طالما أدخل العرب السياسة في قلب الرياضة فتجاذبوا الأحاديث المملة التي تزيد من فرقتهم وتوسع من الهوة بينهم، فتتضارب الآراء ويتنابزون بالألقاب ويبتكرون الكنى لسواهم حتى ينشغلوا بمعارك جانبية تسيء إليهم وتؤثر في العلاقة بين شعوبهم فينظر أحدهم إلى الآخر على أنه عدو لدود. بغداد : تتفجر، بين حين وآخر، خلافات عربية بسبب كرة القدم، على الرغم من كونها لعبة جميلة وممتعة إلا أن البعض يخلطها بالسياسة ويجعل منها قضايا جوهرية ومصيرية وتبنى عليها ما يريده أهل السياسة الذين لا يهمهم من الرياضة إلا كونها مساحة واسعة للعب على حبال المصطلحات التي تحقق لهم فرصاً لمصالحهم الشخصية، وفي الآونة الأخيرة اعتلت السياسة صهوة الرياضة فتسببت في اساءات بالغة ومشاكل عديدة مثلما اشعلت نار خلافات بسبب الجهل واصحاب الأفكار المريضة، فأحاطت لعبة كرة القدم الجميلة أسلاك شائكة من القبح والعنف. السعوديون قدموا لنا التهاني بالفوز وأكد الكابتن صالح حميد، مدرب حراس المنتخب الأولمبي العراقي تحت 22 عاماً الفائز بالبطولة الأخيرة، على زيف ما تم الترويج له واثارته، فقال : " في موضوع اقحام السياسة فإن المشكلة تتمثل بأن اغلب دول المنطقة تمر بأزمات كبيرة ويستغل المسؤولون كل ما يؤثر أو يعتبر عاملاً مساعداً في إبعاد الضغوط عن تلك الأنظمة واستغلال الأحداث خصوصاً الرياضية، ويلعب الإعلام دوراً كبيراً في ترويج بعض الأخبار غير الدقيقة، مثال لذلك ما قيل عن أحد لاعبي المنتخب السعودي من تصريح اثر بشكل كبير، ولكن عند الاستفسار من اللاعب الذي أسمه صالح تبين أن تلك الأخبار عارية عن الصحة، وأكد اللاعب أن العراق والسعودية فريقان كبيران، وتلك اخبار تروج للاثارة لاغير". واضاف صالح : " كان للوفد السعودي الشقيق تصرف محترم كبير بدأ من مدرب الفريق مروراً بادارة الوفد، حيث أن الجميع متعاطف بشكل واضح حتى بعد الإنتهاء من البطولة، حيث قام الأخوان بإبداء التعاطف والتهاني بشكل اسعد لاعبينا واسعدنا، وتلك امور اعتقد أنها لا تؤثر بشكل كبير لأن الرياضة رسالة محبة وسلام ومن يتخذ مثل تلك الأمور ستكون نتائجها سلبية، وما قدمه الاخوة في عُمان وقطر من أمور كبيرة كانت خير دليل على أن الرياضة مثل ما هي موحدة للمجتمع هنا لا تزال تعبر عن عمق المحبة بين رياضيي العالم، اما التسميات فأعتقد أنها غير دقيقة وغير منصفة، ومطلقوها أناس يبحثون عن إثارة المشاكل وبث روح التفرقة " . لا للسياسة في الرياضة اما اللاعب العراقي الدولي السابق علي هاشم فقد أكد على خطأ ما يمارسه البعض لأن الرياضة لمّ للشمل وليس العكس، وقال: " إن من أفضل الطرق واقصرها للوصول إلى القمة للسياسيين هو عن طريق الرياضة لانها تمثل الشيء الكثير للشعب، فأغلب الشعوب إن لم يكن كل الشعوب تمارس الرياضة لذلك فمن المؤكد أنه إذا اردت أن تصل لما تطمح له ما عليك إلا أن تقدم الدعم القليل لهذه الشريحة الواسعة التي أغلب رياضييها هم من الناس البسطاء " واضاف : " اما عن تسمية داعش فهذا غير مقبول لأننا نلعب كرة قدم وهي رياضة لم الشمل لكل الأطياف وهذا بلد شقيق فيه من الناس من هو مع الشعب العراقي وناس معتدلة لذلك كنت اتمنى أن لا تكون هذه التسميات الإرهابية مربوطة بمنتخب كان بالأمس القريب يقاتل في الصين من أجل أن تكون للعراق الفرصة للالتحاق بالفرق المتأهلة لكأس العالم عن قارة آسيا " المهاترات ستفضي إلى عواقب وخيمة ومن جهته، قال رئيس تحرير جريدة الكأس وسكرتير تحرير قيثارة سبورت الزميل هاشم البدري معلقاً: " نجزم أن الرياضة، ومنذ أمد بعيد يكاد يصل إلى العصور القديمة، لها الذراع الطويلة في إطفاء الكثير من الازمات والاختلافات ما بين الشعوب ، وكان لها دور فاعل ومؤثر في تقارب الأمم وتراصها ونبذ كل أنواع الفرقة والتمايز ، بما أرست من دعائم، إن كانت على مستوى الألعاب الأولمبية القديمة أو الفعاليات الرياضية الأخرى التي اضحت عنواناً بارزاً في أجندة الكثير من الدول الداعية إلى التحرر والعيش حياة حرة كريمة". وتابع :" فقد اتخذت من الرياضة ممراً وجسراً لبلوغ المراد بعد أن عجز الساسة عن تحقيق ذلك، وقد عبثت الحروب وافتعال الازمات بمقدرات العالم بأسره ، على النقيض منّا نحن العرب وقد تناسينا كل الوشائج التي تجمعنا إن كان على مستوى القومية والعرقية والديانة ورابطة الدم وغيرها من المسميات التي ما عدنا نؤمن بها ونحمل على بعضنا البعض، بما أنزل الله علينا من سلطان في الاحقاد والضغائن وإباحة الدماء والخ.. لتمتد أذرع أخطبوط الخلافات السياسية إلى الرياضة التي تعد رسالة محبة وسلام كونها رسالة سامية وذات اهداف نبيلة لا يمكن أن تنسحب عليها المواقف السياسية، وإن كانت داخل الجسد العربي المفترض اذا اشتكى منه عضو تتداعى سائر الاعضاء له بالسهر والحمى وليس كما يحصل في محيطه وفلكه ". وأكمل:" ربما تأثر الوضع بالربيع العربي الذي اجتاح كل شيء وحرق الأخضر بسعر اليابس للأسف، وإلا بماذا نفسر إنعكاس الخلافات السياسية العربية على الرياضة وما القى بظلاله سلباً على مسيرتها، ما اعادها الى الوراء وبسنين ضوئية عن بقية دول المعمورة، وهناك الكثير من الأمثلة جراء حشر السياسة في الرياضة، والتي كانت سبباً مباشراً في احداث شرخ بجدار العلاقة في البيت العربي، وآخرها وليس أخيراً ما اطلق بحق المنتخب السعودي الشقيق من مسميات لا نحبذ التطرق لها ونترفع عنها كونها تسيء لبلد عربي أولا واخيراً ، ومهما تصدر وصدرت من محاولات لنفر محسوب عليه لا يمكن أن تمثل الرأي الرسمي للاشقاء .. وربما ، بل نجزم أن هذه المهاترات ستفضي إلى عواقب وخيمة وربما تفتح باباً لفتنة لا يوصد أبداً اذا ما فتح (لاسمح الله).. علينا ان نكون أكثر تعقلاً بإبعاد الرياضة عن السياسة ونحاول بشتى الوسائل أن نقارب في الآراء وعلى المستوى الرياضي بالتحديد للم شمل البيت العربي من اقصاه إلى اقصاه". زمن تدني الوعي الفكري والاجتماعي أما الكاتبة والروائية السيدة عالية طالب، فقد أكدت أن الرياضة دائماً في منأى عن السياسة ولكن، فقالت: " يُقال حين يتخاصم اثنان أو يختلفان على حالة أو موقف أن خلافهما لم يفسد للود قضية وانهما يتمتعان بروح رياضية !!، هذه الروح الرياضية كانت موجودة لدى الفرق الرياضية الشبابية لكنها لم تكن موجودة لدى جمهورهما بنسب أو بأخرى – الرياضة لا علاقة لها بالسياسة بالتأكيد وكم من الفرق وجدت نفسها في تصفيات مع فرق تختلف حكومات كلا البلدين المشاركين باللعبة، وقد يكون الخلاف إلى حد قطع العلاقات لكن الرياضة دائماً في منأى عن ذلك ". واضافت : " ما جرى من توصيفات ساذجة ومريضة في مباراة العراق والسعودية بعبارات فريق داعش والفريق الصفوي توضح إلى أي مدى يسير مشروع من يدقون آسفين الشقاق والفرقة بالمنطقة العربية ، وكيف بتنا لا نعرف بوضوح كيف نفصل الاتجاهات المختلطة ببعضها وكيف أننا بدأنا نعيش في زمن تدني الوعي الفكري والاجتماعي والانساني ،العراق والسعودية بلدان مهمان والفريقان لا علاقة لهما بتوجهات ورؤى الحكومات واتذكر جيداً حين فاز العراق بكأس آسيا وكنت وقتها في مصر، خرج الطلبة السعوديون مع العراقيين للاحتفال بالفوز وكانت الأعلام العراقية والسعودية تحمل على اكتاف الجميع احتفالاً بفوز العراق ، ليتنا نعرف كيف نتعايش سلميًا داخلياً وخارجياً وأن لا تختلط الأوراق التي هي بالمؤكد تحقق مصالح الآخرين وليس مصالح العرب والمنطقة ". المزج بين السياسة والرياضة غير مقبول إلى ذلك أكد الصحافي الرياضي علي نوري سكرتير " اخبار قناة وار الرياضية " أن الرياضة رسالة سلام بين الشعوب وليست رسالة حرب، وقال: " انا أعتقد أنه من غير المعقول أن يتم المزج بين السياسة والرياضة ، وهي التي توحد الشعوب وكثيراً ما لعبت كرة القدم دوراً أساسياً في توطيد العلاقات بين الدول المتنازعة ،إذن هي رسالة سلام وليست رسالة حرب، وما حدث في مباراة العراق والسعودية في نهائي كأس آسيا الأولمبية من خلال ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي هو أمر مرفوض ولا يمثل وجهة نظر الاغلبية ". وأكمل :" الجميع يعرف أن الشعب العراقي هو مُحب لكل اشقائه العرب ولا يوجد في داخله أي حقد إتجاه أي بلد عربي وكلنا نعرف أن السعودية بلد شقيق وربما اكثر جمهور يحب المنتخب العراقي هم الجمهور السعودي وهذا الكلام الذي قاله لي عدد من اللاعبين الذين احترفوا في الدوري السعودي، واذكر مرة سألت يونس محمود وبعد تعاقده مع نادي الأهلي السعودي كيف سيتعامل مع الجماهير لأنه هو من سجل هدف العراق في نهائي آسيا 2007 ضد المنتخب السعودي، فاجابني أن اكثر جمهور يحبني ويحترم المنتخب العراقي هو الجمهور السعودي، وهذا مثل عن ذلك " . واضاف : لا نريد أن تتحول الخلافات السياسية بين الحكومات إلى خلافات في الرياضة وتنتقل إلى الجماهير لأننا بعيدون عن ذلك تماماً وكرة القدم توحد الشعوب لكن ربما ما حصل كان ناتجاً من خلال عاطفة الجماهير وهو بالتأكيد لا يعبر عن داخلهم الحقيقي أو انه تم تداوله للمزحة لكننا في الوقت نفسه نرفضه رفضاً قاطعاً ويبقى العراق والسعودية اشقاء ، والشعبان تربطهما أواصر محبة لا يمكن أن تتاثر لمجرد تناول أمور غير صحيحة في مواقع التواصل الاجتماعي، اعتقد أن مثل هذه الامور لا يمكن لها اأن تزعزع العلاقة الوطيدة بين الشعبين الشقيقين ". اطلاقات عشوائية تسيء للشعبين الشقيقين أما الكاتب والصحافي حيدر عاشور العبيدي، فقال : " العرب بصورة عامة من دون النظر إلى القادة ولا السياسيين ولا المتسلطين، أقوام جميلة تتفاعل مع بعضها بعروبة أخوية إن كان في اطار الإسلام أو غير الإسلام ..، اما أصحاب النفوذ العربي الذين هم بالأصل تابعون فهؤلاء يُصدرون الموت ويحلمون بالانتصارات عليه ويُصدرون المرض ويحلمون بالقضاء عليه ويُصدرون الفقر ويحلمون بالتساوي معه، والأهم يستقبلون الحروب المدمرة ويحلمون بالانتصار عليها، لذلك تجد الموت باقياً يحصد النفوس بأعداد متزايدة، ونحن داخل جدران الصمت المطلوب منّا أن لا نرد ولا نسمع ". وتابع : " كذلك الاتجاهات الأخرى كالرياضة التي تعطي طابع التطور والتثقف والوعي ...فكيف يفوز من أمرت أميركا أن يفوز، وهي صاحبة حق تقرير الحرب والسلام والخسارة والفوز، بما أن أميركا تريد فكل حكام العرب يريدون ..، حالياً البطل داعش فكل العرب تصرخ داعش، واعتقد أن الامر يعود إلى قلة الوعي والادراك " واضاف : " أما ان يطلق على منتخب عربي شقيق اسم داعش، فهذا مرفوض جملة وتفصيلاً ولا يمكن القبول به لأنه يضر ولا ينفع، فهذه اطلاقات عشوائية تسيء للشعبين الشقيقين، لأن المنتخبات الرياضية تمثل بلداً واسم بلد وعلم بلد لا يجوز هذا التجاوز مهما كان شكله وعلينا احترام الآخرين مثلما نريد من الآخرين احترامنا، فالعراق والسعودية شقيقان ويبقيان شقيقين وتبقى مبارياتهما تنافسية وممتعة وليذهب الطائفيون إلى طائفيتهم " . ايلاف