مشهد الجلد المتقطع على ظهر من كانت تسمى ب«العبدة»، التي تعد على أقل تقدير القريبة من «السيد»؛ كونها الأكثر إنتاجاً في جمع القطن صباحاً، وخليلة مطيعة في الليل، يؤكد ألّا قواعد ولا حدود ولا قانون للظلم.. أمام هذا المشهد ومشاهد كثيرة يندى لها الجبين يجلس متفرج فيلم «12 عاماً من العبودية» للمخرج البريطاني ستيف ماكوين، الذي فاز أخيراً بجائزة «بافتا» البريطانية كأحسن فيلم وأفضل ممثل، ومرشح لسبع جوائز للأوسكار الشهر المقبل. تخير الفيلم كوكبة من الفنانين، على رأسهم شيواتال إيجيوفور ومايكل فاسبندر وسارة بولسون، وضيف الشرف منتج العمل براد بيت، كل هؤلاء وغيرهم استطاعوا ببراعة إيصال كل المشاعر التي قد تجتاح النفس في لحظة، من غضب وحزن وتعاطف وحقد، وكأن التاريخ لا يبنى سوى على كل هذا الكره، مستندين الى رواية حقيقية لبطل الحكاية «سليمان نورثوب». حرية وقيد الإشارة التي تسبق الفيلم، التي تؤكد أنه مبني على قصة حقيقية في عام 1841، تفاجئك بالمشاهد الأولى لرجل «أسود» اللون يعزف على الكمان أمام حشد من البيض، فيهيئ لك أن وظيفته كعبد في تلك الحقبة أن يعزف للناس، لكن المشهد الذي تلاه يظهره وعائلته يسكنون بيتاً نظيفاً، ويرتدون أجمل الثياب، وطريقة حياتهم تدل على الرخاء، ينتهي بطبع قبلة على ابنته وابنه، ليأتي الصباح مودعاً إياهم لقبوله عرض عمل في عزف الكمان مع سيرك في ولاية واشنطن لمدة ثلاثة أسابيع، بناءً على اتفاق أبرمه مع شخصين حاولا إقناعه بكل الطرق بالثقة بهم. إذاً هو أسود اللون لكنه حر، وبأوراق رسمية من مالكه سابقاً، ويعيش حياة الأحرار في ولاية نيويورك، وينادونه بالسيد أيضاً، إلى حين وقوعه بالفخ الذي لم يخدعه فحسب من خلال عرض العمل، بل بتغيير اسمه وهويته إلى «بلات»، أحد العبيد الهاربين من ولاية جورجيا. السلاسل لا يمكن وصف المشهد الذي استيقظ فيه البطل من نومه، بعد أن غدر به الرجلان اللذان أوهماه بعرض عمل في واشنطن، ليجد نفسه مقيداً بالسلاسل، مشهد يركز على العيون وكأنها في كابوس أو عادت إلى زمن بعيد عاشه والده على الأقل، مشهد مصنوع بشكل لا يمكن معه سوى ذرف الدموع، لا ينطق بكلمة، بل يلتف حول نفسه كدودة القطن، ينظر إلى السقف تارة، والى الأرض تارة أخرى، نفسه متقطع، يحاول أن يتذكر ما حدث ليلة البارحة: كان يشرب كثيراً بناءً على رغبة الرجلين، وتمشى معهما، ونام، لا يتذكر أكثر من ذلك، إلى أن فُتح باب زنزانته ليدخل عليه تاجر العبيد الذي اشتراه، يقول له اسمك «بلات»، وأنت عبد هارب من جورجيا، يحاول أن يقول له إنه حر ولديه أوراق فيسأله عن تلك الأوراق أين هي؟ يحاول أن يهدد باسم حريته بأنه سيتقدم بشكوى، فيتلقى أولى الضربات وليست آخرها، فقد وقع فعلاً في الفخ، وسينتقل بعدها من مالك الى آخر. سوق النخاسة يقتاد البطل ورفاقه من العبيد الفارين، ويزج بهم في قارب كبير بهدف إيصالهم إلى سوق النخاسة، ينعتون بالحيوانات طوال وقت الرحلة، يحاول «بلات» تمالك أعصابه موهماً نفسه بأمل سيأتيه من نيويورك قريباً، يسمع قصص العبيد الآخرين الذين يؤكدون له أنه لا مناص ولا فرار من قدره، فلم يعد حراً كما كان يتخيل، يرى امرأة سوداء وأطفالها ترتدي الحلي وملابس مرتبة، ليعي أن هذا كله كان بسبب غرام سيدها بها، وعندما مرض انتقمت زوجته منها وباعتها، ينصحونه بأن لا يتفوه بكلمة ولا يظهر لهم أنه قادر على الكتابة والقراءة، فمثل هذه الصفات نتيجتها الموت، يحاول أن يتجاهل كل هذا الكلام وينتظر مصيره الذي حان، فقد تم بيعه هو والمرأة دون أطفالها إلى «السيد» وليام فورد. مشهد فصل الأم عن أبنائها الصغار، كونهم يعتبرون ذا سعر باهظ بالنسبة للتاجر كان صعباً، ولم تهدأ دموع الأم التي أزعج نحيبها زوجة «السيد»، طالبة منه بيعها الى آخر، تفصيل يضعنا أمام مشاعر الأمومة؛ فزوجة «السيد» هي أم لأطفال تهتم بهم وتخاف عليهم، وفي الوقت نفسه استكثرت على امرأة كل ذنبها أنها سوداء اللون أن تبكي أبناءها. التكيف علاقة محترمة تربط بين السيد فورد و«بلات»، خصوصاً عندما عرف أنه عازف على الكمان، فيهديه كماناً مصنوعاً بشكل متقن مكافأة على خدماته وأفكاره الذكية، لكن هذا الاهتمام لم يرق لجون تيبس، مدير مزرعة فورد، الذي يحاول استفزاز البطل إلى أن يفقد أعصابه ويقوم بضربه، وهذه جريمة ثمنها تعليق رقبته وشنقه، وبالفعل نرى «بلات» معلقاً من رقبته، لكن نائب «السيد» فورد ينقذه، لكنه يعاقبه بجعله قريباً من الأرض يحاول التمسك بالحياة، فيضطر فورد الى بيعه لآخر خوفاً على حياته من جون تيبس. وهذا الآخر اسمه «السيد» إدوين ايبس معروف بقدرته على ترويض العبيد كأي ماشية، يمتلك مزرعة قطن، ويجلد فقط إذا ما قل إنتاج العبد في اليوم، من بين كل هؤلاء تظهر شخصية «باتسي» الفتاة السوداء الجميلة التي يهواها «السيد» ويميزها عن الآخرين، وفوق كل هذا هي أكثرهم إنتاجاً في جمع القطن، وكل يوم يزيد إنتاجها، فيقوم «السيد» بمكافأتها من خلال التغزل بها أمام رفاقها العبيد والتحرش بها أمام أعينهم التي لا تستطيع الغضب، هذه الشخصية سيكون لها التأثير الكبير في المشاهد اللاحقة. المقاومة في مزرعة القطن حيث يجتاح البياض التي تقطفه أيادٍ سوداء اعتادت العمل دون تذمر، تحت صوت (وسوط) السيد ايبس الذي يتلذذ بالجلد، مع أنه مؤمن بديانته، ويحرف آيات كتابه حسب هواه، يجلس «بلات» وقد مرت عليه أيام لا يعرف مداها، التي فصلته عن عائلته وعن حريته، يحاول أن يخفي ميزاته التي جعلت من سيده السابق يمنحه حريته، يأكل التوت الأحمر فيلاحظ عصيره، فيخطر بباله تحويل هذا العصير إلى حبر، بعد أن أصبح يذهب الى البقالة ويشتري ما يحتاج إليه المنزل، ومن ضمن هذه المشتريات رزمة من الورق، كان يسرق ورقة كلما ذهب إلى السوق، لكنه خاف ذات مرة عندما حاول أن يتعدى السرقة ويهرب، فاصطدم بسيد قرر إعدام عبيده، فيتراجع عن فكرة الهرب، بهدوء يخطط لمبتغاه، فحريته منوطة برسالة واحدة يرسلها عبر البريد الى نيويورك. في الوقت ذاته، هناك زوجة السيد ايبس التي تغار من باتسي، وتضربها وتحاول تشويه وجهها، لأن