لم تمضِ سويعات على خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني "إيباك" في واشنطن، الذي حمل جملةً من المواقف التحريضية على طهران، حتى أعلن جيش الاحتلال عن ضبطه سفينة أسلحة، ادعى أنها "إيرانية كانت في طريقها إلى غزة". غزة (فارس) لا يساور أي قارئ للمشهد السياسي شكٌ في أن تحريض نتنياهو على إيران في ذلك الخطاب، كان لابد وأن تتلوه خطوةٌ تؤكد "صحة" ما يدعيه، سيما وأن المحادثات بين طهران ودول مجموعة (5+1) ستتواصل لبلورة اتفاق دائم لذلك المرحلي، الذي أبرم في جنيف في الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي. فقد تابعنا المواقف الإسرائيلية القلقة والمستاءة من التوصل لهذا الاتفاق المرحلي مع طهران - الذي بدأ سريانه في العشرين من يناير/ كانون الثاني من العام الجاري لمدة ستة أشهر -، ومنها اعتبار نتنياهو الاتفاق "خطأً تاريخيًا"، وتصريحات وزير خارجية افيغدور ليبرمان الذي حذَّر من تبعاته، وعدَّه "الانتصار الدبلوماسي الأكبر للجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ ثورة الخميني. ونذكر هنا أيضًا ما قاله المعلق العسكري الإسرائيلي الشهير رون بن يشاي، من أن ""إسرائيل" تخشى من تحوّل الاتفاقية المرحلية لاتفاقية دائمة، تجعل من إيران دولة على عتبة السلاح النووي، الذي تزحف نحوه خطوة خطوة". ونذكر كذلك ما قاله المحلل السياسي في القناة الثانية بالتلفاز الإسرائيلي عودي سيغال، "على "إسرائيل" التفكير بكيفية التأثير على الدول العظمى لمنع إبرام اتفاق دائم سيئ مع إيران، على "إسرائيل" العمل على الصعيد الدبلوماسي، وجلب معلومات استخبارية وتقديمها للدول العظمى، حتى يروا ماذا يفعل الإيرانيون .. يجب إقناع الدول العظمى بذلك". من يمر على كلام سيغال – آنف الذكر – لا يحتاج كثيرًا ليفهم لغز "سفينة الأسلحة الإيرانية"، التي أراد نتنياهو أن يتم الإعلان عن "ضبطها" تزامنًا مع زيارته للولايات المتحدة، وبالأدق بعيد خطابه التحريضي أمام "إيباك" كي يتكامل "دليل الإدانة" مع ما قاله ل"إثبات صحته". في الخطاب قال نتنياهو في تبجح: "إسرائيل" هي قوة الخير في الشرق الأوسط!"، وتحت هذا "المانشيت"، الذي صرح به رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، تابع يقول:" إيران "تقتل" السوريين، فيما إسرائيل "تداوي جراحهم""، ليظهر هذا المجرم بلباس حمل وديع!، وهو في الحقيقة ذئبٌ صغير في مدرسة أسلافه، الذين لطالما ارتكبوا وأمروا بتنفيذِ مجازر دموية ضد الفلسطينيين. عودةً الى نبأ "ضبط سفينة السلاح الإيرانية" المزعومة، لاحظنا أن "إسرائيل" حاولت الزج بعدة أطراف فيها، فهي ادعت أنها تحمل صواريخ M302 سورية الصنع، وصلت من مطار دمشق الدولي جوًا، وقد انطلقت من إيران عبر سفينة رست في العراق، وتم تخبئة الأسلحة في أكياس من الإسمنت. ولم يتوقف ادعاء الجيش الإسرائيلي عند هذا الحد، فقد أشار إلى أن السفينة - التي ترفع علم دولة بنما - أبحرت قبل عشرة أيام من إيران باتجاه ميناء بور سودان، ووجهتها كانت قطاع غزة، وتحديدًا لحركة الجهاد الإسلامي، كما صرَّح بذلك وزير الحرب موشيه يعالون "بوغي". وبحسب يعالون فإن "هناك كيانًا مسلحًا في غزة تموله وتدربه وتسلحه إيران التي تواصل تطوير مشروعيها النووي والصاروخي في الوقت التي تنتهج سياسة الكلام المعسول حيال العالم". وواصل مزاعمه "إيران أكبر مصدر ل"الإرهاب" في العالم، وهي تقف وراء تسليح وتمويل "مجموعات إرهابية" في أفغانستان وباكستان ودول آسيوية أخرى إلى جانب دول في إفريقيا وأميركا الجنوبية". مما سبق نستنتج أن "إسرائيل" حريصةٌ كل الحرص على تفزيع مجموعة دول (5+1) من إيران، كي تماشيها في نواياها العدوانية ضد منشآتها النووية، ولا تذهب باتجاه توقيع اتفاق نهائي مع طهران. ورغم أن إيران لا تُخفي دعمها للقضية والمقاومة الفلسطينية.. وهو وسام شرف على جبينها، لكن كل المؤشرات تقول بأن السفينة تأتي في سياق لعبة مكشوفة – كما وصفها عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار -، وذلك بغرض مخاطبة الرأي العام الغربي وبالأخص الشعب والقيادة الأميركية ب"الدليل" وعلى وسائل