المخرجة السعودية هيفاء المنصور تخرج أول فيلم سينمائي طويل بعنوان "وجدة" الذي اعتبرته ثمرة صبر طويل وبداية لثقافة جديدة في السينما الخليجية والسعودية بشكل خاص، ولاقى الفيلم ترحيباً كبيراً في الساحة السينمائية لكونه أول فيلم سعودي صور في داخل السعودية بخاصة أنها تتسم بطابع اجتماعي ولها خصوصية. لم يكن التحضير للفيلم ولا الانتهاء منه أمر سهلاً بل هو معاناة ورحلة طويلة كما تقول المخرجة فالفرق شاسع وكبير ما بين إخراج الأفلام القصيرة وبين الطويلة من ناحية الإعداد والإنتاج والتصوير وقالت: رسالة الكترونية هي من صنعت فيلم "وجدة" عندما أرسلته إلى شركة ألمانية رغبة في الحصول على دعم لهذا الفيلم وتبنيه سينمائياً وبعد فترة ليست بالقصيرة حصلت على الموافقة وتم الاتفاق مع شركة روتانا لإنتاج الأفلام على دعم الفيلم أيضاً عندها فقط تيقنت النجاح لهذا الفيلم الذي استغرق وقتاً طويلاً لبناء دعائمه الفكرية والسينمائية والمادية، واعتبر "وجدة" رحلة صعبة جداً وطويلة تعلمت كيف أمسك أدواتي السينمائية وأطورها من خلاله لأنه أول فيلم روائي طويل وسعودي، صور في إحدى ضواحي مدينة الرياض . وفيه أحببت أن تكون ملامح طفولتي حاضرة لكنه لا يحكي عني شخصياً ولا عن مواقف شخصية في حياتي إنما هي صورة اختلطت فيها عدة عناصر حول حياة المرأة السعودية وواقعها البسيط من ضغوط أسرية ومادية وشكل العادات والتقاليد الموجودة في هذا المجتمع المحافظ الذي أنتمي إليه، كما ميزت علاقة الأم بابنتها ومشاعرهما النقية التي لا يمكن أن تشبه أي مشاعر أخرى، فالحب والحنان والأمل مشاعر غلفت أم وجدة وهي الفنانة السعودية ريم عبد العزيز التي أبدعت في أدائها المقنع ومسؤوليتها تجاه زوجها الذي يحملها موضع عدم إنجاب الولد ويتزوج عليها، وزواجه يحولها إلى أم حنونة أكثر وعاطفية أكثر ويقربها من ابنتها "وجدة" المشاكسة التي تحب مخالفة المجتمع بتفكيرها الذي لا يتعدى حدود الطفولة وروح المغامرة. لكل مخرج ومؤلف رؤيته الخاصة تجاه فيلمه وما تميزت به المخرجة "هيفاء المنصور" هو دمج ملامح حياتها الشخصية في السعودية ونشأتها في هذا المجتمع بعاداته وتقاليده المحافظة وبين حقوق المرأة بالانفتاح الطبيعي والتمازج مع المجتمع الذي كما يسير فيه الرجل هي تسير أيضاً معه، وتضيف عن ذكرياتها ومصدر إلهام الفيلم: عندما أرجع بذاكراتي إلى طفولتي ونشأتي أسترجع بوادر الحلم، عندما كان أبي يحاول إرضاء إخوتي وأخواتي ويجلب لنا أفلاماً كهدية ثمينة، وكنت أشعر بقيمتها وأتفاعل مع الفيلم وتفاصيله إلى النهاية، ومع "وجدة" شعرت بأن حلمي تحقق في صناعة الأفلام السينمائية، حيث كتبت أول مسودة منذ 5 سنوات وطورت الفيلم بالتعاون مع مهرجان دبي السينمائي، ففي الخليج للأسف لا يوجد مكان خاص لدعم السينما ودفع صناعتها إلى الأمام، وكانت رحلة الفيلم جماعية لم أقم بها بمفردي، ويشكل مهرجان دبي السينمائي المكان الأبرز الذي شعرت بأنه سيحضن فيلم "وجدة" كأول فيلم سينمائي سعودي، وبالفعل كنت على صواب بمشاركتي في المهرجان لهذا العام، وأشكر إدارة المهرجان وكل من وقف معي وشجعني ليولد هذا الفيلم . تدور أحداث الفيلم حول الفتاة "وجدة" في الصف الرابع الابتدائي التي تعيش مع عائلتها في منزل بسيط تعيش وجدة عالمها الطفولي الخاص وأحلامها التي تتسلق النمط التقليدي وتكسر المألوف لشقاوتها وحبها للمغامرات التي كانت لا تكتمل إلا مع صديقها في الحي "عبدالله" هذا الفتى بالرغم من صغر سنه إلا أنه ذكي وصديق جيد لوجدة التي استوقفتها دراجته الصبيانية ولأنها فتاة شقية ولا تأبه بما يحيط بها كانت أمنيتها الحصول على دراجة مثل دراجة "عبدالله" والتسابق معه في طرقات الحي والتمتع بروح الطفولة، لكن ضيق حال والديها لم يساعدها على شراء الدراجة، وكانت كلما مرت من دكان الحي ونظرت إلى الدراجة الخضراء المخصصة للبيع