ناشطون: الموساد يُدير معركة حضرموت    احتجاجات واسعة في مقديشو تنديدًا باعتراف العدو الصهيوني بإقليم أرض الصومال    المنتخبات المتأهلة إلى ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2025    لسنا بنادق للإيجار.. كاتب جنوبي يؤكد الشراكة مع التحالف ويحذر من استهداف قضية الجنوب    عاجل: مصرع القيادي الإرهابي رويس الرويمي وخمسة من عناصر القاعدة في عملية أمنية بحضرموت    الشرعية حين تتحول من مبدأ قانوني إلى أداة تعطيل    أكد موقف اليمن الثابت مع الصومال ضد العدو الاسرائيلي .. قائد الثورة: أي تواجد إسرائيلي في إقليم أرض الصومال سيكون هدفاً عسكرياً لقواتنا المسلحة    نائب وزير العدل يتفقد تجهيز مقرات المحاكم الابتدائية المنشأة حديثًا بأمانة العاصمة    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    حمداً لله على السلامة    الإفراج عن 108 سجناء من الحديدة بمناسبة جمعة رجب    خلال تدشينه مشروع التحول الإلكتروني لصندوق التقاعد الأمني .. اللواء المرتضى: المتقاعدون يستحقون الاهتمام فقد أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن    صحيفة بريطانية: توترات حضرموت تنذر بانفجار صراع جديد يهدد مسار التهدئة في اليمن    المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام ينفذ عمليات واسعة لإتلاف مخلفات العدوان بمحافظة الجوف    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    فلسطين الوطن البشارة    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    بيان مليونية سيئون يجدد التفويض للرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب العربي    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية أمريكية : الإسلاميون أكثر الفائزين من الثورات العربية
نشر في الجنوب ميديا يوم 14 - 12 - 2012

يرى برادلى أن ما حدث هو نكسة وردة عن الطريق الديمقراطي، مفسرًا ذلك بالصعود الإسلامي الواضح واحتمالات دخول المنطقة بأسرها في استقطاب سني شيعي.
وفي مستهل الكتاب، يؤكد الكاتب على أنه من الأهمية بمكان أن يحكم المحللون السياسيون على الثورات العربية، لاسيما التونسية والمصرية، بمنجزاتها الواقعية ومخرجاتها العملية لا بنواياها غير المكتملة أو المتحققة. وفي الوقت ذاته، يرفض برادلى أن يتم الاعتماد على المفهوم الغربي في الاستدلال على الديمقراطية العربية، ذلك لأن المنطقة العربية بطبيعتها مكونة من عدد من الشعوب الناطقة العربية بألسنة مختلفة، ولها ثقافات مختلفة، وجميعها لم تترجم رغبتهم في الديمقراطية عن طريق الشكل البرلماني المتعارف عليه في السياق الغربي: فلا هم مغرمون بالصيغة البرلمانية البريطانية ولا هم مولعون بالفردية الأمريكية.
وبالتالي، يحذر برادلى من الوقوع في خطأين عند تحليل الثورات العربية: الأول: خطأ تصوير ما حدث على أنه انتصار للتيار العربي القومي أو انتصار للنموذج الغربي الديمقراطي، وثانيهما: التعامل مع الديمقراطي على أنه ما يناهض الإسلامي.
الثورة التونسية وموت العلمانية
في الفصل الأول من الكتاب ينعي برادلى "موت العلمانية التونسية"، فقد أصبحت تونس تحت دائرة الضوء بعد أن عانت حالة من العزلة والإهمال، على الرغم من كونها نموذجًا علمانيًا متقدما على الدول العربية الأخرى يتمتع بحرية التعبير وارتفاع مستوى التعليم ومشاركة المرأة في الحياة السياسية.
وبعد أن استعرض المؤلف ما عاصره منذ قيام ثورة تونس، وبناءًا على عدد من الملاحظات والمقابلات والمعايشات اليومية، خلص إلى أن المواطن التونسي لا يقيم وزنًا لحرية التعبير طالما أنه لا يستطيع إطعام أبنائه. كما أن ثوار تونس لم ينجحوا رغمًا عن شرعية مطالبهم لأسباب ثلاثة: عدم دعم الطبقة الوسطى لمطالب الثوار، الدعم المتواضع لمواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتي لا تساعد- في رأي الكاتب- على تحقيق منجزات واقعية على الأرض، الاندفاع غير المحسوب للثوار باتجاه الصيغة الغربية للديمقراطية والتي لم تلق هوى لدى الشعب التونسي.
ويعقد المؤلف مقاربة بين الأوضاع في تونس قبل وبعد الثورة. ففي مرحلة ما قبل الثورة عاشت تونس أعلى درجات الانفتاح، ومن الأمثلة التي ساقها: قانون الأحوال الشخصية لعام 1956 بعد الاستقلال تمت صياغته بمساعدة طاهر حداد وهو إسلامي حداثي في تونس، وكانت أفكار نيتشه تدرس في الجامعات باعتبارها جزءًا من تاريخ الأفكار، وفور توليه الحكم أفرج زين العابدين عن راشد الغنوشي مؤسس جماعة النهضة الإسلامية. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الثلاثة أضعاف حيث ارتفع من 1.201 دولار في 1986 إلى 3.786 دولار في 2008. كما احتلت تونس المركز الأول في إفريقيا في تقرير التنافسية العالمي الصادر عن منتدى دافوس الاقتصادي.
وقامت الثورة التونسية- في رأي الكاتب- بسبب تسريبات ويكليكس عن حجم الفساد الذي انغمست فيه أسرة بن علي. ويشير في شيء من التفصيل إلى زوجة الرئيس زين العابدين ليلى الطرابلسي ذات الأصول الليبية وكيف أنها استغلت وضعها في إثراء أسرتها التي كانت تكابد الفقر قبل زواجها من رئيس تونس؛ بل ويجعل منها سببًا أساسيًا في جنوح حكم بن علي إلى الفساد.
أما فيما بعد الثورة التونسية، فقد تبدلت الأوضاع إلى ما هو أسوأ حيث: زيادة معدلات التحرش بالمرأة في الشارع التونسي، انتشار الفقر وهو ما يمكن الاستدلال عليه بزيادة عدد الشحاذين، ارتفاع معدلات الجريمة، وأخيرًا انسحاب الاستثمار الأجنبي من تونس لانعدام الاستقرار. وآخر ما يرصده المؤلف في هذا الشأن هو صعود راشد الغنوشي الذي أسهب الكاتب في عرض ميلاده ونشأته، ثم تطور دوره ونشاطه السياسي وتعرضه للاعتقال ثم أخيرًا كيف استمال قطاع عريض من الناخبين في أعقاب الثورة، مؤكدًا أن الانتخابات التونسية كانت هي النفس الأخير الذي لفظته العلمانية مع فوزه.
مستقبل مصر الإسلامي
في الفصل الثاني من الكتاب يعرض برادلى تأملاته حول "مستقبل مصر الإسلامي". وبشكل قصصي يعرض الكاتب معايشته للواقع في مصر بعد الثورة، وقد لفت انتباهه إلى صعود الإسلاميين في مصر أحد رفاقه المسيحيين، والذين يمثلون بدورهم 10-15% من تعداد السكان في مصر. غير أن الصعود الإسلامي السلفي هو ما استوقفه، لاسيما أن مصر كانت أرضًا خصبة للفكر الوهابي الذي انتشر فيها في سبعينات القرن الماضي وأن من تبنى العقيدة السلفية في مصر ظلوا أقلية زهاء العقدين. وعلى الرغم من أن ثمة فروق عملية بسيطة بين الفكر الوهابي والسلفي، إلا أن عصر مبارك كان يحارب كلاهما بلا هوادة.
ويبدأ المؤلف في عقد مقاربة يرصد بها أوجه الاختلاف بين الحالة المصرية ونظيرتها التونسية، وأول هذه الأوجه: أن جموع الشعب المصري رحب بالثورة، وثانيهما: دور الجيش حيث لم يلعب الجيش التونسي دور يذكر في السياسات والسياسة التونسية، أما في مصر فدور المؤسسة العسكرية تاريخي منذ انقلاب 1952 وفي إسقاط مبارك خلال الثورة وامتد هذا الدور إلى ما بعد الثورة.
يستنكر برادلى على الثوار المصريين أمرين الأول: إعلانهم أن ثورتهم بلا قائد، وهو ما يعني أنهم لم يستفيدوا من التاريخ كيف انهارت ثورات لافتقادها القائد. وثانيهما: فشلهم في تنظيم أنفسهم سياسيا وتسليم زمام الأمور إلى الإسلاميين. وفي ذلك هم لم يتعلموا من مآل الثورة الإيرانية شيئًا البتة. مشيرا إلى إتقان مبارك استخدام فزاعة الإسلاميين في التعامل مع الشأنين الداخلي والخارجي على وجه التحديد، لذلك لم يستطع الإخوان المسلمون إعلان تأييدهم للثورة والنزول إلى الشارع المصري إلا بعد أن بات سقوط مبارك أمرًا أكيدًا.
إن مصر أهم دولة في المنطقة العربية بلا منازع، وبالتالي فإن شكل وقسمات المجتمع المصري الذي يرغب الإخوان المسلمون في إقامته سؤالا يجب محاولة فك شفراته قبل وصولهم إلى سدة الحكم في مصر، لأن هذا هو ما سيحدد مسارات الملفات السياسية في المنطقة قاطبة. وأخيرًا، يذكر المؤلف أن "الإخوان المسلمين لا يختلفون عن السلفيين، لأن كليهما يتطلع لأن يرى نظام حكم إسلامي في مصر حيث لا وجود للديمقراطية أو الاعتدال أو البرجماتية" وذلك وفقًا لما أورده معهد هدسون Hudson Institute؛ وأن واشنطن في حاجة إلى مزيد من الوقت لفهم الإخوان المسلمين ونواياهم وأدواتهم.
الاستقطاب السني- الشيعي
وإذا كانت الفرضية الأساسية للكتاب تركز على القوى الإسلامية، فقد أفرد الكاتب الفصلين الثالث والرابع لتناول "الثورة الوهابية المضادة"، و"المحور الشيعي" على وجه الترتيب؛ وهو ما يعني بداهة البحث في الامتدادات الخارجية للقوى الإسلامية في البلاد التي شهدت ثورة ودراسة أثر الفاعلين الخارجيين الإقليميين على مسارات الثورات. ومن ناحية أخرى، فإن الحديث عن الوهابية والشيعية يستحضر الصراع الناعم بين المملكة العربية السعودية وإيران من أجل الهيمنة على المنطقة.
واستعرض المؤلف تاريخ ظهور المذهب الشيعي والتاريخ العدائي بينه وبين المذهب السني؛ والدور التاريخي للمملكة العربية السعودية في إقصاء الأقليات الشيعية. لقد عبرت المملكة العربية السعودية عن استيائها الشديد لتخلي واشنطن عن حليفها الدائم محمد حسني مبارك، وفي المقابل لم تتوان عن تحريك قوات درع الجزيرة تحت غطاء مجلس التعاون الخليجي لإجهاض ثورة البحرين التي يقودها الشيعة في البحرين التي تتاخمها المحافظة الشرقية السعودية الغنية بالنفط والتي يسكنها شيعة المملكة العربية السعودية من أصول سعودية أو غير سعودية. لقد رصدت المملكة العربية السعودية حوالي أربعة مليارات دولار لنظام الحكم العسكري في مصر في شكل أرصدة وقروض ميسرة، وكشرت عن أنيابها عندما أضافت مزيدًا من المعوقات والشروط لقبول العمالة المصرية بالمملكة وجعلت مدة الإقامة قصيرة واجبة التجديد.
وعلى الصعيد الداخلي، أُعلنت مراسيم ملكية سعودية حزمة من الإصلاحات التي توفر فرص عمل للشباب وترفع الحد الأدنى للأجور، وتعطي الأولوية للمواطن السعودي في التوظف على ما عداه، وارتفعت المخصصات المالية الموجهة لقطاعي الإسكان والتعليم بشكل غير مسبوق. بالإضافة إلى صدور فتوى شريعة تحرم الثورة والتظاهر ضد عائلة آل سعود. لقد نجح النظام السعودي في تقديم نوع من التنازلات غير السياسية والتي تمس الحياة اليومية للمواطن، وبالتالي كانت هجمة استباقية من النظام ضد اندلاع ثورة وشيكة.
