احتجاجات في تل أبيب تطالب بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى    ندوة ثقافية للجانب النسائي بدائرة التوجيه المعنوي بالمولد النبوي    الرئيس المشاط يعزّي البخيتي والمقباسي    هل وراء تغييرات مدرب الناشئين أيادٍ خفية؟    برعم ليفربول يحبط نيوكاسل بانتصار درامي قاتل    فضائح فساد المرتزقة: 2000 مسؤول يتقاضون ملايين الدولارات دون عمل    71 صاروخا و23 مسيّرة يمنية استهدفت عمق الكيان    شخصيات عسكرية وقضائية وقبلية في اب: الاحتفاء بالمولد النبوي يعزز الارتباط برسول الله    عاجل: مقتل الصندوق الأسود لتنظيم القاعدة في مارب    مستقبل التيار السلفي بالجنوب وعلاقته بالانتقالي والتحالف    مصر تعلن عن اكتشاف استثنائي وتاريخي تحت الماء    إنتر ميلان "يكرم" ضيفه تورينو بهزيمة ساحقة (فيديو)    أبرز مواصفات Galaxy Tab S10 Lite القادم من سامسونغ    أطعمة تمنع تكون الحصى في الكلى    سبتمبر: الثورة و التعليم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في غزة إلى أكثر من 62 ألف قتيل    أول ظهور لأنغام رفقة عائلتها بعد تعافيها وعودتها إلى مصر    خبير في الطقس: نشاط الكتل الرطبة المدارية سيستمر حتى نهاية الاسبوع والتوقعات قوية باستمرار التهاطل    "وزارة العمل" توقف تعامل منظمات المجتمع المدني مع شركات الصرافة    شبوة.. وفاة 8 أشخاص جراء تدفق السيول    المقالح: منع الاحتفالات الشعبية بالمناسبات الوطنية اعتراف بالبعد عن الشعب وتأكيد على القمع    أنشيلوتي يستبعد نجوم ريال مدريد من مُنتخب البرازيل    صحفي يكشف عن صرف ملايين الدولارات لمسؤولين في الخارج تحت بند "الإعاشة الشهرية"    منظمة أممية: السيول تسببت بدمار واسع في اليمن وحجة من أكثر المحافظات تضررا    يا مُسَلّي على خاطري..    البرلماني الثائر .. القاضي حاشد    عند فنار معاشيق خزّنا قاتنا والطرق مفتوحة بدون نكد فتاح وعنتر    الحكومة تقر تنفيذ مشروع الممر المائي في عدن وإنشاء مركز طوارئ لمواجهة الكوارث    نقابة تعليمية بتعز تحدد موعد الإضراب الشامل احتجاجا على تجاهل السلطات لمطالب المعلمين    الجيش الإسرائيلي: صاروخ برؤوس متعددة أُطلق من اليمن لأول مرة باتجاه إسرائيل    فليك فاز بجائزة مدرب العام بعد عام ثوري في برشلونة    انتر ميلان يحقق بداية مثالية في الدوري الايطالي    - اقرأ أول تصريح للمؤتمر في صنعاء يكشف فيه مصير أمينه العام غازي الأحول.. ولماذا لم يُصدر بيان إدانة وموعد الإفراج عنه.    الحديدة .. توزيع مساعدات طارئة ل300 أسرة متضررة من السيول في باجل    السقلدي: خطر التيارات السلفية يكمن في عسكرتها والمشروعان الديني والوطني لا يجتمعان في غمد واحد    اغلاق متحفين في العاصمة صنعاء    جامعة المحويت تحتفي بذكرى المولد النبوي    الصحة يعادل شباب المسراخ في بطولة بيسان    هيئة الأدوية تبدأ العمل بالتسعيرة الرسمية الجديدة لضبط الأسعار وضمان توفره    النفط يرتفع بشكل طفيف بعد توقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يستعرض خطة نزولاته بحضرموت مع قيادة الانتقالي    المحرّمي يطّلع على سير العمل في وزارة النقل وإنجازاتها وخططها