أكد الخبير المعماري الدكتور عبد الرحمن مخلوف أن الله عز وجل قيض الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه لأن يأتي في هذه المرحلة التاريخية المهمة حيث الظروف المواتية للإعمار وتأسيس دولة الاتحاد فقام بمهمته على أكمل وجه فحقق أنجح اتحاد على مستوى المنطقة كما يعد من أهم أحداث القرن العشرين الايجابية على المستوى العربي كما حقق مسيرة تنموية وحضارية قل مثيلها في العالم. وقال ل "البيان" إن من مبادئ الشيخ زايد رحمه الله، كما لمستها عن كثب والتي اتخذها منهجا حياتيا ثابتا لا يتغير والتزم بتطبيقها في كل تعاملاته تتمثل في الاعتدال والوسطية والإخلاص والصدق في القول والعمل والتروي والواقعية وكلها مبادئ وقيم اسلامية تربى عليها سموه منذ الصغر وانعكست على سلوكه وشخصيته ومشاعره الانسانية فكانت قيم التواضع وصفاء القلب ونقاء السريرة والرفق والصبر والشجاعة والبشاشة تتجسد في شخصه اينما حل. واضاف: إن النهضة العمرانية الباهرة التي أرسى دعائمها قائد المسيرة ورائدها الملهم الشيخ زايد رحمه الله تعبر بوضوح عن إرادة التطور ومواكبة العصر على نحو شامل ومتكامل متجسدة في أبعاد وجوانب وخلفيات اجتماعية واقتصادية وفنية، وقال إن المشاريع العمرانية التي طرحها زايد وتحققت كان المسؤولون يعتبرونها غير قابلة للتنفيذ. أول لقاء وعن أول لقاء له مع الشيخ زايد بن سلطان قال الدكتور عبد الرحمن مخلوف إنه عندما رشحته الأممالمتحدة كخبير للتخطيط العمراني بناء على طلب الشيخ زايد قال: وصلت إلى أبوظبي يوم 2 نوفمبر عام 1968 ومكثت فيها شهرا أدرس تضاريس وجغرافية المدينة حيث كان الشيخ زايد في ذلك الوقت خارج البلاد في جنيف وبعد عودته التقيت بسموه بعد العصر في مكان بالقرب من فندق انتركونتيننتال حيث اعتاد أن يقوم بالمرور بعد صلاة العصر على المشاريع العمرانية التي تنفذ في ذلك الوقت ثم يجلس في نهاية المطاف في هذا المكان. واستطرد: عندما سلمت عليه بادرني بالقول والبشاشة تعلو وجهه "إيش ناوي تسوي .. تعطي لنا خرائط وتقول يجب تنفيذها .. أم ستقوم برسم ما نبغاه يا دكتور" فقلت لسموه: "يا صاحب السمو لكل خارطة بدائل كثيرة .. فاختاروا منها ما يناسبكم وما نتفق عليه" فسر رحمه الله لهذا الرد واصدر مرسوما أميريا بتعييني مديرا لتخطيط المدن في إمارة أبوظبي وتولي تأسيس دوائر تخطيط المدن في أبوظبي والعين وإعداد المشروعات التفصيلية والتنفيذية للمدن والإمارة والاشراف على تنفيذها وذلك خلال الفترة من 1968 1976. وأشار الدكتور مخلوف إلى أن من المعاني الدالة على الحب العميق الذي كان يتملك الشيخ زايد لمواطنيه ومجتمعه ووفائه للأجداد والتقاليد الأصيلة، وقال أتذكر في لقاء مع سموه في قصر البحر وكان موضوع الاجتماع تسمية الشوارع الرئيسية في مدينة أبوظبي حيث اختار سموه الأسماء المعروفة الآن في أبوظبي وهي في مجملها ذات دلالات حكيمة جغرافية وإنسانية وتاريخية مثل شارع دلما البطين بني ياس ... ومن المعاني الدالة على أهدافه نحو أبناء وطنه اختار اسما فريدا لأحد أهم شوارع ابوظبي وهو شارع السعادة وهذا يذكرنا بما قاله الفيلسوف الاغريقي "ارسطو" عن المدينة المثالية كما تصورها: أن تكون بجانب تأدية وظيفتها الأساسية وهي توفير المأوى والحماية لسكانها فأيضا تكون مصدرا للسعادة. وأكد الدكتور مخلوف بأن لديه أفكارا ومشاريع لكتب جديدة سوف يقوم بإصدارها تباعا كلما سنح الوقت، مشددا على أن المعارف والخبرات في أي