يؤدي تنامي نفوذ تنظيم القاعدة دورًا لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مؤتمر جنيف 2، الذي ينعقد اليوم، حتى أن الغرب بات يتقبل فكرة أن يكون الاسد مشاركاً في حل واقعي. بيروت: تعد ظروف انعقاد مؤتمر جنيف-2 للبحث عن حل للازمة السورية، اكثر ملاءمة للرئيس بشار الاسد الذي اعلن عن وجود احتمال كبير لترشحه لولاية جديدة، من تلك التي رافقت مؤتمر جنيف-1 قبل اكثر من عام. ويقول فولكر بيرتيس، مدير المعهد الالماني للسياسة الدولية والشؤون الامنية، الذي يتخذ مقرًا له في برلين إن "الاسد اقوى مما كان عليه في العام 2012 لأن المعارضة غير قادرة على هزمه، وهي غير موحدة، حالها كحال الدول الداعمة لها". ويضيف الباحث أن "تنامي نفوذ تنظيم القاعدة يؤدي دورًا لصالح النظام، لأنه يتسبب بتصاعد الخشية من الاسلام المتطرف بين السكان المتشبثين بسوريا المتنوعة مذهبياً وطائفياً". ويقول مؤلف كتاب "سوريا تحت قيادة بشار" إن "روسيا نجحت في جعل حكومة الاسد شريكًا مقبولًا بالنسبة للمجتمع الدولي، لا سيما في اعقاب ملف الاسلحة الكيميائية". وكان الرئيس السوري خلال العام 2012 "منبوذًا" من المجتمع الدولي، لا سيما الدول الغربية التي ما انفكت تطالب برحيله. كما حاول مجلس الامن الدولي استصدار قرارات تدين النظام، الا أن هذه المحاولات حالت دونها روسيا والصين باستخدامهما حق النقض "الفيتو" ثلاث مرات. اما ميدانيًا، فكان مقاتلو المعارضة على مقربة من دمشق ويحاولون الضغط عليها، وتمكنوا خلال 2012 من اتخاذ معاقل لهم في احياء على اطرافها. في العام نفسه، اغتيل اربعة قادة أمنيين بارزين بتفجير في العاصمة، وسيطر المعارضون على احياء في حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد. كما نال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة خلال 2012 اعتراف العديد من الدول العربية والغربية كالممثل الوحيد للشعب السوري. في ظل هذه الظروف، توافقت "مجموعة العمل حول سوريا"، على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا بصلاحيات كاملة، دون التطرق الى مصير الرئيس الاسد. وتضم هذه المجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، اضافة الى الاممالمتحدة وتركيا وعدد من الدول العربية. وعرف الاتفاق الذي تم التوصل اليه في 30 حزيران/يونيو 2012، باتفاق جنيف-1. ورغم أن المعارضة كانت تكرر خلال تلك الفترة أن ايام الاسد في الحكم باتت معدودة، الا أن الرئيس السوري ما زال يتحدث من موقع قوة، بعد قرابة ثلاثة اعوام على اندلاع الازمة في بلاده. ويقول بيرتيس إن "الاهم بالنسبة الى الاسد في جنيف-2 هو الحؤول دون حصول اجماع دولي يطالبه بالرحيل عن السلطة، وهذا الامر ممكن بفضل الموقف الروسي". ويبدأ المؤتمر اعماله الاربعاء في مدينة مونترو السويسرية ويستكملها في جنيف، بمشاركة ممثلين للنظام والمعارضة التي وافقت على المشاركة بهدف وحيد هو رحيل النظام وابرز اركان الحكم. وقال الاسد في مقابلة حصرية مع فرانس برس اجريت معه الاحد في دمشق، قبل ثلاثة ايام من المؤتمر الدولي، إنه "بالنسبة الي، لا أرى أي مانع من أن أترشح لهذا المنصب، أما بالنسبة الى الرأي العام السوري، (...) إذا كانت هناك رغبة شعبية ومزاج شعبي عام ورأي عام يرغب بأن أترشح، فأنا لن أتردد ولا لثانية واحدة بأن أقوم بهذه الخطوة". وتابع: "بالمختصر، نستطيع أن نقول بأن فرص الترشح هي فرص كبيرة". ويبلغ الرئيس السوري من العمر 48 عامًا، وتبوّأ منصبه في تموز/يوليو 2000 اثر وفاة والده حافظ الاسد. واعيد انتخابه في العام 2007 لولاية جديدة من سبعة اعوام. ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2014. واعتبر الاسد في المقابلة مع فرانس برس، أن المعارضة لا تتمتع بأي صفة تمثيلية، وانها "وجدت" على يد اجهزة استخبارات عربية وغربية. ويرى الرئيس السوري حاليًا أن الرياح تهب لصالحه. فخصومه في الميدان، أكانوا مقاتلين معارضين أم جهاديين مرتبطين بالقاعدة، يخوضون منذ اكثر من ثلاثة اسابيع معارك ضارية ضد بعضهم البعض. كما أن قواته النظامية حققت في الاسابيع الماضية تقدماً في ريفي دمشق وحلب بدعم من مقاتلي حزب الله اللبناني ومسلحين اجانب موالين غالبيتهم من العراقيين الشيعة. وشكل الهجوم الكيميائي قرب دمشق في 21 آب/اغسطس الماضي، والذي اتهمت المعارضة والغرب دمشق بالوقوف خلفه، نقطة تحول لصالح النظام السوري. وبدلاً من أن يمثل هذا الملف ضربة قاصمة، اعاد تظهير النظام على الساحة العالمية بعدما وافق على التخلص من ترسانته الكيميائية بضغط من حليفته موسكو. ويقول المتخصص في شؤون الشرق الاوسط كزافييه بارون إن "ازمة الاسلحة الكيميائية كانت فرصة غير متوقعة للاسد. وبينما كان على وشك أن يواجه تدخلاً عسكرياً دوليًا كان سيؤدي حكمًا الى اضعافه، عاد الى اللعبة الديبلوماسية بصفته محاوراً مقبولًا من المجتمع الدولي". ويرى مؤلف كتاب "في جذور المأساة السورية 1918-2013"، أن الاسد "ينتظر بداية أن يتم الاعتراف به خلال المؤتمر من قبل الدول الغربية ودول الخليج، كمحاور كامل الحق، وهو ما لم تعد عليه الحال منذ 2011". يضيف "مجرد الاعتراف به كمحاور خلال مؤتمر مونترو، هو انتصار له". ويعتبر الديبلوماسي الهولندي السابق نيكولاوس فان دام، مؤلف كتاب "الصراع من اجل السلطة في سوريا"، انه "حاليًا، الغربيون باتوا عمومًا، اضافة الى الروس، يتقبلون أن الاسد يجب أن يكون مشاركاً في حل واقعي، ولذلك عليه أن يبقى في السلطة لبعض الوقت". ايلاف