ما إن يدخل الزائر «غاليري إيزابيل فان دين آيند»، حتى يشعر بأنه يعيش حالة خاصة تفصله عن العالم الخارجي وتدخله في عالم كونه الفنانون ركني ورامين حيرزاده، وهسام رحمانيان، حيث اجتمع الثلاثة ليقدموا معرضاً مشتركاً تحت عنوان «الجثة الرائعة ستشرب النخب الجديد». تبدأ الرحلة مع الأعمال من الأرض التي تحمل بذخ الإنتاج الفني، فتشكل الممر للأعمال المعلقة على الجدران، وهي التي تقود المتلقي في رحلته بين الغرف التي وزعت فيها الأعمال، من دون أن تحمل إشارات معينة. ولعل أبرز ما يميز المعرض هو الغرابة في الجمع بين أعمال متعددة، بينما تعد السمة الأبرز لأعمال الفنانين الثلاثة، وفي سلسلة أعمال يكتنفها الغموض المتعمد، لجعل الصالة الفنية عالماً فريداً ومكتظاً بالمواد. حسام رحمانيان يعيش الفنان حسام رحمانيان في دبي بعد أن نشأ في طهران وتنقل بين الهند وأميركا. درس الفنون والخط في طهران قبل أن ينتقل لدراسة فن التصميم في كاليفورنيا. ويصبح أكثر توجهاً للمادة والرسم. يعتمد على الذاكرة لجعل العمل الفني غنياً بالرسائل السياسية والاجتماعية. يتميز أسلوبه بالاعتماد على تصوير كائنات غير بشرية. رامين حيرزاده يقيم الفنان رامين حيرزاده في دبي، ويقوده العمل الفني إلى الكثير من الوسائط، إذ يستخدم التصوير والرسم والفيديو والكرتون، وغيرها ليتمكن من إيصال الفكرة من عمله الفني. يحمل نظرة ناقدة للمجتمع، ويحاول تقديمها من خلال العودة للتاريخ، لذا يقيم حواراً زمنيا في فنه. شارك في مجموعة من المعارض الجماعية في لندن والقدس وبرلين ونيويورك وإسطنبول وطهران والشرق الأوسط. وصدرت مجموعة من الكتب التي تروي تاريخه الفني. اقتنيت أعماله من مجموعة من المتاحف ومنها جوجنهايم في أبوظبي، والمتحف البريطاني، ومجموعة روبل. تبدأ الرحلة في المعرض، الذي يستمر حتى 18 من الشهر المقبل، مع الغرفة الأولى التي تحمل عند مدخلها صورة العائلة الحاكمة البريطانية مجتمعة في مناسبة عمادة الأمير جورج، حيث وضعت الصورة بشكل مصغر، لتكون الأساس لعمل جداري كبير جسد الشخصيات من دون رؤوس. هذا الاختزال للرؤوس سيطر على الأعمال في كل الغرف، حيث تكون الشخصيات مدمجة في أجسامها أو مختفية تماماً. اللوحات الكولاجية التي وضعت في الغرفة الأولى تطلق العنان للمادة في التجسيد الثلاثي الأبعاد، فيحتوي وعاء الخضار العنب المرسوم على اللوحة، بينما توضع الزهور في الحوض الخاص بها تحت الشرفة، ثم تأتي البطة لتكون جزءاً من الإطار الموضوع داخل اللوحة، ما جعل الإيقاع العام للأعمال غنياً بالمواد، فبدت مكتظة وغير واضحة بسبب الازدحام غير المترابط، فيتغلب الاندماج في التجربة الثلاثية على السرد في الأعمال. يحاول الفنانون الثلاثة تقديم نظرة جديدة في الكولاج، تأخذ المادة إلى حدود تجعل العمل يبدو هزلياً وغير جاد في بعض الأحيان، لكن مع محاولة تضمين رسالة خفية من كل عمل. يبتعدون عن التكثيف في العمل الفني، فتبدو كأنها حالة من الثرثرة والضوضاء الكبيرة، لكنها رغم ذلك تنجح في جعل المتلقي مندمجاً فيها إلى أقصى الحدود، لمحاولة فك رموزها ومعرفة ماهيتها. الكولاج الذي يقوم على الصور والصحف والمواد المختلفة يغني المشهد العام أمام المتلقي، فلا يعرف كيف يجب أن يتابع الجولة. هذا النوع من الأعمال يحول الصالة الفنية من مكان لعرض الأعمال وجدران بيضاء فارغة إلى عالم خاص قد يحتوي على أبسط وأغرب الأشياء، فلا عجب أن تجد مقصات، ومكانس، وتحفاً فنية وتلفزيوناً. يحمل كل ركن في المعرض نوعاً من الاستقلالية، ففي الغرفة الثانية، تجد نفسك أمام عمل تصويري يقدم حالة الزواج الملكي بأسلوب كوميدي وساخر، بينما بالقرب من الشاشة الموضوعة على الحائط، هناك تحف وأثريات، وتذكارات، ثم ننتقل إلى الصور والأجساد المتمثلة في الكراسي الخشبية بصورة ساخرة. إلى جانب هذه الأعمال يستلهم الفنانون من التاريخ، فنجد الأعمال التي ترتبط بالتاريخ حيث أخذت من «الرسالة» التي كتبت عبر مجموعة من النصوص التي تظهر العلاقات الاجتماعية آنذاك، وتبرز دور كل من الرجل والمرأة، إلى جانب التقاليد والعادات الاجتماعية التي تحكم العلاقات الإنسانية والأحكام القضائية. اللوحات جمعت بين الرسم الكاريكاتوري، والنصوص التي كتبت بالعربية والفارسية، ولكنها تحتمل الكثير من الحكم إلى جانب السخرية. حافظ كل من الفنانين الثلاثة على أسلوبه في العمل الفني، حيث كان المعرض جمعاً لأعمالهم السابقة، وليس تعاوناً في التنفيذ باستثناء الأعمال الأدائية التي عرضت بالفيديو، والتي جمعتهم في أكثر من تصوير. يعد المعرض حالة خاصة من العمل الذي لا يفصل الفن عن الحياة، فالحياة الجزء الأساسي والملهم، تتحول مجموعة المشاهد التي يتلقونها من البيئة والمحيط، وكذلك المواقف إلى أسئلة مؤرقة تقود الإنتاج الفني والصورة النهائية للعمل. ركني حيرزاده ولد الفنان ركني حيرزاده في ايران، وتتميز أعماله الفنية بكونها تقوم على رسم مشاهد حياتية، منها الزواج والثورات والجرائم. قدم مجموعة من الأعمال الفنية في معارض عالمية، وكان من بينها مشاركات في الشرق الأوسط وبرلين. ولعل أبرز ما يميز أعماله هو تحويل المساحة في المعرض من مكان خاص بالعرض إلى مساحة عالم خاص، وكان المعرض الذي جمع الفنانين الثلاثة بمثابة الرد على المعرض الجماعي الذي جمعه بالفنانين أنفسهم، والذي أقيم في الغاليري نفسه عام 2012. الامارات اليوم