقب بأمل، إلى مرحلة الخروج إلى الشارع بحثاً عن فرص العمل والعدالة والمواطنة المتساوية، والتغيير السلمي تتوج ذلك بثورة الشباب السلمية في فبراير 2011م وما رافقها من انتهاكات وصولاً إلى احتدام الحرب في كل مكان، بين أطراف الصراع السياسي في اليمن وشركاء الحكم خلال 33 عاماً، وهنا بدأ الخطر يحدق باليمن، وبدأت نُذُر الحرب الأهلية في كل بقاع الخارطة اليمنية، بين حلف الأمس الثلاثي(القبيلة والساسة والجيش).. هنا كان على العقلاء التدخل لإيقاف النزيف اليمني، بعد أن سئم الناس الصراعات وأدركت القوى السياسية أن الركب يمضي إلى الهاوية، فانسجم هذه الشعور مع الرغبة الاقليمية والمجتمع الدولي في مساعدة اليمن للخروج إلى فضاء أرحب من السلام، فكانت المبادرة الخليجية آليتها التنفيذية، التي ارتكزت على الحوار الوطني كخيارٍ ارتضاه كل اليمنيين، قابضين على قلوبهم خِيفةً منذ انطلاق تدشين فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل في 18 مارس 2013م مفتتحة أول أيام اجتماع فرقاء السياسة بفيلم قصير بأصوات البراءة ينشدون مستقبلاً خال من الصراع السياسي والثأر السلطوي..
بعد انطلاقة يوم القلوب التي أبكت الساسة-كما ظن المثقفون والنخبويون- بحناجر الصغار في 18 مارس، كان موفمبيك على موعدٍ مع الخوف والأمل، أما الخوف فكان مبعثه أن يكون محطة لانفجار بركان الغبن السياسي والاجتماعي المتراكمين منذ أكثر 50 عاماً، ابتداء من حرب الملكيين والجمهوريين ولم ينته بحرب صيف 94م وانتهاكات 2011م.. وكان مبعثه أيضاً أن تتكرر المجازر التي طالت مسيرة الحوارات الوطنية في الخمسين السنة الماضية، كمجزرة مشائخ بكيل مطلع السبعينيات، ومجزرة النُخبة اليمنية في طائرة الدبلوماسيين، في 30 ابريل 1973م، ومجزرة يناير 86م في قاعة التواهي، وما تلاها من تصفيات طالت الهوية الوطنية بالبطاقة الشخصية، وكذلك ما حدث بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق في عمَّان، وما تخلل هذه المحطات الدموية من تصفيات تم إنضاجها على نار هادئة في المناطق الوسطى، وفي شمال الشمال وغيرها من المحافظات..
فيما انبعث الأمل من ملامح العزم الصادق لفتيةٍ من اليمنيين ارتضوا تحمل مسئولية إدارة الحوار الوطني، من اللحظة التي ارتضى فيها أرباب النفوذ والثأر السلطوي التسليم بالحوار كلغة بديلة لهدير المدافع وتجنيب الشعب اليمني مزيداً من الويلات والحروب.. ووحده واقع الإبداع الفني والإداري للحوار أحال التوقعات المخيفة إلى طاولة استدارت حولها الحكمة اليمانية مُطفأةً صفيح الصراع الساخن منذ نصف قرن، فمرّ عام 2013م بسلام، بفضل هذا الحوار المسؤول والهادف إلى «تمكين أفراد المجتمع اليمني من تقرير مستقبلهم بالشكل الذي يفي بتطلعاتهم » جاعلاً اليمن أبقى لأجيالنا من الصراع.. ومع إدراك القائمين على الحوار بأن نجاح هكذا حوار لن يكون بالأمر السهل، بل يتطلب حشد القيم واستنهاض الضمائر لدى الساسة والقيادات الوسطى والدنيا والقاعدة الجماهيرية والمجتمعية على الخارطة اليمنية، فعززوا كل عوامل الحيطة والحذر من خلال نظام داخلي دقيق، وإدارة فنية محكمة، شهد لها الحضور المحلي والإقليمي والدولي الذي دعم هذا الحوار الاستثنائي ليتميز عن سابقيه بتركُّز أهميته في طبيعته البرجماتية، إذ يمثلّ الحل الوحيد والماثل، والفرصة الذهبية لخلق عقد اجتماعي جديد لحل المشاكل التي عانتها الدساتير السابقة، كما يعتبر الأساس لعملية صياغة الدستور الجديد للبلاد، وباعتباره سيادياً، وقراراته ملزمة للجنة صياغة الدستور، ولا يخضع لأي جهة تنفيذية أو تشريعية، والتزامه على عدم الخروج، بتوصيات بل بقرارات ملزمة).
أما المبادئ التي قام عليها الحوار الوطني فتمحورت حول قيادة يمنية وملكية وطنية ومشاركة مجتمعية حقيقية، تكفل الشمول بشفافية ومصداقية في المخرجات.. من خلال التوزيع العادل في بناء مكونات الحوار الوطني الشامل وجاءت كالتالي: المؤتمر الشعبي وحلفاءه "112"، والحراك "85"، الإصلاح "50"، الشباب "40"، المجتمع المدني "40"، المرأة "40"، والاشتراكي "37"، والناصري "30"، الحوثيين "35"، فعاليات أخرى "76"، وبإجمالي 565 شخصية يمثلون كل أطياف المجتمع اليمني وفئاته وشرائحه، موزعيّن على : (القضية الجنوبية "40"، قضية صعدة "50"، قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية "80"، بناء الدولة -الدستور: مبادئه وأسسه- "55"، الحكم الرشيد "50"، أسس بناء الجيش والأمن ودورهما "50"، استقلالية الهيئات ذات الخصوصية وقضايا اجتماعية وبيئية خاصة "80"، الحقوق والحريات "80"، التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة "79")..
لقد أحكمت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني عبر طاقمها الشاب والفتيِّ إدارة الحوار بحرفية عالية وخالية من التعصب لأي طرف سياسي فكان عملها أشبه بترميم النمل لخليتها بنشاط وحيوية لسد أي ثغرة تحدثها المتغيرات الطبيعية، كما كانت تلك المجاميع تحاول بكل ما تمتلكه من قوة تحمَّل ما قد يطال خصوصية مديريها، إدراكاً منها بحجم المسؤولية التي تحملّتها، فهي عبارة عن جبهات ومجاميع إنقاذ لإطفاء حرائق السياسية التي قد تنشب بين لحظة وأخرى، إلى جانب مسارات المهمة الفنية المرافقة للعملية الإجرائية للحوار، كتنفيذ وإدارة العمل الإعلامي للمؤتمر، وتنفيذ برنامج توعوي لكافة فئات المجتمع اليمني لإطلاعهم على طبيعة وأهداف المؤتمر وسير فعالياته ومخرجاته، وتوفير كل السبل المتاحة لنقل مقترحات وتوصيات وآراء فئات المجتمع للمؤتمر، وكذا إدارة الدعم الفني والمالي المقدم للمؤتمر سواء من قبل الدولة أو المجتمع الدولي، ومن ثم توثيق وأرشفة كل فعاليات وأنشطة ومخرجات المؤتمر..
وما يُميِّز فريق الأمانة العامة – الذي بدأ ب"98" شاباً وشابة في الجلسة الأولى ليصل في نهاية الجلسة الثالثة إلى"126" - هو موضوع اليمننة حيث اتسم فريق العمل بدماء شابة يمنية فتية ابتداء من أمينها العام الشاب الدكتور أحمد عوض بن مبارك الذي تحلّى بحضور لافت في إطفاء الكثير من المهاترات والخلافات وتميز بقدرة عجيبة في ضبط إيقاع التنفيذ للائحة الداخلية لتسيير فعاليات وجلسات المؤتمر، وبمنطق مقنع، وقدم ثابتة على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية.. وانتهاء بأصغر شاب كُتب على ظهر (جاكته) : " متطوع من أجل بلدي.. أنا في خدمتكم".. وكان هذا الشعار أرقى ما يمكن وصفه من الإخلاص والاندفاع في الإسهام في إنجاح هذا الحدث الاستثنائي الذي تلفه منظومة من القيم الإنسانية في إطفاء حرائق السياسة التي استنزفت اليمن إنساناً ومكانةً وفرصاً للبناء.. واللافت الذي يحسب لفريق العمل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. هو أن نسبة التطوع كانت علية جداً إذا ما قورنت بالكادر النظامي والذي يعمل برواتب والتزامات وظيفية ودوم رسمي، حيث وصل عدد المتطوعين في الجلسة العامة الأولى"72"متطوِّعاً، ويتقلص العدد في الجلسة الثالثة إلى "48" متطوعاً ويعكس هذا الفارق أهمية الإعدادات في الجلسة العامة الأولى، ولا يعكس التراجع في العمل الطوعي... لقد عمل هؤلاء على مدى معظم العام 2013م من أجل إنجاح الحوار ليس طمعاً في العائد، بل حباً في العمل وتطوعاً في هذه المهمة الإنسانية، مكتفين ببدل مواصلات، وصرف الوجبات إن توفرت، ومع هذا هناك جنود مجهولون أكثر لا يعلمهم الحوار، وإن عرفهم ليس مُطَالباً منهم بشيءٍ سوى تحريك المجاديف بسرعة أكثر، وبإخلاص ونكران ذات ليصل المركب إلى شط الأمان..
