سياسيون ونشطاء: تراخي الأمم المتحدة شجع المليشيا لاستغلال ملف قحطان للابتزاز    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره السعودي وديا منتصف يونيو استعدادا لبطولة غرب آسيا    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    أكاديمي اقتصادي: فكرة البنك المركزي للحد من تدهور الريال اليمني لن تنجح!    انهيار مرعب للريال اليمني.. ووصول أسعار صرف الدولار والريال السعودي إلى أعلى مستوى    المشاط يدافع عن المبيدات الإسرائيلية وينفي علاقتها بالسرطان ويشيد بموردها لليمن    العليمي يطلب دعمًا لبسط سيطرة الشرعية على كامل التراب اليمني    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    رئيس برلمانية الإصلاح يتلقى العزاء في وفاة والده من قيادات الدولة والأحزاب والشخصيات    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يريد الفلسطينيون


د. مصطفى يوسف اللداوي
ماذا يريد الفلسطينيون
سؤالٌ منطقي وطبيعي يطرحه العرب وغير العرب على الشعب الفلسطيني، فقد احتاروا في خضم الأيدولوجيات الفلسطينية، المبعثرة بين القوى والفصائل الفلسطينية المختلفة، وولاءاتها السياسية المتعددة، وتحالفاتها الدولية المتعارضة، وتوالدها المضاعف، وانقساماتها المتعددة، في معرفة ما الذي يريده الفلسطينيون، وما هي أهدافهم المتفق عليها، وما هي الاستراتيجية التي يعتمدونها، وما هي الغاية التي يتطلعون للوصول إليها.
فقد أعيا المحبين للقضية الفلسطينية اختلافُ أهلها، وتنابذُ فصائلها، واحترابُ قواها، وانقسامُ شعبها، وتمزقُ أرضها، وتشتتُ أفكارها، وتعددُ سياساتها، والتعثرُ الذي ساد بين قيادتها، والاضطرابُ الذي عم علاقاتهم، وسيطر على تصرفاتهم.
فلم يعودوا يعرفون أيهم على الحق، وعلى الطريق السوي السليم، ويعملون بصدقٍ وإخلاص، ويحرصون على السرية والنجاح، ولا تهمهم المظاهر والإدعاءات، ويضعون أرواحهم على أكفهم، وعيونهم على الوطن وأهله، يضحون في سبيله، ولا يتأخرون عن الفداء من أجله، ويقدمون مصلحة وطنهم على أي مصلحةٍ أخرى، ولا يوظفونها لخدمة آخرين، لتوظيفها لأغراضهم، واستثمارها لمصالحهم، والاستفادة منها في تحقيق أهدافهم.
إنه سؤال مشروع، لا يطرحه المحبون لفلسطين فقط، إنما يطرحه قطاعٌ كبيرٌ من الشعب الفلسطيني، الذين باتوا لا يعرفون سياسة تنظيماتهم، ولا استراتيجية فصائلهم، ولا يستطيعون تحديد ما الذي يريدون، وماذا يرفضون، ولهم في ذلك كل الحق، إذ إنهم لا يطرحون سؤالاً سفسطائياً، ولا يتساءلون بقصد الجدال البيزنطي، وإنما يهمهم معرفة الاستراتيجية العامة لقيادتهم، ليتمكنوا من العمل وفق السياق، وتوظيف الطاقات ضمن ذات الإستراتيجية، لئلا تتعارض الطاقات، وتبوء الجهود بالفشل.
كما أن الشعوب العربية والإسلامية التي تتطلع لأن تساعد الشعب الفلسطيني، وتخدمه فيما يحب، وإلى ما يتطلع، باتوا حيارى تائهين، لا يعرفون لمن يقدمون الدعم والإسناد، ومن يؤيدون ومن يعارضون، هل يؤيدون الفصائل التي تطلق على نفسها فصائل المقاومة، أو معسكر الممانعة، أم يوجهون الدعم إلى السلطة الفلسطينية والفصائل التي تدور في فلكها، وتؤمن بأهدافها، وتساندها في مواقفها، وتؤيدها في خياراتها السياسية، خاصةً أن بعض الحكومات العربية تسير بهذا الإتجاه، وتشجع مواطنيها للإيمان بخيارات دولهم الرسمية، وتأييد ودعم الجهات التي تسميها لهم، ويسلط الضوء عليها إعلامهم الرسمي.
هل يريد الفلسطينيون استعادة أرضهم كلها، من البحر غرباً إلى النهر شرقاً، ومن رأس الناقورة شمالاً إلى رفح جنوباً، فلا يفرطون في شبرٍ منها، ولا يتنازلون لأحدٍ عن أي جزءٍ منها، على أن يعود اللاجئون إلى ديارهم ومدنهم وقراهم، فلا يقبلون عن وطنهم بديلاً، ولا عنه تعويضاً، ولا يتنازلون عن حقهم في العودة إليه تحت أي سبب، أو استجابةً لأي ضغط.
وأنهم يريدون أن يقيموا دولتهم الفلسطينية ذات السيادة الكاملة، بعلمٍ وجيشٍ وعلاقاتٍ خارجية، على كامل التراب الوطني الفلسطيني، بعاصمتها القدس الموحدة، بشطريها الشرقي والغربي، وبمقدساتها الإسلامية والمسيحية، فلا يشاركهم فيها أحد، ولا يقاسمهم السيادة عليها دولٌ أو منظمات.
أم أن الفلسطينيين يقبلون بحل الدولتين، دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية، فقط على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية الجديدة، دون تنازلٍ عن قطعة أرضٍ منها، أو قبولٍ بأي عملية لتبادل الأراضي لإبقاء بعض المستوطنات، أو للحفاظ على بعض المناطق الإستراتيجية بيد الجيش الإسرائيلي، أو لإجراء تغيير ديمغرافي يخدم أهدافهم، وينقي كيانهم.
أم أن الفلسطينيين يقبلون بدولةٍ فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، مع إمكانية إجراء تبادلٍ محدودٍ في الأراضي، بنفس القيمة والقدر، لتبقى المساحة نفسها، على أن يحتفظوا بالمساحات الأقل والأكثر كثافة سكانية، مع إمكانية القبول بجزءٍ من القدس عاصمة، أو قبولٍ ببلدة "أبو ديس" لتكون هي العاصمة، مع تسهيلاتٍ وضماناتٍ إسرائيلية وأمريكية بحرية العبادة في المسجد الأقصى، والدخول إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
أم أنهم ينادون بدولةٍ ثنائية القومية، يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون، ضمن دولةٍ واحدة، على الأرض التاريخية للشعب الفلسطيني، مع تنفيذ محدود في حق العودة إلى فلسطين، بما لا يجعل أكثرية لفريقٍ على حساب آخر.
وهل يريد الفلسطينيون المضي في خيار المقاومة العسكرية وحدها، طريقاً وسبيلاً لتحرير فلسطين، أم أنهم يؤمنون إلى جانبها بكل أشكال المقاومة الشعبية الأخرى، السلمية والمدنية.
أم أنهم يؤمنون فقط بالحوار والمفاوضات سبيلاً للوصول إلى الغايات والأهداف، وأي محاولة للمقاومة المسلحة فإنها مرفوضة، وهي عبثية تضر ولا تنفع، وتسيئ ولا تخدم، ولهذا ينبغي مقاومة كل أشكال المقاومة المسلحة، واعتقال كل من يمارسها أو يعتمدها، كونه يضر بالمصالح الوطنية، ويعرض أمن القضية للخطر.
ربما يقول قائل أن حدة الانقسامات ودرجة التباين السياسي واضحة وكبيرة لدى القوى والفصائل الفلسطينية، التي تؤمن بأهدافٍ متعارضة، وتنادي باستراتيجياتٍ متناقضة، أما الشعب فهو في أغلبه موحد الموقف، ويعرف ماذا يريد، وإلام يقاتل، وإلى أين يتطلع، فلا تناقض عنده، ولا ازدواجية في الرؤية لديه.