المستقبلية    فضيحة الاستلام الوهمي لقطاع S2 عبث وزاري يهدد الثروة النفطية(وثائق)    -    علماء يحددون تمريناً رياضياً يحسّن النوم بشكل كبير    بدء التشغيل التجريبي للمحطة الشمسية الإماراتية في عتق    ثمن العشوائية    توزيع مواد إيوائية ل 731 أسرة نازحة في سنحان    وزارة الصحة الامريكية تؤكد أول إصابة بشرية بداء "الدودة الحلزونية    امرأة تعثر على لؤلؤة عمرها 100 مليون عام    العرب طوال تأريخهم لم يحكموا أنفسهم إلآ قرنين بعد الإسلام    14 شهيدا بينهم 4 صحفيين في قصف إسرائيلي على مجمع ناصر الطبي في غزة    ب 10 لاعبين.. يوفنتوس يقهر بارما    أستراليا.. أول عملية جراحية في العالم بمساعدة روبوتين    المرصد العربي لفض نزاعات الطيران المدني: الأطر الدولية وآليات التسوية    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (10)    زاوية صحية: التهاب الجهاز التنفسي (العلوي )    بشرى الخير وقطف الثمار.. مرحبا دخول ربيع الأنوار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن... اليد السفلى
نشر في الجنوب ميديا يوم 01 - 05 - 2014


الخميس 01 مايو 2014 09:08 صباحاً
في دردشة مع جين ماريوت سفيرة بريطانيا في اليمن، قالت لي ‘نحن نمد يد العون لليمن، ونحث أصدقاء اليمن على القيام بالشيء ذاته'، واستمعت لسعد العريفي مدير مكتب دول مجلس التعاون الخليجي في صنعاء يقول في ‘تشيرش هاوس′، ‘ستظل يدنا ممدودة لأشقائنا في اليمن بالمساعدة'، وسمعت أعضاء في الوفد اليمني يقولون ‘اليمن يحتاج...'. في الأخير من يساعد يستحق الشكر، لكني نظرت للمسألة من زاوية أخرى.
تصورت اليمن شيخاً مسناً يقعد على قارعة إحدى الطرقات، يمد يده للمارة، يطلب قوته، وقد أنهكه الجوع والتعب، تصورت اليمن عجوزاً مسنة على باب أحد المساجد في صنعاء، تمد يدها العجفاء المُعرقة، بعد أن تخلى عنها أبناؤها، وتقول ‘ساعدونا جزاكم الله خيرا'. تصورت يداً سفلى مرتعشة واهنة، ذليلة، سفعتها الشمس وترك الزمن عليها أثر عجلاته الرهيب. وتصورت يداً أخرى عليا ممتدة دسمة ناعمة تعطي، لكنها تظل بالنسبة لليد الأخرى في وضع أعلى، شعرت بالعار، طعمه مر في فمي ودمي، مرارة الذل في روح فارس قديم ألقته ظروفه السيئة في الأسر.
اليمن بالطبع هو اليد ‘السفلى'.. ليلتان وصورة اليد السفلى لم تفارق مخيلتي، رغم محاولاتي طرد الصورة من ذهني، ليلتان وعبارة السيدة ماريوت ‘نمد يد...' ترن في ذهني، كصوت قيم مسجد شرس يصرخ في متسول على عتبة باب المسجد، ‘انهض من هنا، أريد أن اغلق الباب، انتهى وقت الصلاة'.
كريه منظر اليد السفلى، كريه هو العنوان أعلاه، مثل صخرة مربوطة إلى صدر غريق، أو مثل يد غليظة تمتد من أعلى لتعطي بشي من المن والأذى.
كنت في لندن أثناء انعقاد مؤتمر أصدقاء اليمن، وسمعت من جعل مأساة اليمن مصدر رزقه، ممن يسمون خبراء دوليين، وسمعت من يتكلم عن المساعدات التي قدموها بريش منفوش، وسمعت مخلصين يتألمون لحال البلاد، وهم قلة.
قالت لي جين ماريوت، وقد حضرت ‘حفلة التسول' في لندن: ‘نحن نمد يد العون لليمن'، وأضافت ‘اليمن يحتاج دعم الجميع′، تصوروا كم هي كريهة كلمة ‘يحتاج'، ومرّة وغير مستساغة كبثرة ناتئة في خد صنعاء!