مجال من مجالات الحياة مسئولية إنسانية يجب أن تنقل للأجيال المقبلة للاستفادة منها. وتحدث الدكتور مخلوف في كتابه عن النهضة الشاملة التي قادها الشيخ زايد في دولة الامارات وقال هي منظومة حضارية متكاملة، تتلخص في كونها النموذج الرائد لدولة عربية واكبت التقدم العلمي واستندت إلى مرتكزات حضارية إسلامية عربية، تاريخية وعصرية، وبتوفيق من الله جل وعلا تحققت من خلال هذا التوجه إنجازات مشهودة في جميع المجالات ومنها المجال العمراني والمدن اللذين يعدان الصورة المرئية التي ازدهرت وازدانت بها الامارات وبوجودها ارتسمت علامات مضيئة على طريق النهضة الشاملة. مخلوف في سطور منح سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي وسام أبوظبي الى الدكتور المهندس عبد الرحمن حسنين مخلوف العام 2010 تكريما لما قدمه لإمارة ابوظبي. في عام 1968 عُين الدكتور المهندس عبد الرحمن حسنين مخلوف مديراً لتخطيط المدن في أبوظبي واستمرت مسيرة عطائه سبع سنوات، ولا تزال ذكرياته تحتفظ بأدق التفاصيل، حيث خطط لحياته ونظمها قبل أن يخطط للمدن والأماكن المشهورة، وفي سنة 1972، أسس المكتب العربي للتخطيط والعمارة، وانتدب أستاذاً محاضراً لمادة التخطيط العمراني في كلية الهندسة بجامعة الامارات من 1983 إلى 1985، وإبداعاته في الامارات وبعض مدن العالم ستظل شاهداً على انجازاته. الكتاب شاهد على تطور أبوظبي في 4 عقود الحديث عن المدن في إمارة أبوظبي يختصر علامات مضيئة على طريق النهضة الشاملة التي قاد مسيرتها الموفقة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث بدأت على يديه مع بداية تأسيسه النموذج الرائد لدولة عربية تواكب التقدم العالمي، وتستند على مرتكزات حضارية تاريخية وعصرية، وتحققت بهذا التوجه إنجازات مشهودة في جميع المجالات، منها المجال العمراني، متمثلاً في مدن إمارة أبوظبي التي أنشأها ورعاها فازدهرت، فهي مدينة عصرية تتيح لسكانها حياة منتظمة آمنة بأعلى المستويات وأرقى المعدلات، وحققت إشعاعاً ومكانة دولية على كافة الأصعدة العربية والعالمية بإسهاماتها الفعالة سياسياً واقتصادياً وحضارياً. فكان سموه، رحمه الله، حريصاً أشد الحرص على مباشرة إدارة المهام العمرانية بنفسه وبمختلف جوانبها من حيث التوجيه، والمراجعة والمتابعة الميدانية، والحسم والبت وتذليل العقبات والمضي بعزم نحو الهدف من دون تراجع، وصولاً إلى ما نراه اليوم في أرجاء البلاد من نهضة عمرانية شاملة، وهو الامر الذي تطلب إنفاق نحو 152 مليار و254 مليون درهم منذ ستينيات القرن العشرين وحتى عام 2004، كما تطور عدد سكان مدينة أبوظبي من أربعة آلاف نسمة عام 1962، ووصل إلى 405 آلاف نسمة عام 1995، وفقاً لشهادة موثقة. جاءت هذه العبارات في شهادة الدكتور المهندس عبد الرحمن حسنين مخلوف، رائد التخطيط العمراني والواردة في كتابه رحلة العمر مع العمران.. نصف قرن في تخطيط المدن" والذي تحدث فيه عن تطوير مدينتي أبوظبي والعين، رأى أن هذه الإنجازات إنما تدل على الرؤية الصائبة والنظرة الثاقبة التي تميز بها الشيخ زايد رحمه الله وهي ماثلة في الأهداف التي رسمها، وفي العديد من المشروعات التي أمر بتنفيذها، في شتى مجالات العمل العمراني، خاصة تلك التي كانت تبدو حتى لبعض المسؤولين آنذاك أحلاماً يتراوح الرأي بشأنها بين اعتبارها بعيدة المنال أو مستحيلة، في حين أنها كانت في منظومة آماله أهدافاً واقعية مضى إلى تحقيقها بإرادة واثقة، وإخلاص في