زوجها يرفض بيعها لآخر، فهي خليلته رغماً عنها في الليل وهي الأكثر إنتاجاً في قطف القطن في الصباح، تتحمل باتسي الكثير، الى أن يحين موعد المفصل الأساسي في حياتها، بل في حياة بطل الفيلم. الوعد والأمل لم يدرك بطل الحكاية أنه مرت على عبوديته 12 عاماً، قضاها متنقلاً بين مالك وآخر، لم يدرك أنه مهما كانت علاقته جيدة مع السيد سيأتي يوم يضرب بالسوط حتى لو للتسلية، لم يدرك ذلك ربما إلا عندما اعتقد السيد ايبس أن باتسي هربت، واتضح أنها قصدت منزلاً آخر لجلب الصابون لتنظيف جسدها، لم يصدقها هذا السيد الواقع في غرامها، وقرر تعريتها وجلدها، لم يقدر فأوكل المهمة إلى بلات، الذي حمل السوط للمرة الأولى في حياته، حاول الرفض لكن عقابه سيكون الجلد هو الآخر، زوجة السيد لم يعجبها طريقة الجلد فعملت على إثارة لذة الجلد التي يتقنها زوجها في نفسه، فمسك السوط وسلخ جلد باتسي فعلاً. قبل هذا المشهد كان بلات قد تعلق بأمل، بعد أن جاء عامل إلى مزرعة القطن لكنه أبيض اللون، هذا العامل خسر كل أمواله بسبب حبه للكحول، يحاول بلات أن يغريه بالمال الذي كسبه من خلال عزفه على الكمان في حفلات الأسياد، مقابل إيصال رسالته الى البريد، يوافق هذا الرجل ويأخذ المال، لكنه يشي به إلى السيد ايبس، لكن ذكاء بلات يجعله يخرج من هذه الورطة من خلال إقناع السيد أنه لا يعرف الكتابة ولا يملك الورق والحبر، وفي لحظة يأس وخوف يقرر حرق كل الأوراق التي سرقها وكأنه استسلم أخيراً. الحرية تمر الكثير من المشاهد منذ لحظة اعتقاله واستعباده إلى نهايته، مشاهد عن الظلم الذي تعرض له ذوو اللون الأسود، وفي جملة قالتها زوجة السيد ايبس صاحب مزرعة القطن «حذارِ من الحقد الذي ينمو في داخلهم، فثمة غد سيشرق لهم»، كانت تقولها وهي العنيفة أيضاً، هنا اللذة التي يتفنن بها الإنسان إذا ما مارس سلطة على ضعيف. يأتي الخلاص، أخيراً، على يد «باس» (براد بيت) عامل أبيض آتٍ من كندا، كان من الصعب على بلات الوثوق به، فقد كانت له تجربته السابقة، لكن ومن حوارات كان يسمعها تدور بين باس والسيد ايبس كان يرتاح لهذا الرجل الذي يتحدث عن الحرية، وعن الذي يحصل لأصحاب اللون الأسود لا ترضاه ديانة ولا قانون، فتجرأ بلات وروى له حكايته، وطلب منه إرسال رسالة عنه عن طريق جماعته الذين يؤمنون بالحرية، وفعلها باس. وجاء وفد قانوني مع مالك البطل القديم الذي حرره، إلى مزرعة القطن، بعد 12 عاماً من الانتظار وقف مالكه القديم أمام السيد ايبس وقال: «لقد ارتكبت خطأً فادحاً في استعبادك حراً، هذا اسمه ليس بلات بل السيد نورثوب»، وانطلق معهم حراً عائداً إلى موطنه في حضن عائلته التي كبر فيها أبناؤه، وأصبح لديه حفيد يحمل اسمه، ومع كل معاناته وقف أمامهم وقال: «سامحوني لأني تركتكم كل هذه السنين»، هذا الطلب كان متعلقاً بكونه فهم حريته بشكل لا يتوازى مع بيض البشرة، في الوقت الذي فكر أن يذهب للعمل في مكان آخر. للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط. الامارات اليوم