ويرى المؤلف أن ثورة اليمن نجحت لأن المملكة العربية السعودية أعطت الضوء الأخضر لقبيلة حاشد للانقلاب على صالح ثم استضافت الأخير للاستشفاء بها، وكان لأسرة آل سعود اليد العليا في إتمام صفقة تسليم السلطة في اليمن. علاوة على ذلك، فإن تصويت المملكة العربية السعودية لتمرير القانون الأممي رقم 1973 الذي يسمح لقوات حلف شمال الأطلنطي بالتدخل في ليبيا - وفقا لتحليل الكاتب- ما هو إلا المقابل حتى تغض الولايات المتحدة الأمريكية الطرف عن اقتحام المملكة العربية السعودية للبحرين.
ولا يجد برادلى في المملكة العربية السعودية مزية عن إيران، فأوجه الشبه عديدة: كلاهما دولتان يتدخلان في شئون بعضهما بشكل صارخ وسافر، وكلاهما يدعمان الجماعات الجهادية خارج حدودهما، وكلاهما يغطان في فساد داخلي، وكلاهما يعتمدان في بقائهما على شرطة سرية على اختلاف مسمياتها وعلى عوائد النفط. غير أن إيران كونت محورًا أكثر جرأة وأكثر بطشًا عن المملكة العربية السعودية، إنه محور إيران- حزب الله- سوريا، وهو ما جعل درعا وربوع سوريا تنزف حتى الآن دون حراك دولي أو إقليمي. إلا أن علامة استفهام تفرض نفسها على واقع هذه العلاقة التي تربط بين نظام بعثي علماني يبيح المحظورات من خمر، وميسر، وبغاء؛ وبين نظام حكم ثيوقراطي بكل ما تحمل الكلمة من مفردات وأبعاد؟
ويجد المؤلف في "النفعية السياسية" إجابة مرضية عن تساؤله حيث: تقوم سوريا بتوصيل إمدادات الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان، وإلى حماس في قطاع غزة؛ وكلاهما يعملان على استنزاف إسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن العلويين هم القائمون على حكم سوريا، ويقال أنهم ينحدرون من علي- كرم الله وجهه- وبالتالي فهم فرع من الشيعة.
واستعرض المؤلف الأحداث الدموية في درعا وحماة وعدم إظهار بشار الأسد أية مقدمات لتنازله عن الحكم، مشيرًا إلى موقف واشنطن التي طالما اصطفت إلى الجانب السعودي في مواجهة الإيراني. وشهد آخر أغسطس 2011، تحولًا في الموقف الإيراني من الدعم الأعمى إلى مطالبة نظام الأسد بالاستجابة لمطالب الشعب ولو في جزء منها. وربما يرجع ذلك في جزء منه إلى حسابات "عدم اليقين" الإيرانية لأن احتمال سقوط الأسد يعادل بالنسبة لها احتمال بقاءه؛ وهو ما يعني ضرورة أن تتحسب للاحتمال الأول وأنها سوف تصبح بلا ظهير في المنطقة ولن تتمكن من دعم حزب الله أو حماس بالأسلحة اللازمة. ويختتم الفصل الرابع بتوضيح مدى تشرذم الداخل الإيراني ذاته وتفككه والمشكلات التي يعاني منها لدرجة أن إيران قد تكون على شفا ثورة وشيكة دون أن تدري أو ندري.
المملكة الوهابية الكبرى
يتناول الفصل الخامس تجارب و"دروس من جنوب شرق آسيا"، حيث تتضافر جهود الإسلاميين المعتدلين مع النخب الليبرالية لتقديم برامج تنموية أو صيغ ديمقراطية تختلف عن النماذج الغربية. ويفرد المؤلف جزءًا كاملا لدراسة الحالة الماليزية التي يرى أن تحالف الإسلام المعتدل فيها مع بعض النخب الليبرالية فتح الباب أمام القوى الإسلامية الأكثر تشددًا في ممارسة تغيير المجتمع قاعديًا؛ وهو ما يعني إعادة إنتاج نظما تسلطية من طريق آخر غير أدوات القمع المادي؛ وهو ما يجعل من ماليزيا نموذجا أقرب إلى المملكة العربية السعودية.