لكنني أعتقد أن الشعب الفلسطيني نفسه حائر وتائه، وضائع ومنقسم، ولا يملك رؤية موحدة، ولا برنامجاً واحداً، بل إن التباين قد أصابه، والاختلاف قد لحق به كقيادته، حتى أضحى امتداداً للفصائل، وانعكاساً لمواقفها وآرائها، يحمل المتناقضات، ويؤمن بالاختلافات.
الحيرة كبيرة، وهي حيرةٌ حقيقية، فقد أضاع الفلسطينيون بوصلتهم، وتاهوا في طريقهم، واتبعوا مرشدين غير مخلصين، ينقصهم الصدق، وتعوزهم الصراحة والوضوح، وآخرين متهالكين ضعفاء، قد دب فيهم اليأس، وأصابهم التعب والإرهاق، فلم تعد لديهم القدرة على الصمود، أو الجلد على المقاومة، فأرهقوا شعوبهم، وأضلوا أهلهم، مرةً عندما أخذوا القضية إلى مساراتٍ سيئة، ومرة عندما خدعوا شعبهم وأضلوه، ولم يخبروه بحقيقة مواقفهم، وأصل استراتيجيتهم.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 16/3/2014
د. مصطفى يوسف اللداوي
الأمة بين التخوين والتكفير
انقضى عمر أمتنا العربية والإسلامية بين محنتين كبيرتين، وأزمتين باقيتين، وعقلين متحجرين، وتفكيرين ضيقين، وفهمين قاصرين، ومنهجين دخيلين، ومقاييس باطلة، ومعايير فاسدة، وحساباتٍ خاطئة، واجتهاداتٍ في غير محلها، وأحكامٍ في غير زمانها، وقادةٍ جهلاء، وصبيةٍ صغار، وأولادٍ لا يعون، ولا يقدرون ولا يفهمون، يحكمون بالبندقية، ويرهبون بالعصا، ويخيفون الناس بالتفجيرات، وكبارٍ يؤدبون الآخرين بالسجون والمعتقلات، وبالقضاء والمحاكم، وبالقوانين والتشريعات.
ومسؤولين سفهاء، ومشرفين غير حكماء، كانوا سبباً في تقسيم الأمة، والوقيعة بين أبنائها، وإحداثٍ شرخٍ كبيرٍ فيها، يزداد ولا ينقص، ويتعمق ولا يردم، ويباعد ولا يقرب، وينفر لا يبشر، ويشوه صورتنا ولا يجملها، وينفر الناس ولا يقربهم منا، وكلهم لا يعنيهم الإصلاح، ولا تهمهم مصالح أمتهم.
فهذا فريقٌ يتهم الآخر بالتبعية والرجعية، والانغلاق والتحجر، والتخلف وعدم التمدن، وبأنهم أذناب الاستعمار، وذيول الإمبريالية، وورثة القوى الرجعية، وأنهم عملاء مأجورين، وجواسيس مندسين، يعملون لحساب جهاتٍ معادية، وينفذون تعليماتِ دولٍ أجنبية، وأجهزةٍ أمنية دولية، وأن مرجعياتهم غير وطنية، ومنطلقاتهم غير قومية، وأنهم ينسقون مع غيرهم، ويتلقون دعماً مالياً من جهاتٍ معادية، وأخرى مشبوهة.
كما يتهمونهم بأنهم يستثمرون أموالهم في الممنوع، ويتاجرون في المحرم، ويضاربون في البلاد وخارجها، ويتعاملون في البورصات ولهم أسهمٌ في البنوك والمصارف الوطنية والأجنبية، وعندهم حساباتٌ سرية، وأخرى بأسماء غير حقيقية، وأنهم لا يوالون أمتهم، ولا يؤمنون بالروابط بينهم، وأنهم يفرطون في أمن بلادهم، وسلامة أوطانهم، لصالح حملة أفكارهم، والمؤمنين بعقائدهم، ولو كانوا معادين لبلادهم، ومختلفين مع حكوماتهم.
