مديرية المحفد تعد البوابة الشرقية لمحافظة أبين, ويتربع على عرشها اليوم (الفقر، الجهل والمرض .. وغياب الدولة)!.. ولا يزال (الثالوث) الذي تحققت الوحدة اليمنية للقضاء عليه، بعد أن كانت تنعم بخلاصها منه مناطق الجنوب، يجثم على صدر أبناء مديرية المحفد بقوة تزداد كل يوم عتواَ كلما زاد الغلاء، وتفشت البطالة .. ورأى أهلها يمنا كئيباَ ومستقبلاَ مرعباَ!! سوق إلى وقت الظهيرة !! عند دخولك إلى عاصمة المديرية، ومع إشراقة شمس كل صباح جديد تشاهد توافد الأهالي من كل أرجاء القرى والمناطق المجاورة إلى عاصمة المديرية؛ لقضاء احتياجاتهم المنزلية من السوق الوحيد بعاصمة المحفد .. يسرح الناس ويمرحون في السوق وسط ارتفاعات جنونية في أسعار المواد الاستهلاكية، وحياة بائسة صعبة على غالبيتهم .. كل يبحث عن قضاء حاجته. يستمر السوق حتى سويعات الظهيرة، عندها يعود المواطنون إلى مناطقهم ويصبح السوق أشبه بإحدى حارات المدن، ويستمر على هذه الحال. الفوانيس (النووية) !! قرى المحفد يبتلعها الظلام كل ليلة, فالكهرباء حلم يوازي المستحيل أو أبعد منه قيلاً!.. فعلى الرغم من أن القادة العسكريين من أبناء المديرية, فإنها لا تزال تتصدر قائمة المناطق الأكثر فقراَ، والأكثر حرماناَ ربما على مستوى اليمن. فالكهرباء متوفرة في مركز المديرية؛ ولساعات قليلة في اليوم ابتداء من السادسة مساء حتى الثانية عشرة مساء, أما القرى ففوانيس الغاز شاهد على عدم مبارحتها حقبة ما قبل الثورة الصناعية في العالم. (الحمير) وسيلة نقل الماء !! (الحمار) حليف استراتيجي للناس هناك, ومن يصل المحفد يحس بأنه لا يزال يعيش خمسينيات القرن المنصرم، حيث لا تزال مشاهد البؤس والحرمان وغياب أية مظاهر للحياة بمعناها الحقيقي غالبة على الحياة هناك .. ولا يزال السكان خصوصاَ النساء والأطفال يتمتعون بممارسة رياضة حمل (الدبب) على الرؤوس أو السفر المضني إلى واد لجلب الماء, وسعر (وايت) الماء (البوزة) يصل إلى آلاف الريالات في بعض القرى البعيدة عن المديرية, ما يعني أن الأسرة المكونة من 10 أشخاص (متوسط عدد الأسر هناك)، بحاجة إلى ميزانية خاصة لتوفير ماء الشرب. ويضيف عدد من المواطنين ممن التقتهم (الأمناء) أن أغلب الناس في المحفد يعتمدون في مصدر رزقهم على تربية النحل (النوب) والمواشي، ومع ذلك حياتهم الاقتصادية صعبة لا يستطيعون مقاومة أسعار (وايتات المياه), إلى جانب كوم كبير من المتطلبات الأساسية. مستعمرات (الملاريا) وأخواتها !! بعض الأهالي الذين التقيناهم قالوا: "تعد مديرية المحفد واحدة من أكثر المناطق تعرضاَ للأمراض المنقولة عبر البعوض كالملاريا والتيفوئيد والضنك, وما ينجم عنها من مضاعفات خطيرة كفقر الدم والحميات القاتلة, أو المسببة للإعاقات الدائمة مثل الحمى الشوكية". المستشفى الريفي الوحيد في مركز المديرية غير قادر – بحسب الأهالي – على توفير الإسعافات الأولية للمواطنين، وخدماته تكون منعدمة.. فهشاشة المستشفى شجعت على انتشار العيادات الخاصة التي تفتقر لأبسط المواصفات المهنية، ولكن المواطن البسيط الفقير لا يجد خياراً آخر، فإما الموت بالمرض, أو الموت على يد مطبب لا يعرف من المهنة سوى أنها مدرة للمال فقط, فلا مؤهلات لأغلب أصحابها ولا تراخيص, ويمارس أصحابها أبشع أنواع الابتزاز على المريض والمضطر العاجز, وذلك كله تحت سمع وبصر الجهات المسؤولة في المجلس المحلي. طريق واحد مسفلت طريق واحد فقط مسفلت يمر بمركز المديرية إلى محافظات (شبوة, حضرموت والمهرة)، وما عدا ذلك؛ فترابية كلها رغم الأهمية الاستراتيجية لمديرية زراعية. التعليم .. يا قلب لا تحزن !! التعليم خاضع لأصحاب النفوذ وتدخلاتهم بصورة فجة بحسب ما أفاد الأهالي - فنقل المعلمين وتغييرهم من المهام التي يمارسها البعض بشكل لافت .. ويعاني التعليم من نكوص مستمر، فمعدلات الأمية في تزايد وكذا التسرب من المدارس بسبب الفقر, واضطروا للبحث عن أعمال بسيطة يقاومون بها حياتهم الصعبة في ظل الأوضاع الاقتصادية الهشة. وقلة الوعي لدى الآباء يضيف المئات سنوياَ من الأطفال إلى مربع الجهل والوقوع في براثن الأمية, ومن أهم أسباب التسرب والعزوف عن التعليم بالمحفد هو إغلاق عدد من المدارس نتيجة عدم وجود معلمين. من ينصف المقعد والعمياء؟! وما يؤكده الأهالي أنه منذ أربع سنوات تم حصر مئات الحالات من قبل لجان الضمان الاجتماعي، وذهبت صور المساكين وأسماؤهم أدارج الفساد، حيث يتمتع الفاسدون بحصص حالات الضمان الاجتماعي الهزيلة وتؤكد العديد من المصادر أن بعضهم يتسلم مرتبات عشر أو عشرين من حالات الضمان بأسماء وهمية، وأخرى خاصة بهم لا يجرؤ أحد على المطالبة بها.. فمن سيكون المنصف لعاجز مقعد أو مسنة عمياء؟! الانفلات الأمني !! وفي الجانب الأمني؛ تعاني مديرية المحفد هي الأخرى مثلها مثل بقية المديريات في بعض المحافظات الجنوبية من الانفلات الأمني، وانهيار سيادة النظام والقانون لبنة تلو الأخرى .. حيث تعاني انتشار ظاهرة قطع الطريق العام بسبب غياب الدولة فيها. ختاماَ .. نستخلص من استطلاعنا حجم المعاناة التي يعانيها أهالي المحفد من غياب الخدمات الحيوية، ودور السلطات المحلية، وما تسبب أثرها من معاناة مريرة ومستمرة يدفع الأهالي فواتيرها من عرق جبينهم، وشقاء أبنائهم. تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية : أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال. أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء. أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم. أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية. لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية. ل "الأمناء نت" الحق في استخدام التعليقات المنشورة على الموقع و في الطبعة الورقية ". الامناء نت