- بقلم: سام عبدالله الغُباري نحن جيل الجهل والثورة والفوضى الذين مزقنا اليمن بأيدينا.. ويا للعار. لا املك لك إلا الكتابة! الحروف وحدها تقيم صُلبي وتعيد صياغتي كمخلوق من تراب وكلمات. اكتب اليك في مساء تعيس. اكتشفت فيه ضعفي وأنا أحاول أمامك أن أكون الرجل الخارق الذي لا يعجزه شيء. في هذا المساء أصدر الرئيس قراراً بتقسيم اليمن الى ستة أقاليم! رغم اعتراضي وخشية الملايين من هذا التهور الناشئ في أحلام رئيس يلفظ أيامه الأخيرة وشرعيته التي تدنو من الانتهاء كعلبة سردين سيئة المذاق. حين كنت في مثل سنك توحد اليمنان وبعد اربعة وعشرين عاماً قررت لجنة مستشاري الرئيس تقسيم الوطن الموحد الى ستة اجزاء ومع ذلك مازال "فخامته" يعتقد أنه يؤمن الوحدة بهكذا قرار وهو يعرف أنه أيضاً ضعيف مثلي لا يملك تغيير قائد عسكري خوفاً من عصيانه وتمرده. يمكنك يا بُني أن ترحم ضعفي فأنا مواطن يكتب فقط ولا يملك تأييداً يجعله فاعلاً في التغيير والرفض والتمرد.. لكنك حتماً لن تسامح "الرئيس" لأنه كان مؤتمناً على أحلام شعب بأكمله إلا أن القوى السياسية وحواة المصطلحات والنظريات أرعبوا كرسيه وأثنوه عن النظر لمصلحة الأمة حتى صارت بلدي أمثولة للخراب (السلمي) والثورة العارية. بُنيّ أنا حزين ومصدر حزني أني انتخبت هذا "الرئيس" وصافحته مهنئاً في أول يوم لرئاسته. سمعته يقول "سأرحل بعد عامين" إلا أنه لم يفعل! ورأيته يستلم علم اليمن الموحد من سلفه الذي بدا صوته شاحباً ومريضاً وقد نجا من هجوم صاروخي استهدفه وكبار رجالات الدولة لإرغامه على التنحي بالقوة. لكنه أثبت أن التسامح والنبل والكبرياء والتحدي والسمو في جسد جريح مثخن بالآلم والحروق.. وهو يتحدث ويمشي رغم كل شيء فإنه يسامح وينسى نفسه وغيره يأمل له أن يحترق في نار ستحرقه أولاً. ترى هل هكذا يكون العظماء؟ أجزم: بلى! لا تصدق يا عُدي ما يقوله الثائرون الحمقى فقد كانوا أداة سيئة لتمرير ما لا يجوز. كانوا مقصلة الاعدام التي قطعت رؤوس المنطق والحكمة والوحدة. قهروا كل سنين البناء والتنمية التي ما كانت تستجيب لحلمنا. إلا أنها كانت جيدة. وأقصى ما يمكن إيجاده لشعب يعشق الصمت ويسخر من قادته ويمزق ماضيه كطفل أرعن لا يعرف مصلحته ويحسب أفعاله جزء من اللهو المستحق لعالمه الخاص. لا تغضب حين تجد أنك محاصر في أربعة محافظات فقط ضمن إقليم مُشبع بالطائفية والمجانين وكان لك أن تكون أكبر، وأن تتمدد كما يتمدد الرئيس الذي يحكم ولا يتحكم. يمتد كقطعة حديد ساخنة بفعل طرقات الحداد الماهر. يتشكل بفعل الطرق والسحب ثم يباع كقطعة خردة لعجوز متسخ. هل تُصدقني لو قلت لك أن الاطراف الغاضبة جلست على طاولة حوار في فندق ثري طيلة عام كامل ولما انتهوا من نقاشهم جاء مندوب الأممالمتحدة بمبادرة لإنهاء الحوار فوقعوها! الذين اعترضوا على ذلك هددهم الجميع بالويل والثبور حتى أناخوا.. ثم تحمسوا في ذكرى ربيعهم الثوري للخروج الى الشارع. سألتهم: فلمَ تحاورتم؟ وما الذي افضى اليه عامكم ونقاشكم؟ لكنهم كانوا اضعف مني. كانوا مكبلين بانتهازية احزابهم. لم يجرؤوا على العصيان والتفكير في الوطن الكبير. مزقوه. وعين كل واحد منهم على الثروة والمال وانانية التملك. في هذا المساء قطع أصحاب إقليم سبأ طريق شاحنات المشتقات النفطية مطالبين بإتاوة لإقليمهم! في شمال "إقليمنا" الذي اسموه آزال طرد سيد صعدة مخالفيه من المذهب الذي يعتقده واوصلهم الى "سعوان". إنه حيّ حزين في اطراف العاصمة التي كانت لكل اليمنيين فصارت مدينة لأهلها وحكومتها وكل فاسديها المتخمين بالبلادة، وفي اقليم حضرموت تدلى الشبق بأهلها فخرجوا لمنع شركات البترول من التنقيب والتصدير. وأما إقليم الجند فله اليوم أن يتحكم بمصير باب المندب.. هذا الممر الحيوي الهام! لقد تمزقنا يا بُني. هذا ما استطيع أن اقوله لك الآن. لا تكرهني فقد كتبت بقسوة وتمنيت ورجوت.. وخاب أملي وخبا رجائي. وها أنا اليوم أبكي كما تفعل النساء مرهون بزواج كاثيوليكي لا ينفصم. أُباع كعبد أسود رأسه زبيبة في مهرجان ماروني لعين ولا أحد يملك الرحمة لعتقي من حدود إقليمه، وجغرافيا انتهازيته. لا تكرهني يا بُنيّ لأنني لم اكن قوياً بما يكفي للحفاظ على وطنك الكبير ومستقبلك، فربما يكون فيك وأبناء جيلك قائدٌ يعيد لليمن أمجاد الوحدة وألق العدالة. وحين تفعلون ذلك لا تخسروا انجازكم ولا تسلموه للطوائف ولا تستعينوا بسواكم للحفاظ على أرضكم ووطنكم. بُنيّ حين تقرأ ما كتبته اليك.. وقد أكون ميتاً يومها.أنقش على قبري ما يلي: "هذا والدي الذي كان ضعيفاً وهو يشاهد وطنه يتجزأ ولم يجرؤ على شئ سوى الكتابة والاعتذار". ولا تكتب أسمي كي لا يبصق المارون من أمامه عليّ. دعني مجهولاً فقد كنا مجهولين في حياتنا ومماتنا أيضاً. إننا جيل الجهل والثورة والفوضى الذين مزقنا بلدنا بأيدينا.. ويا للعار. صعدة برس