الجنوبيه.خاص. قال الكاتب العراقي المعروف داؤود البصري أنه "لا بديل اليوم عن تبني وتنفيذ خيار إعادة الحياة لجمهورية الجنوب العربي عبر عقد وطني جديد يعيد صياغة الموقف, ويحدد إطار البناء الجديد, ويؤسس لمرحلة بناء وطني جنوبي جديد يكون أساسه ومحوره المصالحة الوطنية وإسدال الستار النهائي على صراعات الماضي, وعودة أبناء الجنوب لمناطقهم وتنظيفها من أدران الإرهاب والتطرف الذي عشعش ونما في ظل الاستبداد والهيمنة والإقصاء". وفيما يلي نص مقال الكاتب "داوود البصري" الذي نشرته صحيفة السياسة الكويتية: جمهورية جنوباليمن الجديدة والحل الحضاري الشامل ؟ مع التغيير السياسي في اليمن الذي أعقب سقوط حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد مخاض ثوري تغييري شبابي كان ثمنه غاليا للغاية من الدماء والعذاب, كانت الآمال معقودة على إمكانية انفراج الوضع اليمني والخروج بحالة تغييرية شاملة تتناسب مع وتيرة المتغيرات في العالم والمنطقة. لقد أدرك أهل الحراك الشبابي في الجنوب العربي منذ أن رفعوا راية الدعوة لإعادة الحياة لجمهورية جنوباليمن التي طوت صفحاتها اتفاقية الوحدة الاستعجالية عام 1990, ان ليس ثمة أمل من إصلاح الأوضاع اليمنية المتدهورة إلا بالعودة لنقطة البداية عبر تصحيح الخطأ التاريخي بالإجهاز على دولة جنوباليمن التي كانت حالة حضارية متقدمة للغاية في جنوب الجزيرة العربية رغم الأخطاء والمثالب الكثيرة التي أحاقت بتلك التجربة السياسية الرائدة, ورغم صراعات الرفاق الدموية التي عجلت بالإجهاز على دولة جنوباليمن. الوضع اليمني اليوم يسير من سيء لأسوأ في ظل الحروب الأهلية المتنقلة, والثارات القبلية المتخلفة, ودخول قوى إقليمية فاعلة على خط الصراع اليمني الداخلي, والأخطر من هذا وذاك, في ظل لجة الفوضى وقعقعة السلاح والاحتكام للثأر والدماء وتدهور هيبة الدولة, والتراجع في مختلف المجالات وبروز التيارات الدينية المتطرفة التي حولت حياة شعب الجنوب العربي جحيماً في ظل تصارع الإرادات وسيادة حالة القلاقل, وعدم الاتفاق على منهج سياسي وإطار عام يحدد طبيعة وملامح المرحلة الانتقالية التي يعيشها أبناء اليمن عموماً في الشمال والجنوب والشرق والغرب. حينما انتخى شباب الجنوب العربي لنداء وطنهم وقدموا دماءهم رخيصة على مذبح مقاومة الديكتاتورية العسكرية المنقرضة, كانوا يمارسون دورهم التاريخي الفاعل ويعمدون بالدم مرحلة إعادة الحياة لدولة الجنوب العربي الواحدة الموحدة بقوانينها العصرية بعيدا عن أي صيغة من صيغ التعصب, والإقصاء, والهيمنة. اليمن يدور اليوم في أشواك تقسيمات إدارية جديدة تحمل ملامح غامضة ولا تعبر عن الهوية الحقيقية لكفاح الشعب اليمني الذي يستحق بعد عقود وسنوات الحروب والتهميش والتقاتل الداخلي وضعا أفضل بكثير مما يعيشه حاليا, وحيث دورات الموت العبثية تحصد أرواح العشرات يوميا, وحيث تبدو الآفاق مسدودة بالكامل أمام اي انفراجات محتملة لمسارب أزمة وطنية تعقدت مسالكها كثيرا ودخلت في أنفاق القبلية, والطائفية, والمناطقية, وأضحت عنوانا فاضحا للفشل السياسي الكبير الذي يلقي بنتائجه المريعة على أوضاع اليمنيين بعامة. ليس هناك أوضح, ولا اصح, من رؤية أهل الحراك الجنوبي الذين شخصوا منذ بواكير الأزمة طبيعة المرحلة, وحددوا ملامح الحل الذي يصب في النهاية في مصلحة اليمن الكبير, والذي تبدو اليوم ملامح تشققه وتشظيه أكثر وضوحا من أي زمن مضى. تاريخيا الديكتاتورية العسكرية, بأسسها القبلية المتخلفة, لن تفرز سوى الخراب, وهدر وسفك دماء الشعوب في مغامرات غير محسوبة وهي ليست سوى خارطة طريق للجحيم. في الجنوب العربي المنتفض تدور اليوم حروب "القاعدة" واخواته من جماعات التطرف والعدمية, وهي حالة غريبة كل الغرابة عن طبيعة أهل الجنوب المتسامحين والمتفاعلين مع الشعوب الأخرى الذين نجحوا في تفعيل التلاقح الحضاري معهم, ولو كانت جمهورية الجنوب العربي قائمة وتمارس سلطاتها ماكان الوضع السياسي والاجتماعي قد تردى إلى الدرجة المعاشة حاليا, ولا كانت تلك التيارات الزاعقة المتخلفة قد وجدت أي حواضن آيديولوجية لها. لا بديل اليوم عن تبني وتنفيذ خيار إعادة الحياة لجمهورية الجنوب العربي عبر عقد وطني جديد يعيد صياغة الموقف, ويحدد إطار البناء الجديد, ويؤسس لمرحلة بناء وطني جنوبي جديد يكون أساسه ومحوره المصالحة الوطنية وإسدال الستار النهائي على صراعات الماضي, وعودة أبناء الجنوب لمناطقهم وتنظيفها من أدران الإرهاب والتطرف الذي عشعش ونما في ظل الاستبداد والهيمنة والإقصاء. شعب الجنوب العربي كما هو دأبه على موعد مقدس مع تصحيح التاريخ وأخذ العبر من التجربة العجفاء الماضية, والانطلاق في دورته الحضارية الجديدة المتجددة التي رسختها وأقرت شرعيتها تضحيات الشباب الجنوبي في الداخل والخارج من الذين يعول عليهم كثيرا في بناء جمهورية الجنوب العربي الجديدة في وصفة أخيرة للإنقاذ. * كاتب عراقي [email protected] السياسه الكويتيه. الجنوبية نت