النية والعمل ورؤية سديدة. التحديث والتخطيط وفي قراءة لكتاب الدكتور عبد الرحمن، نلاحظ أن أبوظبي قبل التحديث العصري (أي قبل عصر النفط وقيام الاتحاد)، تم تخطيطها بتوجيه من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ما تطلب دراسة علمية للتعرف إلى معالم تكوينها وأوضاعها في الخمسينيات من القرن العشرين، حيث كانت أبوظبي صغيرة الحجم بسيطة التكوين، متوازنة مع المقياس الإنساني في معاييره البدنية والاجتماعية، فما تجاوزت رقعتها مساحة صغيرة وتحددها مسافة السير التي يستطيعها الإنسان مشياً على قدميه دون مشقة، وما تجاوزت ارتفاعات مبانيها الطابق الواحد أو الطابقين، وكان عدد سكان المدينة قليلاً، بدرجة كانوا معها متعارفين. فكان البناء والعمران تلبية للاحتياجات الحياتية بأساليب عملية، بدأ التحديث العصري لمدينة أبو ظبي مع بداية التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد في الستينيات، في ظل إطلالة عصر النفط في إمارة أبوظبي والتمهيد للاستقلال، وإنشاء وإدارة مؤسسات الدولة العصرية في الإمارة ودولة الاتحاد، واتخاذ مدينة أبو ظبي العاصمة، زيادة السكان من مصادر متعددة، وإنشاء الخدمات ومؤسسات التنمية الاجتماعية. وشملت مراحل التطور العمراني لمدينة أبوظبي المرحلة التمهيدية، كان أول مشروع لتنظيم شؤون المدينة إنشاء البلدية التي تولت مهام تحسين الظروف المعيشية في المجالات الهامة، ومنها مياه الشرب والصحة العامة. التأسيس الشامل شملت أعمال التطوير في مدن إمارة أبوظبي في هذه المرحلة، مهام تكوين البنية الأساسية العمرانية والاجتماعية والاقتصادية كلها معاً، لذلك فهي مرحلة التحديات والمهام الصعبة، في المجالات كافة، في المجال الاقتصادي، تنظيم المنهاج السنوي للتطوير في إطار خطط للتنمية الشاملة المتوازنة، وإيجاد فرص تنمية الدخل للمواطنين، والعمل على تنويع مصادر الدخل العام، في المجال الإداري، إنشاء وتطوير مؤسسات الدولة بنظم عصرية. مرحلة الانطلاق 74 1977 في هذه المرحلة، بدأ ظهور ثمار غرس مرحلة التأسيس في جميع المجالات، وفي سنوات هذه المرحلة الأربع، توالى تكثيف الجهود لتطوير خطط التنمية الشاملة، وإعداد برامج تنفيذية طموحة تحقق خلالها الانطلاق بقوة في إعمار المدن وفي التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد. وتلا ذلك مرحلة التوسع أفقياً ورأسياً في جزيرة أبوظبي بإنشاء الأبراج السكنية، وخارجياً بإنشاء مناطق جديدة 1978 1988 ، في هذه المرحلة، بدأت برامج ذات آثار بعيدة المدى في تكوين مدينة أبوظبي ، شملت برامج التطوير في تلك المرحلة العديد من المجالات، ومنها تمويل المباني الاستثمارية ، إنشاء الطرق الرئيسة والداخلية والتقاطعات الحرة والإشارات الضوئية. وجاءت مرحلة التغييرات الداخلية في جزيرة أبوظبي وزيادة التوسعات خارجها في الفترة من (1988 1998)، تعتبر استمراراً لسابقتها من حيث استكمال البرامج التي بدأت بها، واستجد في هذه المرحلة تغيير استعمالات الأراضي في العديد من مناطق مدينة أبوظبي. وفي المرحلة السادسة، تم تطوير أبوظبي الكبرى داخل جزيرة أبوظبي وخارجها، وتم إنفاق نحو 50 مليار درهم. لمشاريع المنهاج السنوي للتطوير في الفترة من 1996 2004، وفي هذه المرحلة، شمل تطوير أبوظبي الكبرى إنشاء عدة مشاريع كبرى. مدينة عصرية كانت القراءة العلمية الصحيحة لتاريخ مدينة أبو ظبي ومكوّناتها، هو التعرف إلى المراحل التي مرت بها منذ نشأتها إلى اليوم، تمر المدن المنشأة بخطوات وظيفية/ اجتماعية، يمكن التعرف إلى ثلاثة مسارات رئيسة، هي تهيئة البيئة للحياة والعمل، الإنشاء والتطوير الشامل لعناصر المدينة ومجتمعها، التوازن الوظيفي والاجتماعي للمدينة. أبوظبي إضافة مميزة إلى منظومة المدن العربية يرى د. عبد الرحمن مخلوف، أن أبوظبي أحدث العواصم العربية، جديرة أن ينظر إليها باعتبارها إضافة مميزة إلى منظومة المدن العربية، لأنها اشتملت على العديد من الخصائص والمزايا، وبخلاف جمالها وما ازدانت به من مبانٍ حديثة وشوارع فسيحة وحدائق غناء، اشتملت عليه من المبادئ والسمات التي تميزت بها المدن الإسلامية عبر التاريخ، إضافة إلى ما تضمنته مدينة أبوظبي خلال عملية تكوينها في العقود الأربعة الماضية من الأهداف والمبادئ، المعمول بها في علوم تخطيط المدن بمفهومها العالمي المعاصر. تخطيط المدن الإسلامية على مر العصور منذ القرن الأول الهجري كان تلبية للاحتياجات الحياتية للمجتمع بأسلوب علمي ملائم للظروف الطبيعية والحضارية للبيئة، ولكن تحكمه وتوجهه دائماً في الكليات والجزئيات التقليد والمبادئ المستمدة من الإسلام عقيدة وشريعة، من ذلك ما كان في شأن تصميم جميع عناصرها وتحديد مواقعها وعلاقاتها ومراتبها. تصميم المباني والمنشآت كانت توجهه مبادئ الإسلام، سواء كان ذلك في داخلها أو في مظهرها الخارجي الذي تميز به الفن الإسلامي. تنظيم البيوت في خطط (أحياء) وأسلوب تجاورها تحكمه القيم الإسلامية، ومنها مراعاة الجوار وحقوق الجار. وفي الخلاصة، سجل التاريخ أن عطاء الفن والعمارة وتخطيط المدن الإسلامية كان تلبية للنواحي المادية للناس، وما كان ذلك بانفصال عن النواحي الروحية، وهو ما تميز به الإسلام، وما تميزت به الحضارة الإسلامية. ومن اليسير متابعة تلك المبادئ في توجيهات الشيخ زايد في تكوين مدينة أبو ظبي، بمفرداته وعناصره الهامة، وأسلوب تخطيط أحيائها، والأمثلة كثيرة، منها: المساجد تصميمها ومركزيتها في تكوين المدينة، وفي تصميم البيوت وتخطيط المناطق السكنية «الخصوصية التجانس الترابط الاجتماعي ومراعاة الجيرة». وكانت تعليمات الشيخ زايد صريحة وواضحة، هادفة إلى إيجاد طابع إسلامي عربي في المظهر الخارجي للمباني، نرى في تخطيط مدينة أبوظبي منذ البداية، تحقيق المبادئ والأهداف والنظريات المعمول بها في علوم تخطيط المدن بمفهومها العالمي المعاصر ذلك في نظام التحركات شبكات الطرق الرئيسة والثانوية الفرعية وفي نظام النمو بإنشاء وحدات حضرية متكاملة خارج التكوين الأساسي جزيرة أبوظبي. وبموجب ذلك، يتصف تكوين مدينة أبو ظبي بأنه تكوين عضوي، ينظر إلى المدينة ويعتبرها كائناً حياً، وليست مجرد عناصر جامدة صماء، ومن ثم، فإن وحدات تكوينها هي خلايا وظيفية في إطار تنظيم هيكلي مترابط، من أهم ما يحققه للسكان: حياة كاملة مريحة آمنة، ويلبي احتياجاتهم في المعيشة والعمل والترويح ويشتمل على العناصر التي تؤدي إلى تنمية الروابط الاجتماعية بين السكان على اختلاف فئاتهم وحضاراتهم، في إطار حياة متعاونة على الخير والمثل العليا، كما تتوافر به كافة الظروف المساعدة على جعل المدينة مكاناً صالحاً للإنتاج بكفاية عالية. كما أنها استندت في عمارتها إلى الكثير من أسس العمارة العالمية المعاصرة في إطار إمكانات وفيرة من التمويل الأمر الذي أمكن به الانفتاح على استخدام الموارد وكثير من الوسائل والتكنولوجيا من مصادرها العالمية في أوروبا وأميركا وآسيا. البيان الاماراتية