انحدار اللغة العربية في مدارس لبنان.. ومخاوف من التحريف جيل "النت" يكسر المألوف فأي لغة يتكلم ويكتب؟! عبد السلام عبد الله: كل مدرسة تغنّي على ليلاها ناريمان عساف: انتشار لغة "الانترنت" تُضعف اللغة العربية يافطات رفعت في صيدا بلغة "الشات" طلاب يدرسون اللغة العربية جيل أي لغة يقرأ ويكتب؟! أستاذ خلال شرح درس في اللغة العربية طلاب في معرض للكتب ثريا حسن زعيتر: يدق أساتذة اللغة العربية في مدارس لبنان الرسمية والخاصة ناقوس الخطر مما تتعرّض له لغة "الضاد" من تحريف وتهميش لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالدولة نفسها النائمة في سبات عميق، ومنها ما يتعلق بالمنهاج التربوي وإدارات المدارس، ومنها ما يتعلق بالطلاب أنفسهم وتالياً ذويهم... انعكس تنامي هذه الوسائل انتشاراً للغة مستحدثة، بحيث لم يعد وفود المصطلحات والمفردات على اللغة المحلية محصوراً بالكلمات التي لا مرادفات لها، بل طاول الذهنية في شكل خاص، فاللغة العربية تتغيّر وهذا طبيعي، لكن مجامع اللغة تتفرّج، وليس في وسع أحد استشراف ما سيؤول إليه هذا الواقع، فيما مستوى جيل الشباب في اللغة العربية إلى انحدار فأي لغة نتكلم ونكتب؟... فالخوف، كل الخوف أن يتحوّل جيل "النت" إلى جيل لا يعرف أن يتكلم بالعربية، ليس فقط غير قادرة على الكتابة، فنخسر هذا الكم الحضاري وهذا الإرث القومي الذي ينبغي أن نعتز به، وأن نقوّيه في نفوسنا ونضرب مثالاً محزناً، فالكيان الصهيوني ابتدع اللغة العبرية وأحياها ويدرّسها في مدارسه وجامعاته، ونحن أمة اللغة العربية، نتفاخر بأن أولادنا يتقنون كل اللغات، ولا نبالي إذا كانوا لا يعرفون لغتهم الأم، والمصيبة الكبرى أن معظم التلاميذ تراجعت لديهم اللغة العربية، والدليل رسوب آلاف الطلاب بمادة اللغة العربية في الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسّطة... "لواء صيدا والجنوب"، يسلط الضوء على العوامل التي أدت إلى انهيار اللغة الأم، ويلتقي كل من المشرفين الدكتور عبد السلام عبد الله والدكتورة ناريمان عساف... فوضى المدارس * المشرف التربوي الدكتور عبد السلام عبد الله قال: "لا شك أن هناك عوامل عدة تؤثر على اللغة العربية، وساهمت في إضعاف حضورها عند الطلاب، وهذه الأسباب منها ما يتعلق بالدولة والمنهج نفسه وبالواقع الاجتماعي المعاصر... فيما يتعلق بالدولة لم تضع الدولة أسساً واضحة، مما جعل كل مدرسة تغني على ليلاها، وبالتالي يُدرس التلميذ في المدرسة، ثم يفاجأ في الامتحانات أن هناك أسئلة لم تمر معه، أو بعض المحاور التي لم يدرسها، مثل بعض الكتب لا يوجد فيها محور المسرح، على الرغم أنه مقرر في المنهاج الدراسي والامتحان الرسمي". وأضاف: "أما السبب الثاني فله علاقة مباشرة بالمؤسسة التربوية نفسها، فهذه المؤسسات التربوية لا تعطي دائماً اهتماماً كافياً بمادة اللغة العربية بالمقارنة مع اللغات الثانية، اللغة العربية هي دائماً أقل اهتماماً بين المواد الأخرى، علماً أن رصيدها من العلامات من أعلى الأرصدة في المرحلة المتوسطة، وهذا السبب يدفع الطالب إلى عدم الاهتمام باللغة، والمثال على ذلك في أي امتحان لأي مادة غير اللغة العربية، يأخذون حصصا من مادة اللغة العربية ليمتحنوا فيه موادا أخرى". لغة "الشات" وتابع: "بينما السبب الثالث هو الواقع الاجتماعي الذي شكّل تغييراً جذرياً في اهتمامات الجيل الصاعد، وأوضح صورة لهذا التغيير إننا نرى الطالب في الليل والنهار يمسك بالهاتف ولا يتركه إلا عندما يغلبه النوم، هذا ما جعل الطالب غير مهتم بالدراسة بشكل عام، ومن باب أولى اللغة العربية، نظراً لأن معظم الهواتف الكتابة فيها باللغة الأجنبية، فأصبح