شعر: جان دوست ترجمه عن الكردية: محمد نور الحسيني ماذا ستفعلُ إذا كانت سماؤكَ مناجلَ وإذا كان عُمرك زرعاً لا أحدَ يرعاه؟ ماذا ستفعلُ حينَ الرماحُ تكونُ قد صدِئتْ وسمّرتْ لسانكَ؟ أيُّها المهاجرُ جاء الليلُ حافياً إلى عتبة داركَ وسرقَ مداسكَ ولم تنتبهْ الثلجُ النّمامُ سلبَ آفاقكَ ولم تنتبهْ الريحُ العاريةُ مثلَ حَبْلٍ الريحُ المهاجرةُ مثلَ روحكَ خَنَقتْ إشراقاتِ فجركَ الرضيعة ولم تنتبهْ . الأنهارُ السفيهةُ الحمقى، أفردتْ أسراركَ لشجر الحور كبُسُط عجمية . ولم تنتبهْ . في إثرِ مسيركَ، فوقَ الثلجِ العجوزِ رعتْ الزرازيرُ ولم تنتبهْ . أجلْ أيُّها المهاجرُ ألمْ أنبِّهكَ: ألاَّ ترسلَ الخِرافَ إلى البرّية الخَؤُونةِ لأنّ العَجاجَ سيخطِفُها؟ ألمْ أنصحكَ: بأن تزرعَ النعناعَ البريَّ حول مصيفكَ كي لاتسرقَ الأفاعي بيوضَ الحجل؟ أَلمْ أحذّرْكَ: من مداهماتِ قُطّاع الطرقِ فتنتبهَ لعواميد خيمتك؟ دارِ جراحَكَ وأخفِها!! كنتَ تمعِنُ في الرحيل بأذنيك المشمّعتين مثل قصبِ الجِنِّ صوتي الذي مثل زنّار كان يلتفُّ حول خاصرةِ جبالك المتباهية، كان يضيع سُدىً يتناثرُ في الفَلاة بين كِسفِ السرابِ، كان يبحثُ عن جميلته من أخبركَ أنَّ السرابَ جوابُ الأسئلة المهاجرة؟! *** أجلْ أيُّها المهاجرُ النجومُ التي لاعهدَ لها كانت تشي بأحلامكَ إلى الوحوش، أما كنتَ تسمعُ، كانت تقهقهُ، ساخرةً من غليونكَ الخالي من التبغ؟! رغم ندائي المتطاول والمتكرر : أيها المهاجرررر لاترحلْ بعيداً، سيسرقون عِمامتك سيخطفون قصعتك التي لاتمتلئ . ومع ذلك كنتَ تهرعُ إلى لقاء جميلتكَ . حبُّها المخادعُ كان يحثكَ ومن الصقور الكامنة في خَطوِكَ كانت تتطايرُ أسرابُ الحجل تحوِّمُ في إثرِك الذئابُ . أما كنت تدري أنَّ رائحتك تفوحُ من الثلج المهرِّج؟ ألم أنصحك ألا تصغي إلى اللغو والثرثرات لاتثقْ بالثلج لكنَّك لم تعرني انتباهاً فصرت تمعنُ في النأي والرحيل كان صوتي يفرقعُ في رماد صَمَمِكَ مثل حباتِ البلوط كان يقتفيكَ متمادياً مثلما غبارُ صيفٍ في سهلٍ ما ومع هذا لم تلتفتْ إليَّ . أتتذكرُ أتتذكّرُ لمّا كنّا نغلي القهوة على نار ورق شجرِ الخريف؟ أتتذكّرُ حين أحرقنا ثلاث علبٍ من التبغ تحت وهج الكلام؟ حينها كانت أرواحُنا أيضاً تحترقُ لكنْ من يلتفتُ إلى الأرواح؟ ومن غيري وغيرك يعرفُ مذاقَ الاحتراق؟ أتتذكّرُ كيف كنّا نغسلُ وجوهَ الصباحاتِ بدمعنا وكنّا نهدهدُها في كاساتنا الفارغة وقتها قلتُ لك: لاتنأى كثيراً أيُّها المهاجرُ لأنهم سيساومون على زيّك الجميل وقيافتك البهية سيفقدونك روحك البدوية لكنَّكَ نأيتَ وحدكَ نأيتَ مثل شجر الأمنيات . وكآهةٍ أخيرة لمنْ عَشِق محبوبة مستبدة كنتَ تنأى بخطواتٍ متلجلجة ونظراتٍ بلهاءَ مثلما نهر ناعس، كانت خطواتكَ تتدحرجُ كان مسيرك يرضع باكراً الموتَ . و كانت خطواتك تذبلُ مثل عناقيد كرم مهجورٍ صوتي لم يكن يصلُ إليكَ كأنّما حنجرتي كانت قد سُدَّت بالشمع . أجلْ أيُّها المهاجرُ لقد خلّفتَ المصيفَ وراءكَ بما فيه من القِرَب التي تخشخشُ مثل قلبكَ بالنار التي غدتْ رماداً في الأزقّة وبالخيام المنتظِرة كانت المصايفُ ترجفُ كالرقى والتعاويذ على أكتاف الجبال . لكن من يتجرأ على تلاوة التعاويذ هذه الليلة؟! لقد بَلِي صوتي مثلما نصلٌ صدىءٌ في الثلج ومع ذلك لم ترجعْ أجلْ أيُّها المهاجرُ لم ترجعْ!!؟ جان دوست: شاعر وكاتب كردي من سوريا له العديد من الأعمال ما بين ترجمة وشعر ورواية يقيم حالياً في ألمانيا .