يصفون لندن بمدينة الضباب، وكأنهم يوحون بذلك إلى أنها مدينة الأحلام العالقة ما بين الغيوم والدهشة .. مدينة الحلم التي تصطاد سائحيها، فتبهرهم بما تقدمه إليهم من مظاهر الرقي، والتحضر، والانفتاح في شتى الميادين من القصور والجامعات والمعاهد والمتاحف والمسارح، إلى المنظمات الدولية والشركات العالمية التي اتخذت منها مقراً لها. مدينة تغدو الحلم للعديد من الطلاب على مقاعد الجامعة، يرسلهم أهلوهم إليها دون أن يفكروا أن الشر يمكنه أن يصيبهم. مثل هذه المدينة التي تتمتع بجهاز شرطة سكوتلاند يارد القوي المتيقظ الذي ملأت شهرته الآفاق يبعث على الاطمئنان، والاستعداد للإقامة الوادعة الآمنة في رحابها. ولكن يبدو أن سمة الضباب لم تكن استعارة لحقت بالمدينة تجعل منها أرجوحة للشعر، ولا لأن التسمية تعزى إلى الجو الطبيعي الذي تتمتع به لندن، رغم أن ذلك لا ينفى، وإنما يستطاع رده إلى شيء مغاير تماماً أثبتته الحادثتان الأخيرتان المؤلمتان اللتان حصلتا لبعض من مواطني دولة الإمارات الذين ذهب بعضهم للتسوق كعادة أهل الخليج في إجازاتهم، وللعلاج كما كان هدف العائلة الإماراتية الثانية، وما تعرضوا إليه من الاعتداء الهمجي الغريب الذي كاد أن يودي بحياتهم دون رحمة أو شفقة من قبل بعض المهووسين بالسرقة أو بالقتل أو بالانتقام، وهو أمر يستهجن تأخير الكشف عن أسبابه سيما وأن الأمر يتعلق بأرواح بريئة، وبجهاز شرطة عالي الكفاءة لدولة يتمتع مواطنوها في دولة الإمارات بكل احترام وتقدير. ربما غيرت ساعة بيج بن معلم لندن الشهير دقاتها ولا من ملاحظ، فراحت تتذمر بما تراه، وخفي عن المسؤولين في جهاز شرطة لندن عبث المجرمين في المدينة، ولين جهاز الأمن فيها وغفلة القيمين عليه، مما كرس تلك الفظائع التي لحقت بمواطني دولة الإماراتيين الآمنين، والتي قد تكون حصلت لغيرهم أيضاً ممن لم يكتشفوا، أو يشتكوا بعد، لأنهم لم يؤتوا قيادات حكيمة رشيدة تجعل من التواصل بين الشعب وحكومته جسراً ممهداً لبث الشكوى والتفاعل السريع معها، حتى حين يكونون خارج البلاد. زائر مدينة الضباب سيتوقع أن يكون الضحية ما بين المطرقة والسندان، وبدلاً من أن يحزم حقائب الاستجمام للممتعة عليه أن يتسلح برشاش أو بمسدس، أو على الأقل بسلاح أبيض، لا بل عليه أن يجري دورة تدريبية في أهم فنون القتال في الدفاع عن النفس ضد المجرمين الذين لا يعرف من أين سينبتون في الحديقة أو الشارع أو غرفة الفندق. اعتداءان في أقل من شهر يرصدان خللاً كبيراً وضعفاً وهشاشة تفكير في الاهتمام بأرواح الناس لا سيما في عاصمة مقصودة كلندن. على الطرف المقابل تتربع دبي شاطئ السلام بذراعيها المفتوحتين لأي غريب وقريب مهما كان هدفه، أقادم للاستمتاع بشمسها، أم قادم في رحلة عمل؟ .. لم يسمع عن غريب تعرض للأذى إلا ونال حسابه سريعاً، وكانت له العين الراصدة بالمرصاد. موقفان متناقضان بين دولة توسم بعراقتها، وبقدمها يرتع فيها المجرمون بسخرية من الأنظمة والقوانين، وبين دولة حديثة العهد أول غاياتها إرساء الأمان لإنسانها تستطيع بجدارة أمنية أن تودع السجن مجرمين فارين من عاصمة الضباب قبل أن يسدل النهار ستائر ضيائه حرصاً منها على أمان أهلها والمقيمين في ربوعها، بمن فيهم البريطانيون أيضاً. في كل هذا ألا تستحق لندن أن تدعى مدينة القش، وأن تدعى دبي مدينة القمم؟ The post مدينة القش appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية