يجلس دبلوماسيون من وزارة الخارجية الأميركية كل يوم في مكتب في واشنطن ويدردشون طيلة ساعات على سكايب. ويتابعون على سماعاتهم، وأحيانًا على شاشات كومبيوتراتهم ما يقوله قادة عسكريون يتحدثون من ميادين القتال في سوريا على بعد نحو 10 آلاف كيلومتر. إعداد عبد الإله مجيد: قال دبلوماسي رفيع "إنها طريقة جديدة بالكامل، ولم يسبق أن كان لدينا هذا النوع من الاتصالات المباشرة في الزمن الحقيقي". يجد بعض الأميركيين الذين يستخدمون سكايب، بمن فيهم ضباط متقاعدون في وكالة المخابرات المركزية، أن هذه الاتصالات تبعث على القلق. وهم كثيرًا ما يسمعون إطلاق نار أو قذائف هاون على سكايب، وأقاموا علاقات مع قادة عسكريين في الجيش السوري الحر، الذين يتحدثون حين يتوقف القتال عن عائلاتهم وأحلامهم للمستقبل. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند "نحن نحاول أن نفهم كيف يرى القادة الميدانيون الوضع، ونشجّعهم على رفض التطرف. نشجعهم على دعم اتفاقيات جنيف بشأن السجناء وحقوق الإنسان، نصًا وروحًا، وبالتالي فإن هناك أمورًا نتحدث معهم حولها". لبنان ممر للسلاح الآتي من ليبيا في الغالب يريد القادة الميدانيون أن يتحدثوا عن السلاح الذي يطلبون المزيد منه لشنّ الهجوم الأخير على نظام الرئيس بشار الأسد. ومنذ ربيع هذا العام أخذت فصائل المعارضة السورية تتلقى أسلحة من قطر وتركيا بموافقة أميركية على ما يبدو، وتأتي بعض شحنات السلاح من ليبيا عن طريق لبنان، ويتردد بأنها تتضمن صواريخ تُطلق من الكتف قادرة على إسقاط طائرات حربية. وكان الرئيس باراك أوباما وقع في وقت سابق من العام توجيهًا رئاسيًا يجيز تقديم دعم سري للمعارضة المسلحة من وكالة المخابرات المركزية، وشهد مستشارون داخل سوريا انتقال مقاتلي المعارضة من تكتيكات حرب العصابات على طريقة "إضرب وهرب" إلى هجمات أحسن تنظيمًا خلال الشهر الماضي. وأسفر هذا التغيير في التكتيكات عن سيطرتهم على مناطق أوسع وقطع خطوط إمداد النظام. برنامج سري لمصلحة المعارضة وبعد أسبوع من الاجتماعات وافقت الإدارة الأميركية على تنفيذ برنامج سري لإرسال إمدادات من السلاح والمستشارين يمكن أن يغير ميزان القوى لمصلحة قوات المعارضة، بحسب صحيفة صندي تايمز. يتمثل المصدر الأساسي لقلق الولاياتالمتحدة بما يحدث بعد الحرب في بلد ذي تركيبة مذهبية وقومية متنوعة وله موقع استراتيجي في المنطقة بوصفه حليف إيران وجار لبنان والعراق والأردن وتركيا وإسرائيل. وتُعطى الأولوية في هذه الحسابات لمآل أسلحة النظام الكيمياوية، التي يُعتقد أنها من أكبر الترسانات في العالم، وكيف يمكن الحد من خطر وقوعها بأيدي جماعات متطرفة، مثل القاعدة أو حزب الله المتحالف مع النظام. أثار رفض الأسد الرحيل مخاوف من لجوئه إلى استخدام السلاح الكيمياوي في محاولة يائسة لمنع قوات المعارضة من السيطرة على العاصمة. وحذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا من أن الأسد سيعبر "خطًا أحمر" إذا استخدم السلاح الكيمياوي، وسيدفع الولاياتالمتحدة إلى الرد، رغم أنهما لم يحددا شكل هذا الرد. وفي الأسبوع الماضي تحدث مسؤولون أميركيون بصراحة للمرة الأولى عن تسليح المعارضة وحتى إمكانية القيام بعمل عسكري. وقال الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي لندسي غراهام إن تغييرًا جذريًا حدث في واشنطن باتجاه استخدام القوة "لمنع الأسلحة الكيمياوية من رؤية النور". غاز السارين قد يقتل الآلاف ويُعتقد أن ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيمياوية تضم غاز الخردل وغاز الأعصاب أو السارين وغاز في إكس. ونقلت صحيفة صندي تايمز عن الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية بوب بير "أن رأسًا حربيًا