لايزال استمرار الأزمة السياسية في أوكرانيا مصدراً لتواصل قلق الاتحاد الأوروبي، لاسيما ألمانيا وبريطانيا اللتين تعتبران التدخل الروسي فيها أمراً خطيراً يؤجج الحرب الباردة، ويعيد إلى الأذهان سنوات أمجاد هذه الحرب بين الغرب والاتحاد السوفييتي سابقاً. وإذا نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في إعادة رسم خريطة أوروبا على أسس عرقية، باستخدام القوة العسكرية، فإن ذلك يعني العودة للدخول في مرحلة من التاريخ الأوروبي انتهت بانتهاء الحرب العالمية الثانية 1945. ويعتبر الأوروبيون أن الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم لا يمثل أزمة لأوكرانيا فحسب، وإنما لأوروبا أيضاً، إذ إن هناك تخوفاً من أن يتحول الأمر إلى أزمة خطيرة للغرب بأكمله. وهناك أدلة تشير إلى أن ألمانيا وبريطانيا تشعران بقلق متزايد من احتمالات فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا، لأن هذه العقوبات تضر بالمصالح التجارية والاقتصادية الخاصة بهما. ويحتاج الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى قيادة حكيمة في هذا الوقت، وكذلك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وزعماء أوروبيون آخرون، حتى يكون لديهم حل سلمي وعادل للأزمة الأوكرانية، لأن بوتين لا يأبه لتهديدات الغرب بفرض عقوبات على روسيا، ولا يقيم لها وزناً على ما يبدو. وفي حال عدم التوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية، فإن بوتين سينظر إلى الغرب بازدراء، ويتصرف بالطريقة التي يراها مناسبة دون مراعاة لأي اعتبارات، وسيتحتم على الجميع في الغرب معايشة عواقب ذلك. وسيصوت سكان القرم، في منتصف مارس الجاري، في استفتاء لتقرير ما اذا كانت شبه الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي ستبقى جزءاً من الدولة الأوكرانية أو ستلتحق بروسيا. وفي حال تدخلت موسكو عسكرياً لنصرة أهالي القرم التي كانت جزءاً من روسيا حتى عام 1954 فإن الغرب لن يكون قادراً على إعطائها درساً في الأخلاق، وضرورة احترام سيادة الدول والالتزام بالقانون الدولي، بعد تجربة غزو العراق وأفغانستان واحتلالهما. ويبدو أن هناك من يعتقد ان بوتين يحتاج إلى من يقنعه أولاً بأن فرض مزيد من العقوبات الغربية على روسيا إنما هو مجرد خيار من خيارات عدة، غير أن بوتين يرفض التلميحات والتهديدات، ويقول إن موسكو لا يمكنها أن تتجاهل النداءات بالمساعدة التي يطلقها الناطقون بالروسية في أوكرانيا. وفي تصعيد ملحوظ اتهم أوباما روسيا بانتهاك سيادة أوكرانيا وتهديد وحدة اراضيها، غير أنه قال إن هناك طريقة ما لحل الأزمة الأوكرانية دبلوماسياً، بما يراعي مصالح روسيا والشعب الأوكراني وموقف المجتمع الدولي، وانه لابد من عقد محادثات مباشرة بين روسيا والحكومة الأوكرانية برعاية وحضور مراقبين دوليين. وذهبت رئيسة ليتوانيا، داليا غراباوسكيتي، بعيداً بمطالبتها بتحرك غربي مباشر وفاعل لوقف التدخلات الروسية، وقالت إن موسكو تحاول هذه الايام إعادة رسم الحدود في أوروبا، وإن من الخطورة بمكان السماح لها بذلك. وبنظرة سريعة إلى أطراف الأزمة الأوكرانية وملابساتها، نلاحظ أنها تشير بدرجة ما إلى صراع ومخاض تعيشه أوكرانيا منذ أكثر من عقد، ولم ينتهِ بعد، وتكسب فيه الأطراف جولات، وتخسر أخرى، دون أن يستطيع أي طرف منها حسم الأمور لصالحه في مرحلة حرجة من الخيارات الاستراتيجية، التي لا مفر من مواجهتها كاستحقاقات حتمية. ولكن هذه الاستحقاقات، التي كانت تبدو بديهية بالأمس، بدأت تثير انقساماً حاداً مع صعود «روسيا بوتين» في الساحة الدولية، وتوجهها نحو صياغة مجال حيوي قريب جغرافياً وسياسياً واقتصادياً لا تكف موسكو عن دعوة كييف إلى السير فيه والدخول إليه. الامارات اليوم