نشرت "سبق"، كما تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي، خبراً مع صورة لصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر أمير منطقة الرياض، وهو يتجول في أحد أسواق الرياض مع عدد من أحفاده، بشكل غير رسمي، ورغم أن سموه عُرف عنه التواضع ولين الجانب ومحاولة التخلص من الرسميات بقدر المستطاع، إلا أن المتتبع لردود الأفعال على الخبر، يجد أن الغالبية بين معجب جداً بذلك وبين مشكك في إمكانية حدوثه، ما يوضح أننا لم نتعود رؤية أمراء المناطق ولا حتى كبار المسؤولين والوزراء في الأماكن العامة بشكل عفوي، وبلا مرافقين أو حراسات. الملك عبدالله حفظه الله عندما اختار لقب "خادم الحرمين الشريفين" كنايةً عن رعايته وخدمته لهذه البلاد وشعبها الكريم، وضع نفسه في موقع القدوة لجميع المسؤولين وفي مقدمتهم أمراء المناطق، لاستشعار مهمتهم الرئيسية وهي "خدمة" المنطقة ومواطنيها. في العديد من إمارات المملكة لا يشعر المواطنون بأن أمير المنطقة يمارس دور "خادم المنطقة" كما يتمنون، ولا أعرف أن أهل منطقة اعتادوا رؤية أميرها يتجول في أسواقها، أو يتفقد أحياءها الفقيرة ويتحدث مع الناس في شوارعها وأزقتها، أو يزور قطاعاتها الخدمية ويتحدث مع المواطنين، لقياس مدى الرضى عما يقدم لهم من خدمات، أو حتى يحضر بنفسه لمتابعة عمليات الإنقاذ في حال وقوع الكوارث، بل لم يسمعوا أنه يأكل في مطاعمها أو يتناول كوباً من القهوة في أحد مقاهيها، وبالتأكيد أيضاً فإنهم لم ولن يتوقعوا أن يتعالج في مستشفياتها أو مستوصفاتها، بل إن الواقع يقول إن الكثير من أمراء المناطق لا يكاد يُرى في منطقته إلا وهو يخترق الشوارع المفرغة من السيارات لتسهيل عبور موكبه بين منزله ومقر الإمارة أو الطريق إلى المطار. إمارات المناطق مفصل مهم من مفاصل الإصلاح الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين، وإذا لم تقم الإمارات بواجبها المؤمل فلن يتحقق التطوير الشامل والمتناسق على مستوى المملكة، ومسألة أن تبقى إنجازات إمارة المنطقة مرتبطة بقوة شخصية الأمير ونشاطه، أو بمدى نفوذه في وزارات الدولة، أو حتى تواضعه وطيبته، فهذه مشكلة أخرى، وهذا ما يحتم تطوير نظام المناطق وتحديد مسؤوليات أمرائها وصلاحياتهم مع معايير واضحة لقياس نجاح كل منهم في تحقيق رؤية الملك الإصلاحية. وهذا يجب ألا ينسينا أن العلاقة بين أمير المنطقة والقطاعات الحكومية في منطقته، غير واضحة، والمسؤولون في القطاعات الحكومية حائرون بين أن ينفذوا ما يقوله لهم مرجعهم في الوزارة وبين ما يصلهم من الإمارة، وغالباً ما يحصل تضارب في توجيهات الطرفين. وإذا انتقلنا للحديث عن المحافظين ورؤساء المراكز، فمن المؤكد أنه لا يوجد معيار يحدد المستوى التعليمي أو التخصص والخبرات اللازم توفرها لتعيينهم، فأكثرهم يعتبر أمياً قياساً بما وصل له أهل المحافظة أو المركز من التعليم والخبرة، وبعضهم ما زال يمارس دوره بشكل أقرب إلى "المشيخة" من المسؤول الحكومي. بعض أمراء المناطق والمحافظين اليوم قضى أكثر من 20 سنة في منصبه، وهناك من تجاوز ذلك بكثير، ونظريات الإدارة تقول إن المسؤول الذي يقضي أقل من نصف هذه المدة ولم ينجز، فلن ينجز ولو بقي مائة سنة، ولو كان ناجحاً وأنجز فلن يكون باستطاعته الإنجاز أكثر. أما المؤكد فإن خالد بن بندر، وتركي بن عبدالله، يعملان وبنجاح على إعادة صياغة العلاقة بين إمارات المناطق والمجتمع، ويرسمان كل يوم خطاً جديداً لن يكون أمام البقية إلا السير بمحاذاته. صحيفة سبق