الاستفتاء والتعليقات على المقالاتيوم السبت 15/12/2012، هو موعد الاستفتاء في مصر على مشروع الدستور الجديد، بعد أن أعلن الرئيس مرسي إلغاء الاعلان الدستوري المعيب الصادر في آخر نوفمبر 2012، وموافقة القوى المعارضة على الذهاب إلى التصويت ودعوتهم لأنصارهم برفض المشروع. أما الاعلان البديل فقد لا يحل مشكلة الانقسام والاحتقان في المجتمع مهما كان حجم تلك المشكلة، سواء أكان الانقسام والاحتقان صغيراً أم كبيراً. الاستفتاء في ضوء ذلك الانقسام والاحتقان لا يمكن أن يكون موضوعياً، حيث أن الفترة التي أتيحت لدراسة ثم لتحليل مشروع الدستور مادة مادة، غير كافية، ولذلك فإن شكل الاستفتاء صحيح ولكن محتواه ونتيجته قد تكون غير موضوعية. وهنا ينبغي على من أيدوا الإعلان الدستوري من قبل ودافعوا بكل قوة أن يراجعوا موقفهم في ضوء قانون الإلغاء، وأن يحكموا العقل قبل العاطفة في مثل تلك الحالات، حتى تكون آراؤهم موضوعية وفيها تجرد ومراعاة لمصلحة الوطن. كما أن الذين عارضوا الإعلان الدستوري وطالبوا بإلغائه لا ينبغي عليهم النظر بعين الشماتة أو الانتصار في هذه المعركة، بل عليهم أن يواصلوا تبيان الخطأ في القرارات والإعلانات بالموضوعية والتجرد اللازمين، وقبول اوجه الحق أو الصواب في تلك القرارت والاعلانات كذلك والاشارة إلى ما فيها من نقص وعيوب. ومهما كانت نتيجة الصراع القائم أو الاستفتاء بعد الاستكمال في ضوء الاشراف القضائي الذي تسبب نقص عدد القضاة في أن يكون الاستفتاء على يومين بينهما أسبوع كامل، في حين أن التصويت للمصريين في الخارج يبدأ و ينتهي في وقت أبكر، فإن الصراع والانقسام والاحتقان سيستمر للأسف الشديد، إما لهوى في النفس أو ضعف إستخدام العقل والنظرة الموضوعية أو ضعف إحترام العملية الديموقراطية ونتائجها أو إلغاء بعض اللجان لسبب ما أو لآخر. كم سمعنا أن عدد القضاة الذين وافقوا على الاشراف أكثر بألفي قاض مما يحتاج إليه الاشراف. التعليقات المهذبة الموضوعية على المقالات والآراء مهما كانت موافقة او مخالفة أو بين بين، تكون مفيدة جداً للكاتب، لأنها تفتح الباب أمامه بشكل أوسع، وتعين أحياناً في العودة إلى الصواب أو الحق، أو تعين في كشف الخطأ الذي قد يقع فيه الكاتب، حينما يتضح له وجه الحق أو الصواب أو الموقف الأرجح في تعليقات القراء، ومنهم من يكون اكثر منه علماً ودراسة أو رؤية وتقويماً، وخصوصاً في مجالات الاختصاص. ومن الفائدة أيضاً أن من بين تلك التعليقات ما يثبت الكاتب على صوابه والحق الذي بدا له أو أبداه. جاءتني عدة تعليقات على مقالي في الأسبوع الماضي منها:'الدكتور محمد مرسي رئيسنا وقائدنا لن يرحل ولن يرحل إلا شهيداً ومعه آلاف الشهداء' هذا هو التعليق الأول. أما التعليق الثاني فهو كالآتي'حدد مواد في الدستور جانبها الصواب، وردك عليها حتى نستفيد ونفيد' أما التعليق الثالث فجاء من الدكتور عامر شطا- أستاذ طب الأطفال في كنداحيث يقول: 'ربما يكون ما تقوله صحيحاً، ولكن جانبك التوفيق في توقيت ما تقول'. أما التعليق الرابع فيقول: يجب على الدكتور كباحث إسلامي أن يرجح بين مصلحة الإعلان الدستوري وإن كان خطأ و مفسدة اسقاط رأس الحكم'. رأيت أنه من المفيد، وسط الزحام في المليونيات وما صاحبها من قتل وتدمير وإشعال حرائق وإصابات والانقسام والاحتقان بشأن