سيد عبد المجيد القلق سمة الحياة الآن في كافة أرجاء الاناضول, زاد عليه الخوف من إرهاب جديد قد يستهدف البلاد, فقبل اسبوع استيقظ أهل إسطنبول علي تفجيرين ناجمين عن قنبلتين صوتيتين, بالتوازي اشارت أنباء عن عزم جماعة الداعية الإسلامي الشيخ فتح الله جولين مفجر فضائح الفساد التي لطخت حكومة العدالة والتنمية, عقد مؤتمر خلال الأيام القليلة القادمة, في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يقيم منذ1999, لرسم وتحديد الخطوات, التي ينبغي اتخاذها ضد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في ضوء الحرب الدائرة بينهما, وبالطبع لا يمكن لتلك الخطوة أن تأتي بمعزل عن تقارير نقلتها صحف سيارة عدة محلية أو عالمية أفادت بأن أغلبية مسئولي الإدارة الأمريكية, بواشنطن صاروا لا يحبذون بقاء أردوغان في سدة الحكم ويرون أن نهايته أصبحت وشيكة. في السياق ذاته يبدو أن موجات من الاستقالات الجماعية سيشهدها الحزب الحاكم, احتجاجا علي ممارسات اردوغان, المثير في الأمر أنه رغم تأكيد مراقبين علي أن الفترة الحالية هي فترة عصيبة لطيب اردوغان إلا أن مقربين منه يرون عكس ذلك تماما يعضد ذلك مظاهر عملية علي الارض. فعلي قدم وساق, وبعد أربعين يوما من اكتشاف الفساد المروع من تزوير وتبييض أموال, واصلت الحكومة التركية حربها الضروس ضد من كشفوا عوراتها وفضحوها أمام القاصي والداني, وقبل اربعة أيام, تم إبعاد أكثر من160 من عناصرالشرطة بمدينة بورصا( شمال غرب البلاد), لتأتي غداة أخري استهدفت نحو600 آخرين في أنقرةوإسطنبول وأزمير, بجانب مائة من كبار القضاة والمدعين في مدن عديدة. ووفقا لإحصائيات روجت لها الصحافة المحلية, فقد عوقب2500 رجل أمن منذ منتصف ديسمبر الفائت, وأمس الجمعة كان يفترض أن يصوت البرلمان من حيث المبدأ, علي مشروع قانون, أثار غضب قطاعات مهمة من الشارع إضافة إلي رفض الاتحاد الأوروبي, كونه يبسط يد الحكومة كاملة علي السلطة القضائية, مقوضا لركن أصيل في دولة المؤسسات. غير أن رئيس الحكومة ظاهريا علي الأقل لا يبالي بكل هذا, ورغم عواصف الاحتجاج التي وجدها في بروكسل خلال قمة الاتحاد بأعضائه الثماني والعشرين, ووصلت إلي حد قيام برلماني بلجيكي من حزب فلامس بلانغ اليميني المتشدد وهو برونو فاكنيرز بالتقدم بإستجواب لوزير الخارجية ديدييه رايندرس لأنه سمح لطاغية مثل اردوغان ان تطأ قدمه الاراضي البلجيكية, إلا أنه مازال علي إصراره في مواجهة أجندات الخارج الملعونة وتحديدا مؤامرة إمبراطورية الخوف التي يراد زرعها, في إشارة إلي الإسلامي صاحب الطريقة النورسية الدينية فتح الله جولين, ومؤسس حركة خدمة, المنعوتة من قبله بالمنظمة الإجرامية وتارة ثانية بالعصابة. ولأن الصراع وصل إلي مداه, مستحضرا كل نظريات المؤامرة التي تعد من تراث الحياة السياسية في البلاد, هنا راح كل طرف إلي شحذ مناصريه, وللتدليل علي ذلك حرصت صحيفة صباح الموالية للحكم علي نشر تفاصيل مذهلة, لتسجيلات محادثات هاتفية بين جولين, وبعض من كبار الشخصيات في الدولة وهو ما يؤكد إختراقه لإجهزتها, وما كان من الشيخ العجوز أن يسرب بدوره مكالمات تليفونية بين اردوغان وابنته حول صفقة اراض علي سواحل مدينة أنطاليا المطلة علي البحر المتوسط وهو ما حمل ضمنيا علامات تؤكد وجود أجهزة تنصت زرعت في منزل بل ومكتب رئيس الحكومة. وبدا هناك من يتهكم ويستخف بالخطاب الحكومي, وفي عبارات ذات دلالة ساخرة من هذا الخطاب التآمري الذي يروجه اردوغان وأعوانه قال الصحفي الشهير حسن جمال أنه علي غرار الاتهامات ب(الشيوعية) خلال الحرب الباردة وبسببها قام الجنرال كنعان إفرين بإنقلابه عام1980, و(الإسلامية) مع تولي نجم الدين اربكان مقاليد الحكم في يوينو عام1996 وعلي أثرها حدث الانقلاب الابيض في فبراير العام التالي مباشرة وأقصي اربكان في النهاية, فإن الاتهامات الموجهة إلي الداعية فتح الله جولين, الذي يعتقد أنه وراء بركان الفساد المستمر في إطلاق حممه ونيرانه, تعرض الديمقراطية في البلاد للخطر المحدق, لأنها ببساطة غير حقيقية ويفتعلها اردوغان وزمرته لإلهاء الرأي العام وخصوصا انصاره عما ارتكب من سلوكيات مشينة أهدرت ملايين الدولارات من المال العام. ومهما قيل ويقال فثمة معركة حامية اندلعت أوارها بين الإخوة التي من شأنها تمزيق الأكثرية الإسلامية المحافظة أن لم تكن قد مزقتها فعليا في البلاد, وهو ما يعني تغييرا حتميا في المشهد عشية الانتخابات البلدية نهاية مارس القادم والرئاسية في أغسطس العام الحالي أيضا. وتتوالي مشاهد الأزمة لتنتقل إلي دائرة الأعمال المحسوبة علي العلمانية الاتاتوركية والمناوئة في الأصل للتوجهات الدينية للعدالة, لتنذر بمواجهات قريبة فمحرم يلماظ رئيس اتحاد رجال الأعمال والصناعة الأتراك( توسياد)TUSYAD, وجه تحذيرا شديدا للحكومة مؤداه أن الاستثمار الأجنبي لن يتدفق إلي بلد لا يوجد فيه احترام سيادة القانون, حيث تتعارض القوانين مع قواعد الاتحاد الأوروبي, فضلا علي أنه يتم تعديل قوانين المشتريات العامة عشرات المرات دون دراسة واستمرار الضغط الحكومي علي الشركات من خلال فرض غرامات الضرائب, في المقابل لم يجد رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان سوي أن يصفه بالخائن هكذا كان رد اردوغان, وطبيعي أن يبدي يلماظ أسفه علي تلك اللغة في الحوار, مشيرا إلي أنه عمل طيلة حياته من أجل البلاد ويمثل رابطة أعمال تسهم بشكل كبير في الاقتصاد التركي ومع هذا عاود يلماظ تحذيره من أن التصريحات النارية من شأنها أن تؤدي إلي استياء قطاعات كبيرة من المجتمع وتعمق الاستقطاب وكلها مؤشرات لا تبشر البتة بأي خير. ايلاف