ويحلو لهذا الفريق أن يصف أتباع الآخر، بكل الصفات الدنيئة الحقيرة، التي لا تليق ببني البشر، ولا تصح أن تكون بين أبناء الأمة الواحدة، الأمر الذي يزيد في حجم الهوة ويعمقها، ويعقد الخلاف بينهما ويشعبه، ويجعل من فرص التلاقي صعبة، واحتمالات الوفاق مستحيلة.
إذ يصفونهم بالجهلة السفهاء، وبأنهم سفلةٌ أنذال، ومنحطين حقراء، وأنهم رعاعٌ لا يفهمون، وهمجٌ لا يتحضرون، لا يستوعبون الحضارة، ولا يقبلون بالفن ويحاربون الفنانين، ولا يجيزون الإبداع ويحرمون التجديد.
وأنهم إرهابيون مخربون، وفاسدون ومنحرفون، وأنهم السبب في الفوضى والخراب، وأنهم وراء التفجيرات والعمليات الإرهابية، فهم يخططون وينفذون، أو يوفرون الحاضنة المناسبة، والرعاية المطلوبة، أو يحمون المنفذين، ويتسترون على المجرمين، ويسهلون عملياتهم، ويساعدونهم في تنفيذها، بجمع المعلومات التي تلزمهم، أو إخفاء المعلومات التي تخصهم وتدل عليهم، والتعمية عنهم، وتضليل الجهات الأمنية.
ويتهمونهم بأنهم يصدرون الثورات، ويرعون الانقلابات، ويتآمرون على الأنظمة والحكومات، وأن خلاياهم النائمة تعمل باستمرار، وتنهض في كل وقت، بما يهدد السلم والأمن، ذلك بأنهم لا يحبون الاستقرار، ولا يقبلون بالوفاق والأمن والسلام، بل يحبون إشاعة الفوضى، والإكثار من المظاهرات والاضطرابات، وتعكير الحياة العامة، وغير ذلك من الصفات والنعوت، التي تضر ولا تنفع، وتسيئ ولا تخدم.
ويحكم هذا الفريق على خصومه بأحكامٍ قاسية، يجردهم بها من حقوقهم في المواطنة، ويتهمهم في وطنيتهم، ويصدر أحكامه عليهم بأنهم إرهابيين وقتلة، وأنه يجب أن تفتح لهم السجون، وتشرع في وجوههم المعتقلات، ويشجعون القضاء والمؤسسات التشريعية، لتخرجهم عن الشرعية، وتعتبرهم خارجين عن القانون، ثم تحرمهم من حقهم في العمل والوظيفة، وتعاقبهم وأولادهم في الحياة العامة، وكأنهم منبوذين ملعونين، أو مرضي يحملون العدوى، يجب عزلهم وفصلهم، وحرمانهم من أي مشاركة في الحكم والسياسة.
أما الفريق الآخر فيتهم الأول بالكفر والفسوق، والعصيان وإيتاء الكبائر، والانحراف والضلال، والبدعة والزندقة، والانحلال والتفسخ، والزنا والتعري، والفتنة والشبهة، وأنهم يدعون إلى الاختلاط، ويشجعون على فساد الأخلاق، ويعطلون ما فرض الله ورسوله، وأنهم يفرطون في الفرائض، ولا يؤدون الصلاة، ولا يصومون شهر الله، ولا يعظمون شعائره، وأنهم يحرمون الحلال ويحلون الحرام، ويرتكبون في كل يومٍ الكبائر والموبقات.
ويتهمونهم بأنهم يغيرون في الشكل، ويتدخلون في الخلق، وينمصون في الوجه، ويوصلون الشعر، ويعبثون في الشفاه والحواجب، وفيما خفي من الجسم وظهر، ويكشفون عن عورات الجسد، دون مراعاةٍ لحرمة، أو تجنبٍ لفتنة، وأنهم يتشبهون بالكفار، ويقلدون غير المسلمين، وأنهم يحبون أن تشيع الفاحشة بين المسلمين، وأن يرتكب أولادهم الحرام، ويقترفون المنكر.
ويتهمونهم بأنهم يوالون الحاكم، وينافقون السلطان، ويؤيدون الأحكام الوضعية، ويعطلون الأحكام الإلهية، ويعترضون على النصوص القرآنية، ويفرضون مفاهيم غير إسلامية، ويتعاملون بالربا والنسيئة، ويمتنعون عن الزكاة والصدقة، ويجاهرون في الشارع بالإفطار والمعصية، واقتراف الحرام وممارسة غير المشروع من الفعل.
ويحكم هذا الفريق عليهم بأحكام الكفر والردة، وحدود المعصية والزندقة، ويقاطعهم ويدعو لفرض العزلة عليهم، وعدم الاختلاط بهم، أو التعامل معهم، أو الدفاع عنهم، وتبرير تصرفاتهم، أو بيان حقيقة نواياهم، وتفسير سلوكهم إن كانت هناك تهمة، أو عدم وضوحٍ في الرؤية.
ويتهم المتعاونين معهم بالكفر مثلهم، أو الضلال معهم، والتستر عليهم، ويطالب بإقامة الحدود عليهم، قتلاً ورجماً وجلداً وقطعاً للأيدي، ويجمع الناس ليشهدوا عقابهم، والقصاص منهم، لمزيدٍ من الإهانة، أو لبعض الدرس والموعظة، أو لشئٍ في النفس غير هذا وذاك، ليرتدع فريق، ويخاف آخر.
أمام هذين الفهمين المتناقضين، والصفات المتنابذة بين الفريقين، فإن الأمة قد ضاعت وتمزقت، واختلفت وتباينت، بين تكفير البعض وتخوين الآخر، فهذا الفريق قد نصب نفسه حامياً للوطن، وحارساً للعروبة، وقيماً على آمال وأهداف الأمة، فخون من عارضه، واتهم من نافسه، ووصفه بأنه عميلٌ مندس، وجاسوسٌ خائن.
بينما جعل الآخر من نفسه خليفة الله على أرضه، ووصياً على دينه، يرى أنه يحكم بما أنزل الله، وأنه ينفذ مشيئته على الأرض، ويطبق منهجه بين البشر، فكفر دون علم، وأخرج من الملة دون سببٍ، وطبق أحكاماً عطلها الشرع إلا بشروط، وعلق تنفيذها إلا بموجباتٍ وظروف.
بين التكفير والتخوين غاب العقل، وفُقدَ المنطق، وساد الكره، وحلت بالأمة المصائب والنكبات، ولا أحد من الطرفين يريد أن يدرك أن هذا الوطن لنا جميعاً، ويسعنا كلنا، لكن بمحبةٍ وتفاهم، وبصدقٍ وإخلاص، فإن لم نقبل بالعيش فوقه أحياء، فإننا سنجبر على أن نسكن جميعاً في جوفه أمواتاً.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 14/3/2014
د. مصطفى يوسف اللداوي
مصالح عربية وإسرائيلية مشتركة
يرى الباحث الصهيوني في الشؤون العربية "آليكس غرينبرغ" ضرورة تعزيز علاقات التعاون الإسرائيلية مع بعض الدول العربية، التي لا تشهد معها صراعات، ولا تربطها بها حدود، ولا يشهد التاريخ أي مواجهاتٍ بينها والكيان الإسرائيلي، كما أنه ليس لها معتقلون في السجون الإسرائيلية، ولا توجد بينهما دعوات قضائية مرفوعة، سوى ما يتعلق بالشأن الفلسطيني.
ويرى الباحث أن أغلب هذه الدول وهي المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي بالإضافة إلى تونس والمغرب، ولبيبا بصورةٍ أقل، فإنها في حاجة ماسة إلى إسرائيل، لإجراء المزيد من التنسيق الأمني معها، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها حكومات هذه الدول، لجهة إخراج حركة الإخوان المسلمين عن الشرعية، وتوصيفها بأنها حركة إرهابية، الأمر الذي يعني أنها أصبحت عدواً مشتركاً لهما، والتي تشمل حركة حماس التي تنتمي إليها، وترتبط بها، وكذلك بالنسبة إلى حزب الله اللبناني، وتدخله المكشوف في الأزمة السورية، ضد رغبات هذه الدول، ما يعني ضرورة التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات بينهما، بما يخدم الأهداف المشتركة.
بالإضافة إلى أن إيران هي عدوهما المشترك اللدود، وكلا الطرفين متضرر من وجوده، ويخشى من تطور سلاحه، ويعمل ويتمنى إجهاض قوته، وإفشال برامجه، وتعطيل قدراته العسكرية، كونه يهدد مصالح الطرفين معاً، وهذا الأمر من شأنه أن يعزز العلاقات الثنائية بين الطرفين، لضمان تحقيق افضل النتائج من خلال التنسيق الأمني المشترك.
ويرى الباحث أن ثمة إشاراتٍ إيجابية قد صدرت من بعض الدول العربية، بصورةٍ مباشرة عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال الأصدقاء المشتركين بين الطرفين، حيث لمست الحكومة الإسرائيلية رغبة واضحة من هذه الدول، وإن بدرجاتٍ متفاوتة، لتحسين العلاقة معها، وبدء التنسيق لمواجهة الأخطار المشتركة.
د. مصطفى يوسف اللداوي
المقاومة بأي شكل
قرأت للأستاذ الكبير ناصر الدين النشاشيبي، ما أعجبني عن محاولته مقاومة الكيان الإسرائيلي بأي شكل، وفي كل الأوقات، وفي كل المحافل والميادين.
فيروي أنه بينما كان يوماً في أحد مقاهي لندن، جالساً على طاولته، يتصفح جريدةً إنجليزية، وقد بدت عليه ملامحٌ أجنبية، وكان يتقن الإنجليزية كأهلها، حتى جاءه النادل يسأله، ماذا تشرب، فأجابه على الفور، شاي ... أريد شاياً ثقيلاً.
فنظر إليه النادل باستغراب، معتقداً أنه انجليزي، فلكنته لا تدل على غير ذلك، والإنجليز عموماً يحبون الشاي خفيفاً، ولكنه سكت وأحضر له طلبه، شاياً أسوداً ثقيلاً في كأسٍ صغيرةٍ كما طلب.
فما كان من الأستاذ ناصر الدين إلا أن أمسك أمام النادل بمكعبات السكر الكثيرة، وأخذ يسقطها واحدةً تلو الأخرى في كأس الشاي الأسود الثقيل، ثم أخذ يحرك الشاي بأصبعه، ففغر النادل فاه مستغرباً فعله، مستنكراً سلوكه كإنجليزيٍ متحضر، فالشاي أسودٌ ثقيل وسكره كثير، وهو ما ينكره الإنجليز ولا يحبونه.
يقول الأستاذ ناصر الدين، نظر إلي النادل وسألني، من أين أنت، فقلتُ: أنا يهودي، فغادرني وأنا أعلم أنه يصب آلاف اللعنات على اليهود القذرين.
