كتب المحلل والخبير البارز، عبدالباري عطوان، في اشارته الى زيارة الرئيس الاميركي الى السعودية: ان اوباما يسعى في هذه الزيارة للتخفيف من غضب حليفته السعودية وانقاذ العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين البلدين. لندن (مواقع) كتب المحلل والخبير البارز في العالم العربي، عبدالباري عطوان في مقال تحليلي: لم تكن زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الرياض التي تبدأ الجمعة مدرجة على جدول اعمال جولته الحالية، ولكن جرى "حشرها" في محاولة لامتصاص غضب الحليف السعودي وانقاذ العلاقات الاستراتيجية التاريخية بين البلدين التي وصلت الى حافة الانهيار بسبب اتفاقين مفاجئين، الاول هو النووي الايراني الذي تم خلف ظهر المملكة، والثاني الكيمائي السوري الذي الغى ضربة عسكرية اميركية حتمية لدمشق كانت تعول عليها الرياض كثيرا لقصم ظهر النظام السوري. العنوان الابرز في زيارة اوباما للرياض هو كيفية صياغة ارضية مشتركة حول التعاطي المستقبلي مع الملفين السوري والايراني وبما يؤدي الى تحجيم القوة الايرانية المتصاعدة في منطقة الشرق الاوسط، وحفظ الامن الخليجي المشترك وفق المنظور القيادي السعودي. واضاف عطوان: القيادة السعودية راهنت على "كلب الحراسة" الاميركي طوال الثمانين عاما من عمر التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وبنت كل حساباتها على تدخل عسكري اميركي يدمر القوة العسكرية والطموحات النووية الايرانية... وانفقت مئة وعشرين مليار دولار في صفقات اسلحة اميركية واوروبية استعدادا لهذا التوجه الاميركي، وهيأت اجواء المنطقة للحرب بتصعيد العداء الطائفي والعرقي ضد ايران، على امل تكرار السيناريو العراقي في ايران، ولكن الصدمة الكبرى عندما اكتشفت هذه القيادة ان اميركا تتفاوض سرا وخلف ظهرها مع ايران وترفع الحصار جزئيا عنها، وتتراجع عن ضرب حليفها في سوريا. *** لا نعرف كيف سيتعاطى اوباما مع هذا الغضب السعودي، ولكن كل ما نعرفه انه سيجد قيادة سعودية مختلفة تتبع سياسات تقرع طبول الحرب في سوريا ومستعدة لرصد عشرات المليارات ان لم يكن اكثر لهزيمة ايران على الارض السورية اذا تعذر هزيمتها على الارض الايرانية. اوباما يزور الرياض في وقت حرج للغاية، فالقمة العربية الاخيرة التي انعقدت في الكويت انهارت، ومجلس التعاون الخليجي الذي كان الورقة الرابحة في يد السعودية منقسم على نفسه، والخلافات بين السعودية ومعسكرها الاماراتي البحريني من ناحية، وقطر من ناحية اخرى حيث اكبر قاعدتين عسكريتين اميركيتين في المنطقة قد تتحول الى مواجهة عسكرية في ظل انهيار الوساطات بسبب رفض الاخيرة التجاوب مع المطالب السعودية الحازمة والعودة الى السرب الخليجي دون نقاش. العاهل السعودي سيقول لأوباما انه هزم ادارته عندما اسقط الحكم في مصر وعلى وشك بناء تحالف اقليمي جديد يضم مصر والاردن والمغرب والدول الخليجية الثلاث (الامارات والبحرين والسعودية) لإعادة إحياء ما يسمى دائما بمحور "الاعتدال العربي"، فهل ستؤيد هذا التوجه الجديد في مواجهة ايران ام لا؟. الغالبية الساحقة من الحروب التي شنتها اميركا اشعل فتيلها الجمهوريون واطفأها الديمقراطيون وخاصة في الشرق الاوسط، واوباما الديمقراطي لن يكون استثناء، ولذلك قد يصدم مضيفيه السعوديين بالقول صراحة انه لن يحارب ايران لتبديد مخاوفهم على غرار ما فعل سلفه جورج بوش مع العراق لأنه يكره الحروب ويتزعم