اعتصر قلبها شوقاً لنيلها حتى إنها طلبت من البائع أن يحجزها باسمها لأنها على يقين أنه سيأتي اليوم الذي ستسطيع فيه أن تشتريها وتسابق صديقها "عبدالله" . ويلاحظ من أسلوب وملامح القصة محاولة المخرجة الابتعاد عن الإشارة المباشرة لواقع المرأة السعودية، فاستخدامها عنصر البساطة في محتوى الفيلم راكم خلفه تعقيدات كثيرة، أولها أن هذه الفتاة تحاول أن تمسك بمقبض الباب وتحاول فتحته بالكامل بغض النظر إذا كان الباب مصنوعاً من حديد أو من خشب، وهذا بالضبط ما كانت تحاول المخرجة تسليط الضوء عليه، محاولة المرأة السعودية شغل مكانة في المجتمع ومساحة تمكنها من المشاركة فيه من خلال "وجدة" الفتاة التي تحمل ملامحها الكثير من الآمال والطموحات ففي نظرة عينيها هدوء حالم وتمرد طفولي الذي تستخدمه في بعض المواقف التي تواجهها، مثل حياتها داخل المدرسة ومع الطالبات والمعلمات ومديرتها التي تستفزها جرأتها وخرقها للقوانين المدرسية، وباحتيال طفولي تمكنت وجدة في بعض المواقف ومن خلف ملامحها البريئة أن تقنع المديرة بأنها تغيرت وستكون مثال للفتاة الخلوقة والمنضبطة ولكن ما دفع وجدة لهذا التغيير هي مسابقة تحفيظ القرآن التي حددت لها جائزة مالية وهي المحرك الأول الذي دفعها إلى الانضمام علّها تكسب المبلغ وتحقق حلمها بشراء الدراجة الخضراء . ملمح العادات والتقاليد السعودية كان حاضراً في الفيلم لكن بصورة غير مباشرة، حيث أشارت المخرج إلى موضوع الزواج المبكر للفتيات في سن صغيرة وتأثيره النفسي فيالفتاة خاصة عندما تكون طالبة، مثل الموقف الذي ظهرت في مجموعة من الطالبات أثناء وجودهن في مسجد المدرسة للاستعداد لمسابقة تحفظ القرآن وتعالت أصواتهن فجأة حول الفتاة المتزوجة والتي أحضرتها صور زواجها معها وبدأت تعليقات الفيات تتعالى إلى أن حضرت المدرسة التي شاهدت الصور وكانت ملامح الخجل تكتسي وجهها . كشفت "هيفاء منصور" جانباً آخر من شخصية "وجدة" وهي المثابرة والإرادة والإصرار على تحقيق ما تريد، ومع أنها تظهر في بعض المشاهد متململة من المدرسة ولا تحبها لكن "الدراجة" خلقت منها شخص آخر فأصبحت تجتهد وتحفظ القرآن وتتعلم كل يوم بعد عودتها من المدرسة، ومع أن الموضوع كان شاقاً عليها إلا أن إصرارها جعلها تفوز بالجائزة لكن طفولتها خانتها وكسرت حلمها عندما سألتها المديرة ماذا ستفعلين بهذا المبلغ؟ قالت: سأشتري دراجة! وامتلأت القاعة بالضحك ولم تتوقف الطالبات في السخرية من إجابتها، وكررت المديرة سؤالها في محاولة إلى تغيير إجابتها لكنها ظلت مصرة على موقفها هذا ما أثار غضب المديرة التي سيطرت على الموقف وأخبرتها أنه من الخطأ التفكير بهذه الطريقة لأن الأولاد هم من يقودون الدراجة وليست الفتاة ومن تفعل هذا فهي غير مهذبة، وقررت بالنيابة عنها تخصيص المبلغ إلى جمعية خيرية في فلسطين، هنا وقفت المخرجة مع نظرة المجتمع وعيون الناس وأقاويلهم حول الطفلة الفتاة التي تكون قد خرقت العادات بمجرد حلمها بدراجة وذنبها الوحيد أنها طفلة من حقها المغامرة واللعب والتمتع بهذا العمر الطفولي . من يرى وجدة يرى شخصية لا تعرف الهزيمة وبالرغم من أنها لم تحصل على المكافأة والمبلغ الذي طالما حلمت به، إلا أن دموعها أمام والدها المنصرف عنها والمنشغل بزواجه الثاني توقفت عندما ضمها إلى صدره وقال لها أنا فخور بك لأنك حصلت على المركز الأول في المسابقة، فمع ملامح الحزن طغى الفرح على وجهها وطارت من الفرحة أكثر عندما تفاجأت من والدتها عندما أحضرت لها الدراجة الخضراء التي حلمت بها، ومع أن حلمها الطفولي تحقق إلا أن القلق والتأمل من زواج أبيها من أخرى سيطر عليها ولم يتبدد حزنها إلا عندما ضمتها أمها إليها مرددة أنها كل شيء في حياتها وبعد زواج أبيها لم يعد يهمها شيء بقدر أن تكون سعيدة، وهذه المشاعر الإنسانية ودفء الأحاسيس لونا المشهد الذي جمع وجدة مع أمها.