سيكون العالم قريباً جدًا على موعد مع "الملاحة الرقمية". فمشروع (مونين) الذي يعكف فريق ألماني - أوروبي على تطويره، سينتج بواخر لا تحتاج قبطانًا أو طاقمًا لتسييرها، إذ أنّ الأقمار الصناعية والمشغل الآلي عن بعد، ستحل محلّ الجميع. ماجد الخطيب: تبدأ متاعب روبرت ردفورد، في فيلمه الأخير "All is lost"، حينما يرتطم زورقه، وهو نائم، بحاوية ضخمة تعود إلى باخرة غارقة. لكنّ العلماء الألمانيين العاملين على مشروع أول باخرة "غير مأهولة" يؤكدون استبعاد حصول مثل هذه الحادثة مع بواخر النقل المستقبلية التي ستمخر عباب البحار دون قبطان أو طاقم بحارة. وهكذا، بعد الطائرات غير المأهولة، والسيارات العاملة بالتحكم عن بعد، جاء دور البواخر غير المأهولة لتحقق الثورة في عالم النقل البحري المستقبلي بلا طواقم عمل. لتعويض النقص يقول مسؤول المشروع هانز كريستوفر برومايستر إن المشروع يرمي إلى تعويض النقص الفاضح في عدد العاملين في النقل البحري، سواء من القباطنة أو البحارة، وفقدان النقل البحري لجاذبيته في العقود الأخيرة. ويرمي المشروع بالتأكيد إلى "أتمتة" النقل البحري، وتحسين إجراءات الصيانة ضد الغرق والحرائق، وتقليل استهلاك الوقود، وتوجيه دفة البواخر على المسالك البحرية البيئية. ذاتية الحركة ولاشك أن "الأتمتة" دخلت كابينات قيادة البواخر الحديثة بقوة في العقود الأخيرة، إلا أن الكثير من أنظمة الأمن والصيانة ما زالت قاصرة، ويمكن لمشروع"الباخرة ذاتية الحركة"، أن يسهم في تطوير الرقابة على حركة الملاحة البحرية. ولذلك يعمل فريق العمل، من "معهد فراونهوفر الألماني للأنظمة اللوجستية والخدمات" في هامبورغ، بالتعاون مع علماء من 5 بلدان أوروبية على تطوير برنامج "محاكاة" قادر على تحريك البواخر على خريطة إلكترونية عبر محيطات وبحار العالم دون الحاجة إلى قبطان أو طواقم عمل. التحكم عبر الأقمار الصناعية تبدو طريقة تحريك البواخر على الخرائط الإلكترونية بسيطة، باستخدام التحكم عن بعد عبر الاقمار الصناعية وأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار، إلا ان "الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن"، وبما هو أكبر من أن يتوقعه السندباد البحري نفسه. ويتمكن بورمايستر وفريق عمله الآن، باستخدام نظام التحكم عن بعد بالبواخر عبر الاقمار الصناعية، من تحريك سفينة طولها 220 متراً، وبسرعة 12 عقدة بحرية قرب سواحل الهند من موقعهم في غرفة التحكم في هامبورغ. تساعدهم في ذلك أنظمة من كاميرات الاشعة فوق الحمراء، وأنظمة الاستشعار المختلفة، لتوجيه البواخر بين الخلجان وبين الصخور وبعيداً عن مسارات البواخر الكبيرة الأخرى. هذا فضلاً عن أنظمة تحديد السرعة والتحكم بها، وأجهزة قياس الأعماق، ورادارات رصد الأنواء الجوية، وهي أنظمة يمكن للإنسان التحكم بها عن بعد عبر الأقمار الصناعية. وهناك أيضاً أجهزة استشعار تحذر الباخرة من الإرتطام بالأجسام الطافية، التي تظهر فجأة في البحار نتيجة غرق بواخر أخرى كمثل، وتطلق جهاز التحذير في هامبورغ. "المشغِّل" محلّ القبطان اطلقوا على المشروع اسم "مونين MUNIN"، أو الباخرة ذاتية الحركة، وصار القبطان في هذا المشروع يحمل اسم"المشغل"، لأنه عبارة عن شخص واحد يراقب أنظمة عمل الباخرة الآلية الحركة على الكومبيوتر وتدخل متى ما استجدت الحاجة لتدخله. فيمكنه مثلاً، تغيير السرعة، أو حرف الباخرة عن مسارها تجنباً لتصادم محتمل بباخرة أخرى، أو توجيه الباخرة إلى أقرب ميناء. عدا ذلك، هناك نظام متكامل من الكاميرات الدقيقة التي تراقب غرفة المكائن، وتراقب الرادارات وترصد الطوارئ. وعلى هذا الأساس، يمكن لجهاز الانذار من الحرائق أن يطلق غاز ثاني أوكسيد الكربون في الحال لإطفاء حريق قد يندلع في قمرة ما. وربما يتطلب الأمر تدخل "المشغّل" لكي يسرب الماء من فتحات معينة لاخماد النيران. التطبيق العملي في 2015 بدأ العمل في مشروع "مونين" عام 2012 بدعم من وزارة النقل الألمانية والاتحاد الأوروبي، وينتظر أن ينتقل فريق العمل من "المحاكاة" إلى تطبيق طريقة التحكم عن بعد في البواخر الحقيقية في فترة ما من عام 2015. ويمكن البدء، بحسب تصور بورمايستر، بباخرة صغيرة لنقل البضائع يجري تحريكها من ميناء هابورغ باتجاه أفريقيا وآسيا. ويبقى أمام فريق العمل الكثير مما يفعلونه للتغلب على الصعاب التي تواجه المشروع. ويخطط رئيس المشروع للتغلب على صعوبات الابحار والرسو التي تواجه المشروع حتى الآن، خلال الفترة المتبقية من عام 2014. ويتصور بورمايستر أن تتم عمليتا الابحار والرسو في البداية باستخدام طواقم مصغرة، تتولى قيادة الباخرة من الميناء وإليه، حتى البحر، ثم تعود أدراجها في زورق صغير أو بواسطة الهيليكوبتر إلى اليابسة. ومن الواضح أن الباخرة ذاتية الحركة ستكون بحاجة إلى خرائط آلية لكل ميناء كي تتمكن لاحقاً من تنفيذ عمليتي الابحار والرسو بطريقة التحكم عن بعد. ووزع معهد فراونهوفر للأنظمة اللوجستية والخدمات تقريراً صحافياً يقول فيه إن ما حققه حتى الآن على صعيد أتمتة قيادة الباخرة يمكن استخدامه في غرفة قيادة أي باخرة منذ الآن. وهي تقنيات حديثة يمكن أن تطور الملاحة الرقمية، ولا يحتكر المعهد تطويرها لمصلحة مشروع "مونين" فقط. ايلاف