الطالب لا يستخدم اللغة العربية أبداً، والأخطر من ذلك اللغة التي أطلق عليها لغة "الشات"، هذه اللغة هي عملية تدمير ممنهج لطلاب اللغة العربية واللغة الأجنبية كلاهما معاً، لأن من جهة اللغة العربية، الطالب يكتب الحروف والأرقام باللغة الأجنبية، ولفظ هذه الكلمات أصبح غير واضح، مما يجعل الطالب غير القادر على الصياغة بلغته، كذلك غير قادر على أن يكتب، وقد لاحظنا في بعض المسابقات إن التلميذ يعتمد في المسابقات كتابة "الشات" بشكل عفوي ومن دون أن يشعر بذلك، مثلاً يكتب اسم بطريقة اللغة التي تدخل بها الأرقام والحروف للتعبير عن اللغة العربية، والأطرف من ذلك، أن نسمع بعض التلاميذ يسألون عن كلمات باللغة الانكليزية، عن معانيها باللغة العربية وكأن الأمر أصبح معكوساً". وأوضح "أن هذه العوامل كلها، جعلت اهتمام التلميذ بالمادة اهتماماً ثانوياً لجهة عدم وضع الدولة لمعايير جيدة، أنتج نتيجة مخيفة في العام الماضي، 70% من الطلاب رسبوا في الصف التاسع، 41 ألف من أصل 70 ألف أو أكثر رسبوا في اللغة العربية والسبب يعود إلى هذه العوامل". وأكد انه "يجب أن نبدأ من قيام الدولة بوضع المعايير السليمة للطالب، بحيث نحدد للطالب كفايات، ليس نصوص محددة، إنما على الأقل كفايات واضحة ومتفق عليها، حتى يستطيع الطالب أن يدرسها ويشعر بمتعة النجاح، فضلاً عن توعية الأهل إلى أهمية اللغة العربية كمادة مُقررة وكلغة وطنية، لغة قومية لنا، وإعادة انتماء الطالب إلى اللغة العربية، وبذلك يمكن أن يتغيّر الوضع". نتيجة إهمال * أستاذة طرائق التدريس في اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية الدكتورة ناريمان عساف قالت: إن تأخير الطلاب في مادة اللغة العربية، تعود إلى عدة أسباب: - أولاً: إسناد تعليم هذه المادة لأساتذة غير متخرجين من كلية التربية أو دور المعلمين، وعدم إجراء دورات تأهيلية وتدريبية لهم، وهذا يؤدي إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار لتكوين الطالب الشخصي والنفسي والاجتماعي. - ثانياً: عدم سد ثغرة الصعوبات التعليمية التي يعاني منها، وعدم اتباع الطرائق الحديثة للتعلم لدى البعض وأهمها: طريقة العصف الذهني والمناقشة والاستقرار ولعب الأدوار، وهذه الطرق كفيلة باستدراج الطالب للتعبير السليم والإبداعي. وأكدت "أن الطريقة التلقينية خرّجت مبدعين في اللغة العربية أمثال جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، وأمين نخلة وغيرهم، وما هذا التأخّر في اللغة إلا نتيجة إهمال هذه الطريقة، والمصيبة الكبرى تكمن في طغيان اللغة العامية على اللغة الفصحى أثناء إعطاء الدروس، وهذا يتم أحياناً في معاهد عليا". تركيك اللغة وأردفت عساف "إن طغيان اللغة العامية، ومع انتشار لغة "الانترنت"، وكمحاولة تركيك اللغة العربية يكاد يضيّع معالم وأهداف اللغة، خاصة من خلال تطبيق اللغة الصوتية في العالم وفي الخارج، ومحاولة تسريبها إلينا، تبقى لغتنا الأم في حفظ وأمان، وما علينا سوى الانتباه قليلاً إلى نقاط الضعف، وحث الطلاب على المطالعة، وتحفيظهم نصوصاً أدبية ودينية، وخاصة القرآن الكريم، فلا ننسى قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". وأوضحت عساف، كيفية الخروج من هذا المأزق، حيث يكون ذلك من خلال "استعادة هيمنة اللغة الفصحى على اللغة العامية بممارستها، خاصة في مرحلة الروضات والحلقات الأساسية، والأهم هو تطبيق الطريقة الوظائفية التكاملية في التعليم، أي الوحدة اللغوية، وقد راعت كتب المنهجية الحديثة هذه الوحدة، مع تعدد الكتب مثلاً كتاب للقراءة وكتاب للقواعد، وكتاب للتمارين، والمسؤولية تلقى على عاتق المعلم". دنيا الوطن