تتميز الفنانة الفلسطينية سامية حلبي، بخطها التجريدي الذي ارتأته أسلوبها بالرسم منذ البدايات، إذ ترى أنه وبالعودة إلى تاريخ الفن، أن التجريد هو مستقبل اللوحة، لا تلجأ حلبي إلى المباشرة في لوحاتها أو التعبير عن القضايا والهموم البشرية بأسلوب تصويري، ولكنها ترفض الأعمال السياسية المحايدة، إذ أكدت في هذا الحديث ل«الإمارات اليوم»، على هامش زيارتها أخيراً دبي، ان الفنان حين يختار العمل السياسي فعليه أن يعبر بشكل واضح عن مواقفه، في حين أكدت ان الإنسان موجود في الشعر أكثر من اللوحة. سيرة لونية ولدت الفنانة سامية حلبي في فلسطين عام 1936، وتعد من رواد الحركة التجريدية المعاصرة. انتقلت للعيش في أميركا عام 1951. قدمت أعمالها في الكثير من دول العالم، وقد اقتنيت لوحاتها من قبل مجموعة من المتاحف، ومنها جوجنهايم (نيويورك وأبوظبي)، والمتحف الوطني للفنون في واشنطن، ومعهد الفن في شيكاغو، والمتحف البريطاني. أبعاد ثلاثية في بداية الألفين، بدأت أعمال حلبي تتحرر من الأبعاد الثنائية، لتتجه نحو الأبعاد الثلاثية. تخرج الأعمال التي تنفذها حرة وقادرة على أن تسير في اتجاهات مختلفة، فتجمع الكانفاس الملون على طريقة الكولاج وتعيد بناءه لتمنحه رؤية مغايرة. قضية تركت الفنانة الفلسطينية حيزاً خاصاً للقضية الفلسطينية خارج نطاق اللوحة، فالتشكيل الذي يشكل عملية بحث مستمر بالنسبة إليها، لا يصلح لأن يكون منصة تعبير سياسية. لذا اختارت الفنانة التي تزور بلدها بشكل سنوي الملصقات واللافتات لتعبر عن القضية، وتدافع عن فكرها السياسي، وانتهاك الأرض الفلسطينية. وقالت حلبي، «بدأت في أولى مراحل حياتي استخدم الأشكال الهندسية كالدوائر والمكعبات، وبعدها بدأت أرسم على ورق الحساب، ثم اهتممت أكثر بالخطوط الأسطوانية». وأضافت «زرت قبة الصخرة في القدس، وهناك رأيت الزخرفة، التي شخصياً أسميها الفن الإسلامي، وقد أثرت فيّ كثيراً، ثم رسمت الطبيعة، ثم أصبحت تجريدية». وأكدت حلبي أنها تأثرت بتجربة بعض الفنانين الذين تركوا حدود اللوحات حرة، بينما تؤكد أن الرسم يجب أن يكون بحثاً عن لغة التشكيل، والتجريد هو الأهم في الفن تاريخياً. ورأت حلبي أن «النقاد الذين تحدثوا عن التجريد في الستينات والسبعينات في أميركا تناولوه بأسلوب مغلوط، فقد منحوا التجريد وجهة نظر تبرزه، كأنه اختراع من عقل الإنسان وليس كونه ناتجاً من الطبيعة التي تعتبر أصول الفن، موضحة أنه لا يمكن أن يكون لدى الفنان أي اختراع إلا وله وجود في العالم». ولفتت إلى ان الناس تعلموا قول لا أفهم التجريد، ولاسيما في المجتمع العربي، فالناس يملكون القدرة على الحديث عن الكثير من الأمور كالسجاد والألوان والأثاث، فهم يتحدثون كما لو أنهم يفهمون التجريد، لكن حين يتحول الأمر الى اللوحة نجدهم يقولون لا أفهم هذه اللوحة. وشددت على أن المشكلة الأساسية هي انهم يعتقدون أن هناك من يعرف أكثر منهم، ويخافون قول رأيهم، لكنها تعجب بالكلمات التي تقال عن التجريد من قبل الذين لا يملكون التعليم الفني، فهم يرون أشياء جميلة جداً في التجريد. تعيش حلبي، الفلسطينية الأصل في أميركا، وقالت «أنا فلسطينية وأكره إسرائيل، وبالطبع من اجل فلسطين أقدم بعض الأعمال السياسية الواضحة جداً، ولدي نقد فظيع لما يقدمه البعض من لغة سياسية غير واضحة في اللوحة، فلا يفهم المتلقي الى أي طرف تميل اللوحة». ورأت أن اللوحة السياسية يجب أن تكون مباشرة في التوجه، مشيرة الى أنها قدمت مواقفها السياسية في أعمالها من اللافتات والملصقات، وهي موجودة في الموقع الخاص بها، الى جانب لوحة عن مجزرة كفرقاسم، وهي تعتبر من الأعمال التي تدخل إطار التوثيق التاريخي كي لا تنسى ماذا حدث. ولفتت إلى ان هذا النوع من الأعمال يحمل رسالة من خلال العمل، ولاسيما انها تعتبر توثيقاً لإحساس الناس، فهو يقوم على وجع الناس، ولاسيما الذي لا يزول عبر الأيام، فهذه المجازر التي سجلها التاريخ نظراً لضخامة بشاعتها، ولا يمكن ان يمحى وجعها بسهولة. ولفتت الى أنها الى جانب هذه الأعمال السياسية قدمت شجرة الزيتون لأنها تمثل الاقتصاد الفلسطيني، الذين يحاولون قطعه وتخريبه، فالرموز الفلسطينية كانت بلاشك واضحة في أعمالها وكذلك سياستها. أما الفن المعاصر والحديث في الجيل الجديد، فقد تحدثت عنه على مستويين أولاً من خلال المقتنين، حيث أشارت الى أن المقتنين في الفن لديهم أموال كثيرة، ويبحثون عن استثمار، لذا هناك جزء صغير من الاستثمار يتجه للفن، وقد صعد الفن الصيني، ثم أتى دور الهند، واليوم دور العرب. ورأت ان مستقبل اللوحة هو التجريد، وهذا تاريخياً معروف، ولكن في الوقت الراهن هناك الكثير من الاهتمام بالتركيب والفيديو آرت، والناقد اليوم يمزج بين الفنين كأنهما واحد، علماً أن لغة كل منهما مختلفة. ولفتت حلبي إلى ان الإنسان يعني كل شيء في عملها، وان غاب عن اللوحة بشكل مباشر، فهو موجود بأسلوب خفي، والإنسان قد يعني لي الكثير، ولكن لا أقدم على رسمه على هيئته، لكني أرى ان الإنسان موجود في الشعر اكثر من وجوده في اللوحة، لأن الكلمة لها رمز على طبقة اعلى من الرمز في اللوحة، وأعلى بمعنى أنها أقرب للوضوح، فالمنجد يوضح المعنى وليس القصد، فيصبح شديد الصراحة والوضوح من هذا المنحى». الامارات اليوم