يتساءل بعض اليهود عن ماهية الخطأ في مطالبة إسرائيل القيادة الفلسطينية بالاعتراف ب«يهودية الدولة الاسرائيلية»، ونقول إن الأمر خاطئ من جميع جوانبه، فالدول تعترف ببعضها بعضاً، لكنها مع ذلك لا تطالب بعضها بعضاً بالاعتراف بالطابع الأيديولوجي لكل منها، فالدولة هي كيان حقيقي، أما الأيديولوجيات فتنتمي إلى العالم التجريدي، فعندما اعترفت الولاياتالمتحدة بالاتحاد السوفييتي عام 1933 اعترفت فقط بالدولة، لكن لم تعترف بطبيعتها الشيوعية، كما اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل في اتفاق أوسلو، وفي تبادل الرسائل السابق لتلك الاتفاقية، لكن لم يطلب منها الاعتراف بالأيديولوجية الصهيونية لإسرائيل. في المقابل، اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً للشعب الفلسطيني، إلا أنها لم تعترف بأي أيديولوجية فلسطينية سواء كانت علمانية أو دينية. بعض الإسرائيليين (بمن فيهم أنا) يرغبون في تغيير التعريف الذاتي لإسرائيل وحذف عبارة «يهودية» من مصطلح «دولة يهودية وديمقراطية»، البعض الآخر من الإسرائيليين يريدون حذف كلمة «ديمقراطية»، ولا يعتقد أي منا أنه في حاجة إلى تأكيد من الفلسطينيين لهذا الغرض، لأنها لا تعنيهم، لكنني لا أعرف القصد الحقيقي ل(رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين) نتنياهو عندما وضع هذا الشرط أمام الفلسطينيين كشرط مقيد لا يمكن التراجع عنه. التفسير الأكثر احتمالاً هو أنه مجرد حيلة أخرى لتخريب «عملية السلام» قبل أن يصل الأمر إلى طلب إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. والتفسير الآخر الأقل احتمالاً هو انه يعتقد حقاً في ذلك، بسبب شعوره بعقدة نقص عميقة الجذور متأصلة في هويته الوطنية، التي يريد اعترافاً خارجياً بشرعيتها. الاعتراف بالدولة القومية للشعب اليهودي «يعني قبول الرواية الصهيونية برمتها، بدءاً من الوعد الإلهي للنبي إبراهيم حتى يومنا هذا». صعوبات عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي أنه لن يرحل أي مستوطن، ولن يخلي مستوطنة واحدة، فربما طاف بذهنه (الرئيس الفرنسي السابق) شارل ديغول، الذي لم يستطع أيضاً إزالة المستوطنين الفرنسيين أو اقتلاع المستوطنات، وإنما حدد تاريخاً لمغادرة الجيش الفرنسي للجزائر. الكتل الاستيطانية المستوطنات الحضرية بالقرب من الخط الأخضر، التي يطلق عليها «الكتل الاستيطانية» هي مسألة أخرى، فمن المرجح أن يتم ضمها إلى إسرائيل في سياق «تبادل الأراضي»، لكن اثنتين منها على الأقل تثيران تساؤلات حادة: أرئيل، التي تقع على بعد نحو 25 كيلومتراً داخل الدولة الفلسطينية المفترضة، ومعاليه أدوميم، التي تقسم فعلياً الضفة الغربية إلى قسمين، إذ إن دمج هاتين المدينتين مع سكانهما في ذات سيادة في فلسطين هو حلم وسراب. وإذا فكر (وزير الخارجية الأميركي) جون كيري، في تضمين هذا الطلب في الاتفاق الإطاري فعليه أن يفكر مرتين. إذ كيف يفعل ذلك ومبعوثه الخاص هو مارتن إنديك؟ وللتوضيح أكثر فإن إنديك هو يهودي، ويعني باليديشية (الديك الرومي)، فإذا افترضنا أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي بأكمله، فإن إنديك سيكون من ضمنهم طوعاً أو كرهاً، وإن دولة إسرائيل تمثله هو أيضاً، فكيف سيكون وسيطاً نزيهاً بين الجانبين المتخاصمين؟ وكيف سيكون موقف ملايين اليهود الأميركيين في الوقت الذي يتعمق الصراع بين حكومتي الولاياتالمتحدة وإسرائيل؟ وفي أي جانب يقفون؟ وهل هم جميعاً جوناثان بولارد؟ الصوت الأميركي المستقل حديثاً المناهض لإسرائيل دفع اليمين الإسرائيلي إلى البحث عن حلول أكثر غرابة، وأحدث مثال على ذلك هو فكرة رائعة من بنات أفكار نتنياهو: لماذا لا يظل المستوطنون الإسرائيليون حيث يقيمون ويتحولون إلى مواطنين فلسطينيين؟ وهذا يبدو لكثير من العقلاء أمراً عادلاً في أفضل التقاليد الأنجلوسكسونية، فدولة إسرائيل لديها الآن نحو 1.6 مليون مواطن عربي فلسطيني، فلماذا لا تعمل دولة فلسطين، بما فيها القدس الشرقية، على دمج 600 ألف مواطن إسرائيلي يهودي في نسيجها الوطني؟ العرب في إسرائيل يتمتعون، على الأقل من الناحية النظرية، بالحقوق القانونية الكاملة، ولهم الحق في التصويت للكنيست، ويخضعون للقانون الإسرائيلي، فلماذا لا يتمتع الاسرائيليون في فلسطين بكامل هذه الحقوق القانونية، ويصوتون للمجلس، ويخضعون للقانون الفلسطيني؟ الناس يحبون التماثل لأنه يجعل الحياة أسهل ويزيل التعقيدات، لكن عندما كنت مجنداً في الجيش علموني عدم الثقة في التماثل، لأن التماثل أمر نادر في الطبيعة، فعندما ترى أشجاراً متباعدة بشكل متساوٍ فهذه ليست غابة، وإنما جنود مموهون. هذا التماثل الذي تسعى إليه إسرائيل أيضا مزيف، إذ إن المواطنين العرب في إسرائيل يعيشون على أراضيهم، وعاش أجدادهم عليها منذ 1400 سنة على الأقل، وربما 5000 سنة. الاسبوع الماضي ذكر (كبير المفاوضين الفلسطينيين) صائب عريقات أن عائلته ظلت تعيش في أريحا لما يصل إلى 10 آلاف سنة، في حين أن نظيرته الإسرائيلية (وزيرة العدل) تسيبي ليفني، هي ابنة مهاجر. المستوطنون في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة هم في معظمهم من المهاجرين الجدد أيضاً، أي لا يقيمون على أرض أجدادهم، لكن على الأراضي الفلسطينية المصادرة بالقوة، سواء كانت أراضي خاصة أو أراضي حكومية، فالأراضي الحكومية هي الأراضي المشاعة في القرى، التي كانت مسجلة في العهد العثماني باسم السلطان، وفيما بعد باسم السلطات البريطانية والأردنية، وعندما احتلت اسرائيل المنطقة، استولت على هذه الأراضي كما لو أنها مملوكة لها، لكن النقطة الرئيسة التي نحن بصددها تتجاوز ذلك، وتتعلق بطابع المستوطنين أنفسهم، إذ أن المستوطنين، وبالتحديد أولئك الذين يعيشون في مستوطنات صغيرة معزولة في المناطق التي ستصبح بأي حال من الأحوال جزءاً من الدولة الفلسطينية، هم من المتعصبين دينياً وقومياً. الغرض من تركهم منازلهم المريحة في إسرائيل والذهاب إلى التلال الصخرية المقفرة في الضفة الغربية (يهودا والسامرة) هو أمر أيديولوجي، وللادعاء بأن هذه المنطقة تابعة لإسرائيل، «والالتزام بتفسير وصايا الله»، ولكي يحولوا دون قيام دولة فلسطينية إلى الأبد، ولهذا فإن فكرة أن يصبح هؤلاء الناس مواطنين ملتزمين بالقانون في الدولة الفلسطينية هو أمر مناف للعقل، فمعظمهم يكرهون كل ما هو عربي، بما في ذلك العمال الذين يعملون لديهم، والذين لا يستفيدون نظراً لتدني الأجور أو الحقوق الاجتماعية، ويصرحون بذلك علناً في كل مناسبة، ويطيعون حاخاماتهم المتعصبين، الذين يناقشون فيما بينهم ما إذا كان من حقهم قتل أطفال غير اليهود، الذين عندما يكبرون سيقتلون اليهود أنفسهم. إنهم يخططون لبناء الهيكل الثالث، بعد تفجير الضرائح الإسلامية. إذاً فالتفكير فيهم كمواطنين فلسطينيين أمر مثير للسخرية، لكن بطبيعة الحال، ليس كل المستوطنين من هذا القبيل، فبعض منهم مختلف تماماً. هذا الأسبوع، بثت محطة التلفزيون الإسرائيلية برنامجاً حول الوضع الاقتصادي للمستوطنين، وكان بمثابة فاتح للعيون، إذ إن قصة أولئك الرواد الذين كانوا يعيشون في خيام وأكواخ خشبية ولت منذ فترة طويلة، وتتكون العديد من المستوطنات الآن من المباني الفخمة، ولكل منها بركة سباحة وخيول وبساتين، وهو ترف لا يستطيع 99% من الإسرائيليين أن يحلموا به. يوري أفينيري - كاتب وناشط سلام إسرائيلي الامارات اليوم