شعبا يعارضها في الوقت الراهن بعد تجارب فاشلة في العراق وافغانستان، وتدخل جاء بنتائج عكسية في ليبيا، وفوق هذا وذاك انشغاله بروسيا بوتين اكثر من انشغاله بإيران. الاولوية بالنسبة للرئيس الاميركي ويلتقي فيها مع عدوه الروسي وحلفائه الاوروبيين هي محاربة "الارهاب" وليس اسقاط النظام السوري، بينما يرى مضيفوه السعوديون العكس تماما، او بالاحرى يتفقون معه حول هذه المسألة ولكنهم يريدون استثناء في سوريا انقاذا لماء الوجه بعد ان تورطوا حتى الاذنين في المستنقع الدموي السوري، ولكن اوباما لا يدير مؤسسة خيرية وانما دولة عظمى انتخب لوضع مصالحها فوق كل مصالح اخرى واولها عدم خوض حروب الغير خاصة في ظل تعاظم الدَيْن العام وتفاقم الازمة الاقتصادية. الخطأ الاستراتيجي الاكبر الذي وقعت فيه القيادة السعودية على مدى الاربعين عاما الماضية هو عدم بنائها قوة عسكرية ذاتية، واعتماد سياسة إضعاف اي قوة اقليمية يمكن ان تشكل خطرا عليها، والاعتماد على الحليف الاميركي لتدميرها اذا استدعى الامر، بمعنى آخر، ارادت السعودية ان تظل قوية بين ضعفاء، دون ان تدرك ان هذه السياسة لم تعد تصلح في ظل المتغيرات الدولية، وتخلي اميركا عن دور الشرطي العالمي المدافع عن حلفائه، فأميركا لم تعد اسيرة احتياجاتها النفطية العربية، وباتت اقل حرصا على الدور السعودي "المعتدل" في منظمة "اوبك"، واوشكت ان تحقق اكتفاء ذاتيا نفطيا من النفط الحجري المحلي وإمدادات كندا والمكسيك. ايران بنت مشروعها العسكري الذاتي، واعتمدت اكثر على نفسها واقامت تحالفات قوية مع روسيا والصين والهند والبرازيل، وناورت لأكثر من خمس سنوات في مفاوضات مضنية حول برنامجها النووي مع الدول العظمى، وخرجت المستفيد الاكبر من التورط الاميركي في العراق وافغانستان وأجبرت اميركا على الركوع عند اقدامها في نهاية المطاف. العالم يحترم الاقوياء فقط، وعندما تصبح السعودية وحلفاؤها اقوياء سيضطر اوباما ومن يخلفه للتعاطي معها بطريقة مختلفة، اما الآن فلا نعتقد انه سيلبي مطالبها وخوض حروب بالنيابة عنها. *** ويضيف عبدالباري عطوان في مقاله: السعودية خسرت معظم الرأي العام العربي ومن ثم الاسلامي عندما اهملت قضية فلسطين وانشغلت عنها في قضايا اخرى وعلى رأسها كيفية معاقبة صدام حسين والثأر من غزو الكويت، وقبلت احتقار مبادرتها للسلام التي جاءت من اجل تجاوز تبعات مشاركة 17 من مواطنيها في احداث الحادي عشر من سبتمبر. التناقضات في السياسة السعودية باتت غير مفهومة لمعظم العرب والمسلمين ايضا، فكيف تعارض الثورات العربية في مصر واليمن وتؤيدها وتدعمها في سوريا وليبيا لدرجة التورط العسكري والمالي المكثف والمباشر؟ وكيف تحارب الليبرالية وتتبنى الاسلام السياسي لعقود ثم تضع الاخوان المسلمين حلفاءها التاريخيين على قوائم الارهاب فجأة بينما تدعم في الوقت نفسه الجبهة الاسلامية واكثر من مئة منظمة اسلامية مسلحة في سوريا، وتقيم مراكز وتنفق المليارات من اجل حوار الاديان وتعمق الخلافات المذهبية والطائفية في الوقت نفسه؟ مشكلة السعودية ليست مع اوباما واميركا فقط وانما مع نفسها ايضا، واقصر الطرق للخروج من ازماتها هذه هو تعديل بوصلتها وسياساتها التي اوصلتها الى هذا الطريق شبه المسدود، واهتزاز صورتها في العالمين العربي والاسلامي وعدم الاعتماد على شهادات الزور من المنافقين والفاسدين وما اكثرهم حولها والذين يقولون غير ذلك. /2926/ وكالة انباء فارس