الإعلام والفضائيات لتكريس عزل إيران، وإبقاء الحصار عليها، وضرب الجهود الدولية للتقارب معها. ولعل "ضبط السفينة الإيرانية عام 2014" يعود بذاكرتنا إلى الوراء، وتحديدًا إلى الثالث من يناير/ كانون الثاني من العام 2002؛ حينما أعلنت "إسرائيل" عن "ضبطها سفينة أسلحة إيرانية - الشهيرة ب "كارين A" - في البحر الأحمر على بعد 500 كيلو متر من ميناء "إيلات"، كانت في طريقها لغزة". يومها أراد رئيس حكومة الاحتلال أرئيل شارون، من وراء هذا "النبأ" التمهيد لعزل السلطة الفلسطينية، ومحاصرتها دوليًا، وإنهاء حكم رئيسها ياسر عرفات (أبو عمار). ولا يجب أن يغيب عن بالنا للحظة أن الإعلان عن ضبط "كارين A" كان مقدمةً لعدوان إسرائيلي واسع، فعملية "السور الواقي" في الضفة الغربية جاءت بعدها بشهرين، ولطالما ردد الكثير من مسؤولي السلطة بأن "السفينة هي التي قتلت أبو عمار". وقد يتكرر سيناريو العدوان ذاته هذه المرة، وهو الأمر الذي فطنت له المقاومة الفلسطينية، ولعل ذلك بدا واضحًا في بيان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بخصوص "سفينة الأسلحة"، حينما اعتبرتها دعايةً مسبقة لنوايا عدوانية تجاه غزة. ولقياس نتائج هذه اللعبة الإسرائيلية، يكفينا الإشارة إلى تصريحات رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الجيش الإسرائيلي عاموس جلعاد، التي أعرب فيها عن إحباطه من انشغال "المجتمع الدولي"، وعدم تعاطيه مع عملية الاستيلاء على "سفينة الأسلحة الإيرانية". وقوله لإذاعة الجيش الإسرائيلي الاثنين (10/3)،: "يفضل المجتمع الدولي الانشغال في مصالحه، وهم يجدون أريحية في إجراء مباحثات مع إيران ..". وبلا شك فإن تصريحات جلعاد هذه تأتي كرسالة استياء واضحة من جانب "إسرائيل" على الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تقوم مفوضة سياساته الخارجية كاثرين آشتون بزيارةٍ رسمية لطهران، قبيل إعلانها عن مواصلة المباحثات النووية بين إيران ودول مجموعة (5+1) بغية الوصول للاتفاق النهائي، التي من المقرر أن تعقد جولة جديدة لها في فيينا، في ال 17 من شهر مارس/ آذار الجاري. اليوم وقف نتنياهو أمام سفراء الدول الأجنبية، والملحقين العسكريين، ومندوبي وسائل الإعلام الدولية، في محاولةٍ يائسة منه لإقناعهم بفرية "السفينة الإيرانية" من خلال عرض مخزون السلاح. وتحت عنوان (لعنايتك يا سيدة آشتون)، قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" – المقربة منه – إن "نتنياهو سيوضح للحضور بأن إيران التي تدير محادثات على أساس التفاهم مع الغرب، دولة لا يمكن الثقة بمصداقيتها". وكان نتنياهو قد صرّح في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية الأحد:" بأن "إسرائيل" ستجلب أدلة على أن إيران تقف وراء إرسالية السلاح لاحقًا"، وهذا التصريح فيه إقرارٌ واضح منه، بأن اتهام إيران على مدار الأيام الماضية لا يستند لأي دليل، الأمر الذي يؤكد صحة ما استعرضناه. وأخيرًا، لفت انتباهي إشارة الخبير الإسرائيلي في الشؤون الأمنية الدكتور تشيلو روزنبرغ إلى أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية الأخيرة لواشنطن تخللها عزف بآلتين: نتنياهو يريد التركيز على الموضوع الإيراني، بينما الرئيس الأميركي باراك أوباما كان يركز في الحديث على موضوع المسيرة السياسية مع الفلسطينيين. وتعليقًا على ذلك العزف، قال روزنبرغ في مقالٍ نشره موقع صحيفة "معاريف" الإلكتروني امس الاثنين:" لقد أدت المناورات الأميركية إلى أن يكاد الموضوع الإيراني لا يُطرح". وفي النهاية يخلص روزنبرغ إلى نتيجة مفادها بأن: "نتنياهو مخطئ إذا كان يعتقد بأنه بعد تنزيل حمولة السفينة، وكشف الوسائل القتالية الكثيرة التي أرسلت إلى غزة، سيتحفز العالم ويستعد إلى حملة واسعة النطاق للهجوم على المفاعلات النووية الإيرانية، هذا وهم ليس إلا .. رئيس الوزراء (الإسرائيلي) على علم جيد بأن سياسته في تحريك القوى العظمى للعمل عسكريًا ضد إيران أو مواصلة العقوبات الاقتصادية القاسية ضدها، فشلت". بقلم: عوض أبو دقة، مراسل وكالة أنباء فارس في غزة /2336/ 2868/ وكالة الانباء الايرانية