لا يشكل لبنان المتنوع الطائفي أرضًا ملائمة للجهاديين، لكن الثغرات الأمنية الكبيرة التي يعاني منها تحوله إلى ملاذ للمتشددين، الذين يهددون بتحويله أرضًا للجهاد. تشكل التفجيرات المتكررة، لا سيما الانتحارية المستجدة في لبنان، مؤشرًا على تكثيف المجموعات الجهادية نشاطها في هذا البلد، في واحد من التداعيات الاكثر عنفًا للأزمة المستمرة في سوريا المجاورة منذ حوالى ثلاث سنوات. فكر القاعدة شهد لبنان منذ تموز (يوليو) الماضي عشر تفجيرات، نفذ سبعة انتحاريين ستة منها. وتبنت معظمها مجموعات جهادية هي "جبهة النصرة في لبنان" و"كتائب عبد الله عزام" و"الدولة الاسلامية في العراق والشام"، معلنة انها رد على قتال حزب الله اللبناني إلى جانب قوات نظام الرئيس السوري بشار الاسد. ويقول مصدر عسكري لبناني لوكالة الصحافة الفرنسية: "كنا نتوقع الوصول إلى هنا، فإذا احترق بيت جارك، من الطبيعي أن يصل الحريق إلى منزلك". ويضيف: أن "الارهاب بدأ بغض النظر عن الاسباب والمسببات". ويرى المصدر، الذي فضل عدم كشف اسمه، أن التسميات المختلفة للتنظيمات الجهادية لا تشكل فارقًا على الارض، "فهذا الفكر فكر القاعدة، وفكر القاعدة معروف بعدم تقبله للآخر، وكل هذه الجماعات، أكانت النصرة او الدولة الاسلامية في العراق والشام، تتغذى من الفكر نفسه". ومنذ الثمانينات، تاريخ استهداف السفارات والجيوش الغربية في لبنان في عز الحرب الاهلية (1975-1990)، لم تسجل عمليات انتحارية. اما الاعتداءات العشر الاخيرة، فقد استهدف احدها سياسيًا بارزًا مناهضًا لدمشق، وآخر مدينة طرابلس ذات الغالبية السنية والمتعاطفة اجمالًا مع المعارضة السورية، ولم تكن انتحارية. اما التفجيرات الاخرى، فوقعت في مناطق محسوبة على حزب الله، حليف دمشق. ضعيف أمنيًا ويتحدث المصدر العسكري عن بيئة حاضنة، قائلًا إن لبنان كان بالنسبة للجهاديين قاعدة لوجستية تؤمن متطلباتهم في سوريا، "وعندما اصبحوا اكثر قوة وتوفرت لهم بيئة حاضنة، حولوا البلد إلى ارض جهاد". ومنذ تحول الازمة السورية إلى نزاع عسكري، ظهرت التداعيات سريعًا على لبنان المنقسم بين مؤيدين للنظام ومتحمسين للمعارضة، وسجلت توترات أمنية متنقلة من معارك واغتيالات وصولا إلى التفجيرات، مترافقة مع احتقان سياسي. ويرى رافاييل لوفيفر، الباحث الزائر في مركز كارنيغي - الشرق الاوسط للدراسات، أن لبنان شهد خلال الاشهر الماضية تزايدًا لافتًا في النشاطات الجهادية، "ونقطة التحول كانت في نيسان (ابريل الماضي)، عندما أقر حزب الله بارسال مقاتلين لمساعدة النظام السوري". يضيف: "على رغم من أن لبنان ليس قاعدة مفضلة للجهاد، بسبب تنوعه الديني والثقافي الفريد في العالم العربي، إلا انه قد يشكل نقطة جذب للجهاديين بسبب هشاشة الاجهزة الأمنية نسبيًا، ما يسمح لهم بانشطة سرية". لا مراكز تأهيل بعد ويعتبر لوفيفر، المختص في الحركات السنية، أن من أسباب نجاح المجموعات الجهادية في تجنيد عناصر لها هو العدد المتزايد من الذين يشعرون بالاستياء من الدولة، لا سيما في ضواحي المدن التي تعاني الفقر والنقص الفادح في الخدمات الاساسية. وتعتبر الاحياء الداخلية لمدينة طرابلس مقرًا للمجموعات المتطرفة، كما يؤوي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين العديد من هذه المجموعات، من أفقر المناطق. وفي 25 كانون الثاني (يناير)، بث على الانترنت تسجيل صوتي لشخص يدعى "أبو سياف الانصاري"، أعلن فيه من طرابلس، بحسب ما قال، انشاء جناح ل"الدولة الاسلامية" في لبنان، ومبايعة زعيمها ابو بكر البغدادي. وتؤكد مصادر أمنية محلية أن ابو سياف غير معروف لدى الاجهزة الأمنية او رجال الدين والتيارات السلفية، الا أن مسؤولًا أمنيًا يشير إلى تقارير عن وجود مناصرين للقاعدة ومؤخرا لتنظيم داعش (الدولة الاسلامية في العراق والشام) في المدينة، من اللبنانيين والسوريين وبعض الفلسطينيين في المخيمات، ولكن حتى الان لا توجد مراكز او هيكلية تنظيمية لهم". ودفعت الحماسة بعدد كبير من السنة في لبنان، للانتقال إلى سوريا للقتال إلى جانب المجموعات المعارضة للنظام، علما انهم لا يحظون بغطاء سياسي او تنظيمي من حزب او فريق معين. اتساعها وارد ويقول المصدر العسكري إن جبهة النصرة في لبنان هي على علاقة بجبهة النصرة في سوريا، الذراع الرسمية لتنظيم القاعدة، مشيرا إلى أن عناصر جبهة النصرة موجودون في لبنان منذ بدأت الازمة السورية، لا سيما في الشمال وعرسال، البلدة السنية الحدودية مع سوريا من جهة الشرق التي شهدت مواجهات عدة مع الجانب الآخر من الحدود والتي تستضيف اكثر من ستين ألف لاجىء سوري. ويضيف المصدر أن معظم السيارات التي انفجرت في لبنان فُخخت في يبرود، الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة في ريف دمشق، وهي تدخل إلى لبنان عن طريق عرسال. ويرجح لوفيفر أن تستمر الهجمات الجهادية إلى حين التوصل إلى تسوية بين النظام والمعارضة، ما قد يسهل انسحاب حزب الله من سوريا. في المقابل، يؤكد المصدر العسكري أن موضوع الارهاب خط احمر، مشيرًا إلى تدابير أمنية مشددة لوقف مسلسل التفجيرات. لكنه يستدرك قائلًا إن توسع العمليات وارد، مرجحًا الا تنتهي معالجتها بنهاية الازمة في سوريا (...) لان هذا عمل يتطلب سنوات. ايلاف