ومسترشدًا بحالتي اندونيسيا وجنوب تايلاند، يشدد المؤلف على أن الصعود الوهابي السعودي في كل من مصر، البحرين، اليمن، واحتمال سيطرة السنة على الحكم بعد سقوط بشار في سوريا، تزامنًا مع احتمالات عضوية المغرب والأردن إلى مجلس التعاون الخليجي؛ علامات دالة على أن كابوس تكوين "المملكة الوهابية الكبرى" من حدود إسرائيل وحتى الأطلنطي. إن المملكة العربية السعودية تسعى إلى ذلك حثيثًا حتى أنها- حسبما يستدل برادلى- تستميت في إقناع اندونيسيا وماليزيا على الدخول في تحالف معها ضد العدو المشترك بينها والولايات المتحدة الأمريكية المتمثل في إيران.
ماذا بعد؟
يختتم الكتاب بفصل يلخص ما تناولته الفصول الخمسة الفائتة مضيفًا كثيرا من أجزاء مقابلة أجراها برادلى مع المصري سمير أمين والتي أكد فيها على أن "الإسلاميين سوف يحكمون في المدى المتوسط باستخدام نوع من الدعاية تركز على ولع واشنطن بالانخراط في لعبة الشطرنج الجيوبوليتكي." إضافة إلى ذلك، فقد اعتبر برادلى أن تركيا تتجه إلى نوع من الديكتاتورية الإسلامية الانتخابية Islamic Electoral Dictatorship.
وفي مقابلة أجراها الكاتب مع شادي حميد Shadi Hamdi من معهد بروكنجز أكد الأخير على أن المنطقة في المرحلة القادمة سوف تكون عصية على التنبؤ، بنفس مقدار تأكيده على أن الإسلاميين سوف يصلون إلى السلطة ولكنهم سوف يظهرون مرونة وبرجماتية عالية حال مواجهتهم لخيارات صعبة. إن القضية لا تكمن في رفض هذه الشعوب لإمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية في حد ذاتها، وإنما هو رفض لعدم كفاءة هذه الإمبراطورية ولأنها تجعل الأمور أسوأ مما هي عليه بالنسبة لشعوب المنطقة العربية ولشعبها على حد السواء- حتى كانت المحصلة أن ارتمت شعوب المنطقة في أحضان الإسلاميين كبديل لليبرالية الأمريكية الذميمة.
غير أن الكاتب لم يحدد أية سيناريوهات أو حلول مقترحة، وعلق كثيرًا من الآمال على أن ينفد النفط السعودي وتعود المملكة العربية السعودية إلى حال ما قبل النفط، وأن تفقد إيران نفوذها في المنطقة، وأن تتبنى الملكيات في المنطقة إلى ملكية دستورية مثلما الحال في المغرب والأردن، وألا تندلع ثورات دامية عنيفة؛ حتى يحدث تطورًا إيجابيًا في منطقة الشرق الأوسط باتجاه الديمقراطية الحقيقة حتى يمكن لشعوب المنطقة أن تتقبل الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى.
وينهي الكاتب حديثه بأنه مازال هناك قدر من الليبرالية في البلاد العربية يمكن البناء عليها في المستقبل مع توسع الطبقة الوسطى في هذه البلاد؛ ورغمًا عن أن ما يحدث عشية الثورات العربية ربما ليس هو الديمقراطية التي تحبها وترضاها الدول الغربية، إلا أنها الشكل الأمثل للعرب في المدى المتوسط. أما في المدى البعيد فإن هذه الشعوب- وفق رأي الكاتب- سوف تضيق ذرعًا ولن تسمح بأن تتحول حياتهم اليومية إلى كابوس بسبب من يدعي الجهاد فيفجر قنبلة أو يدعي الأفضلية الدينية فيتأكد إذا ما أدوا فرائضهم اليومية؛ ومتى حدث هذا فإن الشعوب العربية سوف يستشري في جسدها الحمى الثورية مرة أخرى رافضة الخنوع لمثل هذه القوى الرجعية.
*من جون برادلى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.