واحدًا من غاز السارين إذا حُمِّل في قذيفة عيار 122 ملم وأُلقي على منطقة ذات كثافة سكانية عالية مثل حلب أو حمص فإنه يمكن أن يقتل 18 ألف شخص". وأفادت شبكة "إن بي سي" أن النظام السوري يقوم بتحميل أسلحة كيمياوية على رؤوس حربية، ولكن مسؤولين استخباراتيين يعترفون بأنهم لا يعرفون ما تعنيه حركة الشاحنات الآتية والمغادرة مواقع خزن الأسلحة الكيمياوية. وقال أحد هؤلاء المسؤولين "إن الحركة قد تعني أن النظام يعد المواد الكيمياوية لاستخدامها سلاحًا أو إنه ينقلها إلى أماكن مؤمّنة على نحو أفضل". ويرى مراقبون أن تصريحات واشنطن قد تكون رسالة إلى حلفاء النظام السوري، مثل روسيا، تبين مدى الجدية التي تنظر بها الولاياتالمتحدة إلى الوضع أو إنها تهيئ الرأي العام لدور عسكري أكبر تقوم به في النزاع السوري. يعترف مسؤولون أميركيون بأن محاولة التخلص من الأسلحة الكيمياوية مع بقاء الأسد في السلطة يكاد يكون متعذرًا، مشيرين إلى أن هناك نحو 100 موقع، ربما نُقلت إليها هذه الأسلحة، غالبيتها في المنطقة الغربية من سوريا. وقال مسؤول "إن الوضع يشبه زوغزوانغ أو الضربة القسرية في الشطرنج، حيث كل حركة تكون حركة سيئة". ويؤكد مسؤولو النظام السوري في تصريحاتهم العلنية أنه لن يستخدم الأسلحة الكيمياوية أبدًا ضد الشعب. وقال نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد إن الأعداء يفبركون فزاعة الأسلحة الكيمياوية بهدف إيجاد "ذريعة" للتدخل. وتقوم أجهزة الاستخبارات الغربية بمحاولات واسعة للاتصال بعلماء سوريين لهم دور في برنامج التسلح لضمان تعاونهم بعد سقوط الأسد. جماعات متطرفة تهدد العلويين وتحذر جماعات متطرفة منذ الآن من أنها لن تتورّع عن استخدام كل الوسائل. ونُشر على يوتيوب أخيرًا شريط منسوب إلى جماعة إسلامية متطرفة، يظهر فيه رجل ببدلة مختبر، يخلط مواد كيمياوية في قارورة داخل حوض زجاجي وضع فيه أرنبان، ثم ينبعث غاز من التفاعل الكيمياوي. وبعد دقيقة تُصاب الأرانب بتشجنات ثم تموت. ويخاطب الرجل العلويين الذين ينتمي الأسد إلى طائفتهم متوعدًا بأن هذا سيكون مصيرهم. في غضون ذلك قال مسؤول أميركي رفيع ودبلوماسيون عدة كبار لشبكة "سي إن إن" إن الولاياتالمتحدة ودولاً أوروبية حليفة تستخدم متعهدين في مجال الدفاع لتدريب فرق من المقاتلين السوريين على تأمين ترسانات الأسلحة الكيمياوية في سوريا. ويشمل التدريب الذي يجري في الأردن وتركيا مراقبة الأسلحة الكيمياوية وتأمينها وطريقة التعامل مع مواقع خزنها والمواد الكيمياوية نفسها، بحسب هذه المصادر. ولم تُكشف جنسيات هؤلاء المتعهدين والمدربين، ولكن المسؤولين حذروا من الافتراض بأنهم كلهم أميركيون. كما أعدت وزارة الدفاع الأميركية خطط طوارئ لإرسال قوات محمولة جوًا، وأخرى برية، مهمتها تأمين مستودعات الأسلحة. ويُقدر أن هذه العملية تتطلب نشر 75 ألف جندي تحت قيادة العمليات الخاصة المشتركة مع قوات إضافية من الفرقة 82 المحمولة جوًا، والموضوعة في حالة استنفار للتحرك على امتداد 18 ساعة. ولكن الولاياتالمتحدة تريد أن تنفذ عملية تأمين الأسلحة الكيمياوية قوة متعددة الجنسيات، تشارك فيها بريطانيا وربما فرنساوالأردنوقطر، بحسب شبكة سي إن إن، منوهة بأن لدى القوات البريطانية خبرة في تفكيك الأسلحة الكيمياوية. وبعد ما حدث في أفغانستان والعراق، ليست هناك شهية في الولاياتالمتحدة لخوض حرب أخرى حذر منها قادة عسكريون كبار. ونقلت شبكة سي إن إن عن جنرال أميركي قوله "أستطيع أن أرى العناوين الرئيسة: جيش مسيحي في الغالب يغزو بلدًا مسلمًا آخر". وأكد ضابط بريطاني كبير أن القيام بعمل عسكري ليس وشيكًا، ولكنه أضاف "السؤال هو متى يكون الخطر المجهول نتيجة عدم التحرك أكبر من الخطر المعروف نتيجة التحرك".