من مهدي النمر روما - 12 - 2 (كونا) -- أطلقت مؤسسة ثقافية ايطالية ونخبة من العلماء حملة واسعة لحشد الرأي العام الأوروبي والعالمي ولفت انتباهه الى الدمار الفادح الذي لحق بالتراث الثقافي والحضاري في سوريا وانقاذه وحمايته تمهيدا لاعماره مطالبة بادراج ضمن المفاوضات السياسية. وقال رئيس (معهد الدبلوماسية الثقافية) فرانشيسكو روتيللي في مؤتمر صحافي لتدشين (حملة انقاذ التراث الثقافي في سوريا) حول العالم بمقر رابطة الصحافيين الأجانب هنا الليلة الماضية ان الأزمة الانسانية الكبيرة التي أودت بحياة عشرات الآلاف وتشريد ملايين اللاجئين ليست "مبررا لتجاهل كارثة تدمير تراث ثقافي من الأهم في العالم". واضاف روتيللي وهو وزير سابق للثقافة في ايطاليا انه الى جانب مأساة سوريا الانسانية يجب الالتفات الى التراث الفريد الذي يتم تدميره مثل المسجد الأموي وجامع الوليد في حمص القديمة وكثير من المواقع الأثرية التاريخية المسجلة ضمن التراث الفني والثقافي الانساني العالمي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو). واستغرب روتيللي وهو ايضا رئيس معهد الدبلوماسية الثقافية وعمدة العاصمة روما الأسبق عقب عرض فيلم تسجيلي لمشاهد التدمير الواسعة للمآذن والمعالم التاريخية تجاهل المجتمع الدولي هذا البعد الحضاري العظيم في الصراع في سوريا على نقيض الاهتمام الذي ناله تراث العراق ابان الحرب هناك. ولفت روتيللي الى مكانة سوريا وحضاراتها المتتالية عبر آلاف السنين قائلا انه بلد أول نظام أبجدي وأول مدن مستقلة شهدت أول مراكز حضرية وتجارية في التاريخ وعاشت لحظات تألق تاريخية وولد فيها عدد من أباطرة الرومان وبابوات الفاتيكان وكانت عاصمة الخلافة الأموية. وقال "يبدو ان تدمير المساجد والمآذن والأسواق والأماكن التي مازال أهلها ينطقون بلغة السيد المسيح الآرامية لم تعد تثير المشاعر". وأعلن أن المنضمين الى المبادرة العالمية من علماء آثار ومثقفين ومختصين وأساتذة مرموقين من كافة الجامعات والبلدان الأوروبية "يتمردون على هذه الواقعية السياسية الزائفة" التي تسعى الى التفضيل بين القلق ازاء البشر المصابين جراء الصراع الدموي وبين القلق على التراث الثقافي "الضحية المنسية" للحرب. وخلص روتيللي الذي قدم المبادرة برفقه مجموعة من العلماء المشاركين ومن أبرزهم البروفيسور باولو ماتتيه مكتشف مدينة (ايبلا) الأثرية التاريخية الى أنه "يجب التصدي للاعتداء القاتل على كلتا القيمتين الانسانيتين الحياة والتراث والنضال من أجلهما". ومن جانبه شدد استاذ الآثار وتاريخ الفنون في الشرق الأدني ورئيس البعثة الأثرية الايطالية في سوريا البروفيسور ماتتيه على المكانة الخاصة للثراث الحضاري في سوريا التي انفردت دائما بتلاقي وتعايش الغرب والشرق عبر العصور ومسقط رأس عظماء التاريخ القديم مثل المعماري الفذ أبوللو دورو الدمشقي ومركز حضارات متعاقبة طوال تاريخ ممتد لآلاف الأعوام. وقال ان الدمار الذي يستهدف التراث الحضاري والثقافي في سوريا "ليس أضرارا جانبية" مؤكدا أن مبادئ وقواعد القانون الدولي بحماية التراث الثقافي في سوريا اعتبارا من اتفاقية لاهاي لحماية التراث أثناء الحروب واتفاقية باريس لحماية التراث العالمي الطبيعي والثقافي ومعاهدة باريس لمنع تصدير واستيراد ونقل المقتنيات الأثرية والفنية بشكل غير قانوني والتي تشارك فيها جميعا سوريا. واستعرض الاجراءات التي تبنتها الأممالمتحدة سابقا في هذا الصدد مثل قرار الجمعية العامة ضد تدمير تمثالي بوذا في أفعانستان وقرار مجلس الأمن الذي يفرض على جميع الدول اعادة ما نهب من الآثار والمقتنيات العراقية وحظر الاتجار فيها اضافة الى ما أكدته ديباجة اتفاقية انشاء اليونسكو في لندن التي توفر الحماية القانونية الدولية للتراث الثقافي في سوريا. وأوضح أن الحملة التي تدشن اليوم ترمي الى أربعة أهداف أولها اعلام الرأي العام العالمي وتوعيته بوضع التراث الثقافي السوري والمخاطر التي تحيطه والحلول الممكنة ثم دعم البرامج الدولية التي انطلقت بالفعل بمقتضى اتفاقية بين يونسكو والاتحاد الأوروبي بجانب التعاون في مشروعات اعادة بناء وترميم المعالم والآثار والتراث الذي لحقه الضرر جراء الصراع. أما رابع أهداف الحملة فيتمثل في اقامة معرض أوروبي جوال ينطلق من روما بعنوان (سوريا.. البريق والمأساة) تحت اشراف لجنة علمية عالمية جاري اعدادها من أجل جمع بعض روائع فنون التراث واستحضارها من سوريا وعرضها مصحوبة بعرض توثيقي للدمار الحاصل وتضم اللجنة علماء من جامعات روما والبندقية والسوربون بباريس وجامعة برلين الحرة والمعهد الألماني في عمان وبيروت ودمشق. وترمي الحملة التي حيت بالتقدير والاعجاب عشرات المختصين من رجال الآثار الذين هرعوا ويعملون داخل سوريا لانقاذ وحماية ما أمكن من تراثها الى جمع تبرعات مالية من الجمهور لتمويل فعالياتها المختلفة فيما ناشدت الجهات والأطراف الدولية الى ادراج بند حماية التراث الثقافي في بنود الجهود السياسية والمفاوضات الجارية لحل الأزمة السورية.(النهاية) م ن / ط أ ب كونا120923 جمت فبر 14 وكالة الانباء الكويتية