وكتب ديفيد مليباند وزير الخارجية البريطاني العمالي السابق، أنه ترأس اجتماعاً في لندن في يناير/كانون الثاني عام 2010 للبحث في الوضع اليمني. كان ذلك عقب اكتشاف القنبلة في سروال الشاب ‘الملهم' عمر الفاروق الذي كان ينوي تفجيرها فوق ديترويت. كتب مليباند في عدد الثلاثاء من ‘الإندبندنت' البريطانية: ‘بكل بساطة، لا يمكن إعادة الاستقرار إلى اليمن، في وقت لا يعلم أكثر من نصف سكانه من أين ستأتيهم وجبة الطعام القادمة'. تصوروا كم هو جارح مليباند هذا، وجارح أكثر لأنه يقول الحقيقة، وجارح أكثر لأنه أحرص على الجياع من ذويهم، حسبما يتبدى من قراءة مقاله. يواصل مليباند ‘إن أكثر من نصف سكان البلاد بحاجة للمعونة الإنسانية'. يعني ذلك ببساطة أننا غير قادرين على تلبية احتياجات 14.7 مليون يمني، يعني بكل وضوح وبإهانة للكرامة الوطنية، أن هناك 14.7 مليون يد سفلى في البلاد.
لماذا يد اليمن دائماً هي السفلى؟ لماذا عودتنا أنظمنتا السياسية المختلفة على طلب المساعدة ومد اليد؟ لماذا أصبح طلب المساعدة سياسة متبعة لدينا، لا فرق بين من يطلبها في إشارات مرور صنعاء، بصدر عار ووجه بائس، وآخرين يطلبونها في إشارات مرور لندن والرياض ونيويورك. كم أشعر بالتعاطف مع حال أي وفد يمني يأتي إلى مثل هذه المؤتمرات المسماة ‘أصدقاء اليمن'، مكلفون هم بالمجيء، ولا بد لهم من حضور ‘حفلة العشاء الخيري الدولي'، الذي نجمع فيه فتات ما يتساقط من مائدة اليد العليا الدسمة الناعمة، والذي لا يكفي 14.7 مليون يد تتضور جوعاً في البلدة التي وصفت يوماً بأنها ‘طيبة'.
كيف أهينت هذه البلدة التي يفخر العرب بانتسابهم إليها؟ وكيف أصبح اليمني يتسول لقمة عيشه من القريب والبعيد؟ كيف غاب عنا أن هذه المؤتمرات الدولية لن تنفع، وأن أموال المعونات تأتي بأجندات الدول التي تعطي المساعدات؟ كيف لم ندرك أن التسول كسر فينا الشعور بالاعتزاز الوطني، وأن الوقوف على أبواب المؤسسات الدولية أمر مهين لكرامتنا الوطنية؟ إنها مهزلة ينبغي أن تتوقف، مسرحية هزلية انفض عنها جمهورها لكثرة تكرارها على مسارح مختلفة، في الرياض ولندن ونيويورك وأبوظبي.
يجب أن نبدأ عهداً جديداً نعصب فيه على بطوننا إلى أن نجد المخارج المناسبة، إن الأموال التي نحصل عليها تسلبنا أغلى بكثير مما حصلنا عليه، إنها تفقدنا إنسانيتنا وكرامتنا وسمعتنا الدولية. لسنا فقراء حتى نتسول عواصم الأشقاء والأصدقاء، كل ما نحتاجه أن نفتش في أنفسنا عن قدراتنا الذاتية، ومواردنا الطبيعية، ونتحلى بالشجاعة الكافية في مواجهة أنفسنا، كل ما نحتاجه أن تقف سياسة التسول المنظم التي ورثناها منذ عهود خلت.
لو توقفت عجلة الفساد في البلاد لما احتجنا إلى أحد، لو استغلت ثروتنا السمكية لما احتجنا إلى المساعدات، ولا حتى إلى آبار النفط، لو ضبطنا الوضع الأمني لتدفقت أموال السياحة وهي كافية، لو أحيينا أساليب الأجداد في بناء السدود لما كتب مليباند في الإندبندنت ‘إن صنعاء التي هي واحدة من أقدم المدن في العالم ستصبح خلال عقد من الزمن أول عاصمة ينضب ماؤها'.