الاستفتاء على مشروع الدستور، وفي ضوء إلغاء الإعلان الدستوري بعد أن تعصب له بعضهم تعصباً كأنه قرآن أو حديث صحيح، رأيت، أن أعمد إلى تفنيد بعض تلك التعليقات كما قال أحدهم للإفادة والاستفادة، وخصوصاً أن إلغاء الإعلان الدستوري ولو جاء متأخراً، أتاح فرصة الاشراف القضائي عليه ولو على يومين، ومشاركة قوى جبهة الإنقاذ في التصويت على مشروع الدستور. والتواصل مع القراء بروح الحب والعقل والمنطق والمصلحة العليا في مصر كجزء عزيز من الأمة، إن هو إلا نافذة واسعة للحوار واحترام الرأي والرأي الآخر، بعيداً عن التعصب الأعمى والانحياز الديني أو السياسي دون إستبصار، يضيء الطريق والحمد لله تعالى، أنه ليس في هذه التعليقات ما يجرح كما جاء في غيرها من قبل، نتيجة الجهل والتعصب والنظرة الأحادية والاستعلائية أحياناً. دعنا نبدأ ببداية تعين في الوصول إلى نتيجة صحيحة. يقول الله تعالى'إن الله يأمر بالعدل والإحسان'. ويقول القرآن للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وللمسلمين والمؤمنين ولبني البشر جميعاً'ولا تكن للخائنين خصيماً'. كثير من المسلمين لا يفهمون للأسف الشديد أن هذه الآية في سورة النساء نزلت لتبرئة يهودي في المدينة من إتهام باطل بالسرقة، إرتكبها مسلم ضعيف الإيمان وضعيف الخشية من الله تعالى. ما أجمل هذه القيم العظيمة في الاسلام بل في الأديان كلها. وفي هذا الصدد هناك على سبيل المثال تغريدة نسبت للدكتور عصام العريان على تويتر بشأن أوراق الاستفتاء تقول:'ستجدون'نعم' في اليمين و'لا' في اليسار، أدعو الله أن يجعلكم من أهل اليمين، فهم خيار الناس في الدنيا ومثواهم الجنة في الآخرة'. انتهت التغريدة. وهناك تعليق على مقال الدكتور المؤرخ محمد الجوادي عن خطة المحكمة الدستورية يوم 2/12/2012 كما عرفها د. الجوادي من مصادر موثوقة، والتي قال عنها' إنها أي المحكمة كانت تعتزم حل مجلس الشورى والتأسيسية وتبطل الإعلان الدستوري، وتعلن تنحية مرسي وعودة المجلس العسكري'. فكتب أحدهم تعليقاً على هذا المقال جاء فيه'أقسم بالله العظيم أني كمصري مخلص لهذه البلاد أوافق أن تنظر هذه القضايا أمام المحكمة الدستورية الاسرائيلية عن أن تنظر أمام المحكمة الدستورية المصرية عديمة الشرف وعديمة الوطنية. قضاة إسرائيل أشرف وأنزه من هؤلاء. إن لم يحل مرسي هذه المحكمة فهو خائن خيانة عظمى يستحق الاعدام' إنتهى كلام الرجل المنشور يوم السبت 24 نوفمبر 2012 تعليقاً على مقال د. الجوادي. وهذا نموذج من الردود التي يدور معها رأس الإنسان إن بقي فيه عقل، وقد يكون ضررها أكبر من نفعها أو يكون الضغط بها وسيلة وطريقاً إلى العنف. أما ردي على التعليق الأول فهو تأكيد مالا يحتاج إلى تأكيد. نعم فإن مرسي رئيسنا وقائد مصر الأول في هذه المرحلة، وكلمة إرحل التي رددها البعض جاءت على استحياء كوسيلة ضغط للاستجابة للمطالب الأخرى ومنها إلغاء الإعلان الدستوري وقد فعل. ولم يكن هناك إصرار على رحيله. أما أنه لن يرحل إلا ومعه آلاف الشهداء، فإني أذكر القارئ العزيز بأنه 'إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار'. 'وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما'. والشهادة يجب أن تكون في موضعها وليس في هلاك الشعب نتيجة أي خلاف سياسي يمكن حله بشيء من العقل لا إهدار الدماء. اما القارئ الذي أراد مني الاشارة إلى بعض المواد التي جانبها الصواب في الدستور، فيسرني أن أشير إلى أول سطر في الديباجة الذي قرر أن 'الدستور هو وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير'. هذا ليس بصحيح، ولم تجتمع الجمعية التأسيسية لوضع وثيقة 25 يناير التي يجب أن يضعها ويتفق عليها في ظني كل الثوار وأهالي الشهداء. أضف إلى ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن المادة الثانية كانت كافية في نصها على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ولكن إضافة المادة 219 كاملاً، أثارت وستثير خلافاً في تفسيرها وخصوصاً من جانب المتشددين حيث تقول:'أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة'. وأزعم أن الخلاف بين علماء الأصول والفقهاء واسع حول محتوى تلك الفقرة. أما المادة الثامنة فتقول'تكفل الدولة وسائل تحقيق العدل والمساواة والحرية' وهذا النص يشير إلى 'وسائل' وليس إلى القيم ذاتها. وقد لا تحقق الوسائل المتخذة تلك القيم العظيمة. هذا على سبيل المثال لا الحصر. أما المادة (20) فتقول: 'تلتزم الدولة بحماية شواطئها وبحارها وممراتها المائية وبحيراتها وصيانة الآثار والمحميات الطبيعية وإزالة ما يقع عليها من تعديات'. وأنا أقول أين حماية الحدود الكاملة لمصر؟. أما التعليق الثالث من الدكتور عامر شطا-فهو يشير إلى خلاف التوقيت وليس على المحتوى، وربما كان هذا صحيحاً قبل إلغاء الإعلان الدستوري. كما أن الأمور السياسية تحتاج إلى إيضاح سريع، حفاظاً على جميع القيم وخصوصاً الحريات. أما التعليق الرابع، فأوجب على شخصي الضعيف' أن أرجح بين مصلحة الإعلان الدستوري وإن كان خطأ، وبين مفسدة إسقاط رأس الحكم. والحقيقة أنه لم يكن هناك أحد يطالب حقيقة بإسقاط رأس الحكم وإن تردد شعار 'إرحل' في بعض الأماكن. كل الذي كان مطلوباً إلغاء الإعلان الدستوري لما فيه من فساد، حتى إن المستشار محمود مكي نائب الرئيس قال: إنه لم يعلم بهذا الإعلان الدستوري إلا من الإعلام عندما سافر إلى مؤتمر في باكستان. كما استقال بعض المستشارين لنفس السبب. فمن الذي أعد الإعلان الدستوري المعيب؟. أما التلويح بالجنة والنار إشارة إلى من يقول 'نعم' أو 'لا' فهو تجن واضح على حرية الرأي حيث أن أصحاب التصويت في الاستفتاء يرون أن 'نعم' وأن 'لا' كلاهما تصب في مصلحة الوطن ذاتها. وسأترك للقارئ العزيز أن يعلق على تعليق القارئ الذي يرى أن المحكمة الدستورية في مصر عديمة الشرف وعديمة الوطنية وأن قضاة إسرائيل أشرف وأنزه من هؤلاء، وأن مرسي خائن خيانة عظمى يستحق معها الإعدام إذا لم يحل هذه المحكمة. نحن بحاجة إلى استخدام العقل استخداماً أفضل، وأن نبتعد عن التعصب الأعمى. وشكراً للرئاسة التي ألغت الإعلان الدستوري، ولو انها أجلت الاستفتاء ثلاثة أشهر على الأقل، وقام حوار وطني جاد حول مواد الإعلان الدستوري بالتفصيل، لكان أفضل وأجدى ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه. وأنا أقول ما تعلمناه وعلمناه: إن الله يحب إذا عمل احدكم عملاً ان يتقنه ويقول الشاعر: ولم أر في عيوب الناس عيباً *** كنقص القادرين على التمام وسيأتي اليوم الذي يلتحم فيه المجتمع مرة أخرى، وتعدل الأجيال القادمة الدستور مراراً وتكراراً. ' كاتب مصري