د. مصطفى يوسف اللداوي
سياسة إدارة الظهر تكسر الظهر
يقول أساتذة علم الإدارة، وخبراء فض النزاعات، وحل الصراعات، والمختصون في إدارة الأزمات، بعد تجارب كثيرة، وخبرة عملية متراكمة، ودراساتٍ عميقة في أكثر من مكان، وعلى أكثر من حالةٍ مستعصية، محلية ودولية، أن الأزمات لا تحل بإهمالها أو تجاوزها، وعدم تقدير آثارها أو مفاعيلها، أو إنكار وجودها والتعامي عن حقيقتها، والإدعاء بأنها غير موجودة، وأنها مجرد وساوس أو هواجس، أو أنها دسائس وفبركاتٌ معادية لا أكثر، لا سند من الحقيقة لها، ولا شئ على الأرض يثبتها أو يعززها، لذا ينبغي عدم إضاعة الوقت فيها، ولا يجب بذل أي جهد لمواجهتها، فهي إما أنها وَهْمٌ وغير موجودة، أو أنها ستزول تلقائياً، وسيتجاوزها الزمن، ولن يكون لها أي آثارٍ أو مفاعيل أخرى.
يرى العلماء أن الأزمات كالأمراض، تنشأ لدى الأفراد والمجتمعات والدول، وتصيب الإنسان في علاقاته مع الآخرين، وارتباطاته الإنسانية الأخرى، التي لا تسير بالضرورة بنسقٍ عامٍ، وانتظامٍ مريح، بل قد تصيبها طفراتٌ، وقد تتعرض لأزماتٍ حادة أو بسيطة، فحتى يمكن علاجها، وتجاوز آثارها، لا بد أولاً من الاعتراف بها، والإقرار بوجودها، والتسليم بضرورة علاجها، والقبول بالعلاج الذي يوصف لها، ثم العمل على دراستها ومعرفة أسبابها، والتعرف على عواملها وأطرافها، وكيفية نشوءها، وأفضل الطرق لمواجهتها والتصدي لها، للعودة إلى أصل الشئ، أو لتقليل الخسائر ما أمكن، والتخفيف من الأضرار بالقدر الممكن.
لكن للأسف فإن العرب لا يؤمنون بعلوم الإدارة ولا بمناهجها، ولا يلتزمون بمدارس إدارة الأزمات، وحل المشكلات، وفض النزاعات، بل إنهم يهزأون من المختصين، ويتهكمون على الباحثين، ولا يرون ضرورة لوجودهم، أو مبرراً لعملهم، فهم زيادة عدد، وكلفة في غير محلها، وجهود ضائعة، وفي النهاية حلولهم غير ناجعة ولا فعالة، وهي لا تؤدي المطلوب، ولا تعالج المشاكل، ولا تضع حداً حقيقياً لها.
العرب لا يعترفون أصلاً بوجود مشاكل، ولا يقرون بأنهم يعانون أو يواجهون، وكأنهم يخجلون من طرح مشاكلهم، أو إشهار أزماتهم، أو الكشف عن معاناتهم، لإحساسهم بأنهم وحدهم من يواجه المشاكل، أو يتعرض للأزمات، فإن هم أخضعوا أنفسهم للدراسة والبحث، وقبلوا بوسائل الاستشفاء والعلاج، فكأنهم يشهرون بأنفسهم، ويفضحون مجتمعاتهم، ويشوهون سمعتهم، ويضرون بصورتهم.
لهذا يرون وجوب إخفاء عيوبهم، وعدم الاعتراف بمشاكلهم، وإنكار ما يتهمهم به غيرهم، أو يروجه بينهم خصومهم وأعداؤهم، ويتهمونهم بأنهم السبب في تشويه السمعة، وفي نشر الفتنة، دون سندٍ من الحقيقة، أو شاهدٍ وقرينة من الواقع.
ولهذا فإنهم يجاهرون للجميع ويعلنون بأنهم لا يعانون من شئ، ولا يشكون من مشكلة، فلا منحرفين عندهم، ولا شاذين أخلاقياً في مجتمعاتهم، ولا مرضى بالإيدز في بلادهم، ولا مدمنين على المخدرات، ولا مصابين بالكآبة والإضطرابات العصبية، ولا بطالة بين مواطنيهم، ولا فقر ولا حاجة، ولا تأخر في الزواج بين شبابهم، ولا تردي للأوضاع الإجتماعية، ولا إنهيار في الأنظمة الإقتصادية، ولا تراجع في المداخيل، ولا ارتفاع في الأسعار، ولا انقطاع في الكهرباء، ولا نقص في الوقود، ولا أزمات خبزٍ ومواد غذائية واستهلاكية، فكل شئٍ متوفر، بأسعارٍ معقولة، وأخرى مدعومة، بما لا يجعل مجالاً للشكوى، ولا سبباً للتذمر.
يرى القائمون على شؤون المواطنين العرب، أن كل شئ لديهم متوفر، ولا شئ ينقصهم، ولا يوجد عندهم مشاكل كالتي يعاني منها المواطن الغربي الذي تزداد في بلاده حالات الانتحار، وتتفاقم مظاهر العزلة والاكتئاب، وتتفاوت بينهم مستويات المعيشة، وتكثر الجريمة، وتتقطع الأواصر الإجتماعية، وتتراجع العلاقات الإنسانية، رغم أنهم يدعون أنهم يعالجون المشاكل، ويخصصون لكل مريضٍ طبيبٍ وباحث، يدرس حالته، ويعالجه من أمراضه، ومع ذلك فإنهم يزدادون مشاكلاً، وتتضاعف لديهم حالات المرض النفسي، وتتآكل مجتمعاتهم من داخلها وخارجها.
بينما يفتخر المسؤولون العرب بأن بلادهم تخلو من كثيرٍ مما يعاني منه المواطنون الغربيون، ولو افترضوا وجود مثل هذه الحالات والظواهر، فإنهم يحسنون علاجها، وينجحون في وضع حدٍ لها، ومنع تطورها، والحيلولة دون تفاقمها، ولعلهم بهذا يشيرون إلى العصا، فهي تؤدب وتخيف، وهي تعلم وترهب، ومن خلفها السجون والمعتقلات، بكل ما فيها من حفلات الاستقبال، ووجبات التكريم اليومية الأليمة، وهي وجباتٌ متنوعة وكثيرة، تتجدد ويتفنن المسؤولون فيها، ويبتدعون الجديد الفعال منها، وهي كفيلة بإسكات كل لسان، وإشباع كل بطن، وإرضاء كل نفس، وإمتاع كل روح.
ويدعون بأن الخبرة التي تشكلت عندهم تفوق ما لدى الغرب، وتتجاوز قدراتهم وإمكانياتهم، بل إنهم قد يحتاجون إلى الأنظمة العربية ليتعلموا منها، ويستفيدوا من خبراتها، وليعرفوا كيف تستطيع الحكومات إقناع المواطنين بأنهم أغنياء وأصحاء وأقوياء، وأنهم شبعى وغير عطشى، وعندهم ما يكفيهم من كل شئ، وما يتمتعون به من حرية تفضل ما يدعيها الغرب لأنفسهم، فهم أحرارٌ في التعبير، أسيادٌ في مواقفهم، فلا يوجد ضوابط تمنعهم، ولا حدود تقيدهم، ولا رقيب يحاسبهم، ولا سجون تؤدبهم، ولا محاكم تقسو عليهم.
لا تدرك الأنظمة العربية أنها عندما تدير ظهرها لمشاكل شعوبها، وتنكر وجودها، وتنفرد بحلها بنفسها وعلى طريقتها، وبالأدوات القديمة التي تعرفها، وترفض معالجتها، والنظر في أسبابها، فإنها تكسر ظهورهم، وتزيد في معاناتهم، وتعقدُ خلقَ حلولٍ لمشاكلهم، وتدفعهم للثورة والمظاهرة، وتقودهم إلى الشارع والميدان، وهي وإن نجحت في خصي الرجال، واستغلام الشباب، واستعباد الأجيال، فإنها تخسر قبلهم ذاتها، وتعجل دونهم نهايتها، وتضر بمصالحها، وتضع حداً لوجودها، وستكسر سياستها ظهرها، بينما ستبقى شعوبهم، وستواصل نضالها لتنال حقوقها، وتعيش بكرامتها، وتحافظ على عزتها.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 11/3/2014
التجمع من اجل الديمقراطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.