بات من المألوف أن ترافق الفعاليات والملتقيات والمناسبات الثقافية والأدبية منصات لتوقيع الكتب، يجتمع عليها أصحاب هذه الكتاب وينتظرون القراء والراغبين في اقتناء كتاب ممهور بتوقيع صاحبه في مشهد لا تغيب عنه «الفلاشات»، وعبارات المجاملة المنتظرة في مثل هذه المواقف.. وكان من الطبيعي أن يتكرر المشهد نفسه في دورة هذا العام من معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث حضرت منصة التوقيع بشكل دائم طيلة أيام المعرض، في مشهد ذهب البعض إلى توصيفه ب»الموضة»، في انتقاد صريح لهذا المسلك، مرتئين فيه محاولة ل»تسوّل القرّاء»، وكأن الثقافة فقط هي مجرد حضور واسم، بحيث إن بعض هذه الإصدارات تفتقر إلى القيمة الفنية في محتواها، وقد يسعى آخرون لأن تكون عبارة عن تجميع لعددٍ من التغريدات والمنشورات في كتاب، مما ضايق بعض الزوار. رؤية الكاتب والقاص سلمان السليماني تعضد هذا المفهوم، حيث يقول: نستطيع أن نسمي ظاهرة توقيع الإصدارات في معرض الكتاب (موضة) بكل جدارة وموضوعية، دون الخوف من أن يشوب هذه التسمية أي ارتباك بشأن علاقتها بالكتاب، الذي يمثل الثقافة والفن من جانب التمثيل الرمزي، لأن الموضة من جانب تحليلي، تُعد عنصرًا دخيلًا وزائدًا عن الحالة الطبيعية للأصل الذي تقدم عبره هذه الموضة.. حيث إن هذه الظاهرة - كما تتجلى بصورتها الملموسة - لا تمت للثقافة بأي صلة، ولا بالكتاب كمنجز يعبر عن ذاته من خلال طرح محتواه المثري والذي يتكئ على مخزون معرفي وفكري وأدبي متجاوز؛ لأن ظاهرة توقيع الإصدارات في معرض الرياض للكتاب بشكل خاص، خارجة عن التأويل الثقافي، هي أقرب للتسويق الذاتي منها لفعل الكتابة، هي شهوة، نزوة، ولقصد الظهور والانتشار على حساب المنتج الكتابي، وقد تتجاوز - في بعض الأحيان - إلى مآرب أخرى تستحي منها صنعة الكتاب؛ وهذا ما يبرر الهبوط الظاهر في مستوى كثير من هذه الإصدارات، من حيث الصنعة الكتابية، والموضوعات وحتى تأهل التجربة للظهور في الأصل، لذلك نجد أن الكتاب يُكتب لغايات منها الفوز بفرصة التوقيع للقراء على أسس حيثيات هذه العملية، ما يسهم في إقحام هذه الموضة في عملية التأليف، التي قد تحيلها – هذه الموضة – إلى عملية مبتذلة، بدأت تفقد رصانتها وأصالتها لمقاصد تبدو هزيلة وغير مدعومة بمنطق ثقافي وإثرائي إن جاز لنا التعبير. مختتمًا بقوله: أظن أنه قد نشأ لدينا كتّاب قد يفكرون في حفل التوقيع قبل التفكير في فكرة الكتاب نفسه، الشيء الذي يدفع المؤلف إلى اختصار أو اختلاس عملية التأليف بتجميع تغريدات أو منشورات مكانها الأدب التفاعلي على الشبكة، ذلك طلبًا لشهوة تلك الحالة، التي تفرغ نشوتها في وعي الكاتب من خلال الترويج للكتاب في كل منفذ إلكتروني أو الإشهار لعلمية التوقيع، التي ستمنح القرّاء شرف الفوز بتوقيع المؤلف ومتعة الاقتراب منه أكثر فأكثر. وتبعًا لما هو مشاهد طالب الروائي طاهر الزهراني بإزالة منصات التوقيع والاكتفاء بالتوقيع في دور النشر، مع تكفل إدارة المعرض بالإعلان عن ذلك. ويبدو انتقاد الروائي محمد النجيمي لحفلات التوقيع ماثلًا في قوله: لم أفعل ولن أفعل، لكني أعذرهم.. لا ننس بأن السعودية دفانة ولا ننس أن نكون رقيقين معهم. وقريبًا من ذلك تقول الروائية فاطمة عبدالحميد: هي مبادرة بنتائج غير سعيدة لجميع الأطراف، فدار النشر ستفقد احترامها بين القراء، والكاتب سيكسره فراغه بعد قليل، والمشتري سيجفل من ذوقه وتلك المنصة في العام الذي يليه.. لذا لن يوقف الظاهرة إلا الوقت، فالوقت وحده يغربلهم لا نسبة المبيعات. الشاعر محمد سيدي لا يرى في استغلال المناسبات الأدبية والثقافية لتوقيع الكتب، وإنما ينتقد السعي إلى التأليف من أجل منصة التوقيع وليس لقيمة الكتاب، وذلك فس سياق قوله: ليست المشكلة في نظري أن يستغل الكاتب تظاهرة ثقافية ما كي يوقع كتابه على هامشها، ويحصل على نوع من التواصل والتفاعل المباشر مع قرائه، أو يستمع إلى بعض ملاحظاتهم ومقترحاتهم حول ما يكتب، هذا حق مشروع للكاتب ما دام أنه يمارسه بطريقة حضارية لائقة لا تسيء إليه شخصيا ولا تقلل من قيمته، غير أن المشكلة تكمن - وهذا ما يفعله البعض للأسف في أن يكتب المرء ويصدر كتابه توخيًا لمثل هذه الفرصة وحسب، وطمعًا فيما يواكبها من أضواء وحفاوة وحضور وفلاشات وصور تتصدر الصفحات الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي، حينها يكون الفعل الكتابي مشكوكًا فيه من حيث الأساس، وحينها أيضًا يكون الإصدار الأدبي أو الثقافي متواضعًا غالبًا وربما عديم القيمة كذلك، لأنه لم يكتب لوجه المعرفة والثقافة بقدر ما كتب لأجل المشاركة والحضور والفوز ببعض المكاسب الصغيرة، وتصبح المشكلة أفدح وأخطر حين يعمد الكاتب حينها إلى تسويق ذاته بطريقة ممجوجة وسخيفة، أشبه ما تكون بفرض الذات على القراء واستدرار عطفهم وتواصلهم، الأمر الذي يتنافى تمامًا مع قدر العلم ووجاهة المعرفة، ويتنافى قبل ذلك مع السلوك الإنساني القويم. صحيفة المدينة