يجب أن نقنع أنفسنا بأننا لا نحتاج المساعدات الخارجية، لا نحتاجها لأنها تجرح الشعور الوطني، ولأنها عيب في حق شعبنا الذي يشعر بالإهانة كلما سمع نشرات الأخبار، لا نحتاجها لأنها مرّة كدواء مضاعفاته أكثر من نفعه، لا نحتاجها لأن أهلنا عاشوا حياتهم الكريمة من دونها، لا نحتاجها لأنها تكرس في أذهان أجيالنا صورة اليد السفلى، والشيخ المسن في تقاطع شارع ‘حدة'، والعجوز المسنة على باب الجامع الكبير، لا نحتاجها لأنها لن تنفعنا، واسألوا الصوماليين، واسألوا شعوب جنوب الصحراء في افريقيا هل نفعتهم هذه المساعدات.
هل تذكرون يوم أن غضب المحيط على ساحل عمان، وضرب الساحل، وجاء الدمار، وتسارعت اليد العليا لنجدة عمان، غير أن سلطانها شكر الجميع، وقال بحزم ‘لا نحتاج'؟ هل يمكن تصور كم من الاعتزاز الوطني سكبه السلطان في روح شعبه، حينما رفض قبول المساعدات، وهو ربما كان في حاجة إليها.
نحن لا نحتاج المساعدات، صدقوني، لا نحتاج أكثر من أن نفكر بطريقة مختلفة، بطريقة إبداعية، لا نحتاج إلا إلى التخلي عن سياسة التسول التي سكبت ماء وجوهنا على كل رصيف وفي كل عاصمة. هذه المهزلة ينبغي أن تقف، وعندها سنواجه مصيرنا بأنفسنا، وسوف يبرز منا أجمل ما فينا، وسوف يزول الرماد عن جمرنا الحقيقي، وتعود صورة اليمني الكريم المعطاء، الذي اشتهر بيده العليا الممتدة بالعون والمساعدة، التي تحتضن اليوم أكثر من مليون من أشقائنا من القرن الافريقي من دون ضجيج أو رياء.
علينا فقط التحلي بروح المبادرة، وتفجير طاقاتنا والتركيز على روح الشعب الكامنة التي لا تحتاج أكثر من قدح شيء من نار الغيرة الوطنية فيها.
أعرف أن كلامي هذا لن يعجب الكثير، وأن ‘المنظرين الاقتصاديين' في اليمن، سيقولون هذه خواطر تصلح لكتابة الشعر، وليس لإدارة البلاد، وأعرف أن آخرين سيقولون مجرد رؤى طفولية غير ناضجة، لكنني أعرف أنني لو سألت هؤلاء المنظرين عن مصير مليارات من أموال الدعم الشقيق والصديق التي قدمت على مدى سنوات طويلة، لو سألتهم أين مصيرها للاذوا بالصمت.
قلت للسيدة ماريوت: لماذا تأخر صرف ما يزيد على 7 مليارات مرصودة من 2006 لليمن؟ قالت: ‘هناك متطلبات تخص الشفافية'. قلت: تقصدين الفساد؟ قالت: ‘بالتأكيد'.
خلاصة الكلام البلد الذي يعيش على المعونات الدولية هو مجرد متسول من جملة المتسولين في إشارات المرور في صنعاء، لا وزن له في الميزان الدولي، إلا بقدر خوف المجتمع الدولي مما يمكن أن يخرج منه من شرور. هذه هي الحقيقة المرّة التي علينا أن نعترف بها بصراحة أولاً، ثم نواجهها بشجاعة بإجراءات نقدر عليها شريطة أن نقنع أنفسنا من الآن بعدم جدوى سياسة التسول.
ينبغي أن نخجل من تاريخنا الذي امتدت يده العليا إلى سليمان بالهدية، وهو الملك الذي لا يحتاجها، فيما يد بلقيس اليوم تتسول جنود سليمان ‘من الجن والإنس فهم يوزعون'.
كاتب يمني من أسرة ‘القدس العربي'
عدن الغد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.