بهذا الاستعداد استقبلت قاعة موفمبيك أول أيام الحوار الوطني حيث عصفت الابتسامة بمخيال الصور الذهنية من التوقعات المخيفة، حيث كان الظن بأن لأولى اجتماعات الحوار في موفمبيك، ستكون مبتدأ العراك بالأيدي، ورفع السلاح، وإطلاق عنان الشتائم، في قاعة ترتجف وسطها طاولةً تتسع لكل أسباب الخلاف التي أشعلت فتيل الاقتتال في الجنوب والشمال والوسط وشمال الشمال.. ومن المشاهد التي لن تغادر الذاكرة لأولى جلسات هذا الحوار مشهد لقاء قادة الحراك، أولاً ببعضهم -إذ لم يلتق البعض منهم منذ يناير 86م ومروراً ب 94 و2011م وما بينهما-.. ثم التقاؤهم بمجيزي صيف 94م ومديري عملياتها ورحاها وشررها التي "وَكّرَتْ" في خاصرة الوحدة اليمنية، ثم التقاء أساطين الحروب الستة التي دارت رحاها في جبال مران وما حولها ملتهمة الآلاف من أرواح الشعب اليمني.
لكن المشاهد الأهم التي كانت تلبِّد الأجواء بين الحين والآخر، هي العراك بالأيدي أو المراشقات بالكراسي، وقوارير المياه، حيث لا سلاح مع الجميع داخل القاعة - من أكبر سياسي إلى أصغر شيخ- فالكل التزم ووضع السلاح خارج موفمبيك، فكان الأجمل في تلك المشاهد أن احتدام المشاكل الجدلية حدّ العراك وتبادل كفوف الصفعات المتلونة بين الخشنة والناعمة، بين بعض الأعضاء، عكست نفسها إيجابياً في تنفيس الاحتقان والغيض خصوصاً وتسوية كل عراك تنتهي بالاعتذار فالكل أخوة أتوا ليحلّوا المشاكل وليس ليصنعوا المشاكل الجديدة، ويعود بعدها الوئام والهدوء إلى مجراه الطبيعي.
هذه المشاهد والتحديات عكست صورة ناصعة عن مدى الإخلاص لدى الأمانة العامة لمؤتمر الحوار وطول البال لدى منتسيبها وكذا إصرارها على مواصلة العمل وتطوير الكادر المستمر لمواجهة التحديات، حيث استطاعت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني أيضاً خلال 18 مارس إلى ديسمبر من العام 2013م - أن تُسلِّح كادرها من الشباب وتوجههم إلى كل ما سيزيد ويعزز من فرص النجاح لهذا المؤتمر، فنَفَّذَت خلال هذه الفترة العصيبة، نحو "32" دورة تدريبية، حفّزت كل قيم الإبداع في العمل والحوار والتعايش والقبول بالآخر.. حاضر فيها أكثر من "40" خبيراً دولياً، وأكثر من"250" قاموا إلى جانب المحاضرات بأكثر من"300" زيارة، لمحطات العمل اليومي، و"9" ميسرين، فيما بلغ عدد المراقبين الدوليين نحو "120" مراقباً ودولياً نفذوا نحو "300" زيارة لأعمال المؤتمر، كما نفذت الأمانة العامة أكثر من (300) ورقة عمل، من خلال اعتمادها على كادر محلي في معظمه من الباحثين والأكاديميين والمتخصصين، ورتبت مجريات مستجدات فرق العمل وحل مشاكل الأعضاء، كاستبدال بين الأعضاء حيث بلغت نحو (46) حالة استبدال، و"15" حالة استبدال بين فرق العمل، وفتح "565" حساباً بنكياً للأعضاء، وقطع "2000" بطاقة ممغنطة (أعضاء + إعلام + موظفين + بدل فاقد)..
أمام هذه الجهود الجبارة كانت النتائج طيبة ومشهود لها محليا وإقليمياً ودولياً، حيث خرج المؤتمر بأكثر "2130" قراراً وتوصية موزعة كالتالي العدالة الانتقالية"156" قراراً وتوصية، فريق الجيش والأمن نحو "210" قرار وتوصية، استقلالية الهيئات" 324 "قرار وتوصية، والحكم الرشيد "323" قرار وتوصية، والحقوق والحريات "364" قراراً وتوصية، وقضية صعدة "66" قرارا وتوصية، والقضية الجنوبية نحو"44" قراراً وتوصية، كما صدر عن المؤتمر "13" قراراً في البعد القانوني والجذور ومحتوى القضية الجنوبية ، و"15" قراراً في البعد الاقتصادي ، و"15" في البعد الثقافي والاجتماعي، "15" قراراً كإجراءات وتدابير لبناء الثقة، توافق على هذه القرارات ممثلي"28" فريقاً مصغراً من فرق العمل المكونات وتجاوزت أيام الجلسات ال"180" يوماً، وزار مؤتمر الحوار الوطن "17" محافظة عقد خلالها أكثر من"168" اجتماعاً، حضرها ما يزيد عن"11,000" شخص.. وواكب النزول الميداني "27" فريقاً إعلامياً رافق 27 لقاء فريق عمل (خلال فترة الذروة).
مؤتمر الحوار الوطني اليمن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.