د. عبد العزيز حسين الصويغ هناك اتهام يوجه دوماً للمثقف بأنه يعيش في برج عاجي بعيداً عن الناس والواقع الحياتي ومصادر الألم والشكوى عند المواطن العادي لاستغراقه في التنظير بعيداً عن المعاناة الحقيقية التي يعيشها الناس. وإذا كان هذا الاتهام عادة ما يوجه للمفكرين والكُتاب الذين يوصمون بالفكر الحر ويتهمهم أصحاب الفكر الديني بالتغريب والعلمانية، فإن إمام الحرم المكي سابقاً الشيخ عادل الكلباني نقل تهمة الأبراج العاجية من حجر المثقفين إلى حجر الدعاة الذين اتهمهم بجمود الخطاب الدعوي، والفصام بينهم وبين واقعهم، أو وضع الطرفين معاً في قفص الاتهام. *** وأرجع الشيخ الكلباني وجود حاجز بين بعض الدعاة المعروفين والمجتمع إلى عدم اندماجهم معه، ضارباً مثلاً بقوله: يعني الآن لو تتصل بأحد الدعاة المشهورين لا يمكن أن تجده، حيث سيرد عليك السكرتير، فهو لا يعيش مع عامة الناس بحيث أصبحوا يرونه عبر الشاشة أو عبر محاضرة يلقيها بمسجد لبضع دقائق فقط، وبالتالي لا تظهر شخصيته. وأوضح الشيخ الكلباني خلال حديثه مع الإعلامي عبدالله المديفر في برنامج "لقاء الجمعة" 2014-02-28 أن الخطاب الدعوي يجب أن يتغير لأن الزمن تغير, والناس تغيروا فما يصلح قبل 20 عاماً لا يصلح اليوم، لا في طريقة التفكير ولا التعبير! واتهم الشيخ الكلباني بعض الدعاة بأنه يقصّ عن نفسه أكثر مما يقصّ عن النبي صلى الله عليه وسلم. *** وجاءت الانتفاضة الشعبية التي سُميت بالربيع العربي لتهز المقولة عن المثقفين وتنقلها إلى بعض أصحاب الفكر الديني . فلقد شارك المفكرون والمثقفون في الحراك الشعبي والنزول الى الشارع الأمر الذي ساهم في كشف كثير من مظاهر الفساد في بعض القائمين على الحكم في الأنظمة العربية وتعريتهم وإظهارهم على حقيقتهم فساهموا في تحرير الوعي الشعبي والفردي. كما ساهمت هذه الانتفاضات الشعبية في نزع العباءة الدينية عن كثير من المتحدثين باسم الدين واتخاذه شماعة للوصول لأهدافهم السياسية، فهزت عروشهم تحت زلزال الحقيقة التي كشفت أنهم يعملون لأنفسهم لا للدعوة .. رغم تلبسهم بعباءة الدين. *** وأخيراً ... إذا كان هناك ما يمكن أن تكون الثورات أو الانتفاضات العربية قد حققته فهو تبدل جوانب من تعريف المثقف وأدواره. فالسلطة التي حاربت المثقف التقليدي وقمعته وسجنته وطاردته من منطلق أنه محرك الأحداث، وجدت اليوم نفسها في مواجهة مباشرة مع الناس في الشارع دون ما وسيط أو محرض إلا ما اقترفته يداها. فقد ساهمت هذه الثورات في إنتاج المثقف الشعبوي الذي هجر برجه العاجي واختلط بالناس في الشارع وأصبح جزءاً من الحراك الشعبي. وهكذا فكما سقطت أبراج المثقف سقطت معظم هذه الأنظمة واحدة بعد الأخرى كحجارة الدومينو. نافذة صغيرة: [[ما عادت النخبة نخبةً، وما عاد الميدان ميدانها. الآن بات بإمكان المثقَّف -عبر التقنية الحديثة- أن يصل. على الرُّغم من الفوضى القانونيَّة العارمة التي تكتنف تقنيات التواصل العربيَّة. ما يُؤرِّق المثقف هو بقاء الاحتكار "الإعلا-في"، إذا جاز النحت، أو "الإعلامي- الثقافي"، التقليدي. لا شكَّ أنه ما زال الفساد الثقافي في الوطن العربي كافَّة، ضاربَ الأَطناب. وما زالت الجماعات التي تُقصي، وتستأثر، وتسيطر، تفعل ذلك. وهي تُقدِّم نفسها، ومحسوبيها، أحيانًا، باسم الوطن كلِّه. وهذه مسؤوليَّة الأجهزة المعنيَّة في أن تجعل الموضوعيَّةَ والجودةَ معيارَي القُرب والبُعد. وهذا يتطلَّب دائمًا أن تُعطَى القوس باريها، وإلَّا ظلَّت الثقافة دُولةً بين الأدعياء.]] - الدكتور عبدالله الفيفي / مجلة عربيات - مارس 7, 2013 [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة