وُلد في غياب الأب؛ لم يرَه ولم يجده في دائرة المحيطين به، فظل مشتتاً بين اليمنوقطر، بحكم أن أبويه انفصلا قبل ولادته. ورغم ما منحته إياه الأم وأسرتها من حنان ورعاية واهتمام، إلا أن شعور الأبوة ظل شاغراً في نفسه، لدرجة أنه أحدث في نشأته قصوراً معنوياً. بحث عن أبيه مبكراً فتوصل إليه فترة من الوقت باتصالات هاتفية، ثم انقطع التواصل، ولايزال همه العثور على والده في إحدى قرى اليمن وهو على وشك أن يتوصل إليه؛ من أجل برِّه، لا لشيء سواه. هذه ببساطة مقدمة قصة الشاب أحمد الزين الذي يبلغ من العمر حالياً 34 عاماً، ويقيم في الإمارات تحت أبوة 74 مسناً. بحكم غياب الأب ونشأة أحمد فاقداً لهذا الشعور، اتجه الزين مبكراً حيث كان يسكن مع والدته في قطر، إلى التطوع في دور رعاية المسنين، وظل يتقرب من كبار السن لخدمتهم، على أمل تحقيق شعور الأبوة الذي يفتقده، كان ذلك وعمره 9 أعوام فقط. وحين أجبرت الظروف أحمد على السفر بحثاً عن العمل، لم يجد سوى الإمارات مكاناً يطيب فيه العيش. قبل نحو 17 عاماً جاء إلى الدولة، وعمل مساءً في إحدى الشركات، لكن وظيفته الإنسانية لم تتوقف، فظل يتردد كل صباح على دور رعاية المسنين في دبي والشارقة وعجمان، متطوعاً في خدمة آبائه الجدد. مصلحة متبادلة يقول أحمد الزين: في البداية كنت أنانياً، أتجه إلى كبار السن لتحقيق شعور ذاتي، لملء نقصٍ في حياتي، لكن سرعان ما وجدتُ في علاقتي مع «الشواب» مصلحة متبادلة، فالمسن يحتاج الابن، مثلما أنا أحتاج إليهم آباء لي. من هنا توثقت علاقات الود والمحبة مع عشرات الآباء، ممن أُمضي نصف يومي إلى جانبهم، لدرجة أنّ غيابي عنهم يزعجهم كما يؤرقني كثيراً. هذه القصة الجميلة التي نُسجت خيوطها في دور مسني الإمارات، وتحديداً في ملتقى الأسرة في استراحة الشواب بالممزر في دبي، بفعل إصرار التطوع من أحمد الزين الباحث عن برّ الأبوة، اكتملت على أفضل حال حين زار الاستراحة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ووجه بتعيين أحمد موظفاً دائماً، ليقيم في جوار مسنين أحبوه وحرصوا عليه وتواصلوا معه أكثر مما يفعل الأب مع ابنه. حدث ذلك في العام 2004 بعد أن ظل أحمد متمسكاً بمسمى «المتطوع النشيط». شعور جميل منذ ذلك الحين وإلى اليوم، لا يفصل أحمد عن آبائه ال74 أي شيء على الإطلاق، في استراحة الممزر في دبي التي يعمل فيها، وفي الشارقة وعجمان، اللتين لايزال يتطوع فيهما لرؤية آبائه هناك، فهو على الدوام قريب من الآباء والأمهات المقيمين والزائرين، ولصيق بهم لدرجة من الارتياح والثقة، تفوق ذلك الشعور الجميل بين أكثر الآباء حناناً وأفضل الأبناء براً. هذا ما ظفر به أحمد بعد أن افتقد شعور الأبوة قسراً قبل أن يأتي إلى هذه الحياة. في عمله لخدمة كبار السن، أخذ أحمد على عاتقه الاجتهاد والإخلاص والصدق في كل أحواله، فنال جائزة الموظف المتميز في هيئة الصحة في دبي، وشهادة تقدير للموظف المتميز في حكومة دبي، وشهادة تكريم عن أفضل خدمة. إضافة إلى ذلك، يحرص الزين على حضور المؤتمرات والفعاليات التي تدعم علاقة البر والطاعة التي يخصصها للمسنين. عن طيب نفس خلال ساعة من الزمن - أثناء الحوار - أظهر أحمد والمسنون علاقة صداقة صادقة ومعبرة لا تخطئها عين، روحها الدعابة وأساسها الاحترام والتقدير، والابتسامة مرتسمة على محيا الجميع، كباراً وصغاراً. في المكان ذاته «استراحة ملتقى الأسرة في الممزر» تجد أيضاً مجموعات طلابية كثيرة، تزور الشواب وتجالسهم، هنا توقف أحمد قائلاً: «5 دقائق مع المسنين صادقة وعن طيب نفس أفضل من ساعات تمضيها بينهم بغرض التصوير والتوثيق، وكأنك تزور متحفاً، فكبار السن يدركون صدق الآخرين معهم من مجرد نظرة إلى الوجه، وهم ليسوا بحاجة إلى ممثلين»، هذا ببساطة مفتاح تفوق العلاقة بين أحمد وكبار السن، وهو ما يبقيه نجماً متنقلاً بين مقاعد كبار السن، ليضيء في كل اتجاه. الدكتورة سلوى السويدي، مديرة ملتقى الأسرة «استراحة الشواب سابقاً»، قالت: غبت أنا وأحمد عن الاستراحة مدة قصيرة بعد الانتقال إلى مكان آخر، ورجعت قبل أحمد، فتقاطر المسنون على مكتبي مطالبين بعودة أحمد إليهم، وقد وصل بهم الحال إلى ضيق نفسي ملحوظ، بعد أن افتقدوا الشخص الذي دام قريباً منهم إلى حد يفوق التصور، وبالفعل عاد أحمد تلبية لرغبة كبار السن، وعادت معه بهجة المكان بمن فيه، واستمرت استراحة الشواب تؤدي دورها الإيجابي تحت شعار «شيخوخة نشطة»، بجهود كل من فيها. صفعة لا تُنسى لطالما تمنى أحمد الزين، أباً يضربه ويسأله ويمنعه أسوة بأصدقائه المراهقين، ذلك الحلم ظل يسكنه، إلى أن تحقق واقعاً بالصفعة التي لا تُنسى، من الوالد المرحوم محمد سعيد في الشارقة، قالها أحمد وانهمرت الدموع من عينيه. وأضاف: كنت متطوعاً وأحرص يومياً على مرافقة والدي محمد من مركز مسني الشارقة إلى سوق السمك، وذات يوم ونحن في طريق العودة صيفاً، ارتفعت حرارة السيارة لكني واصلت القيادة، إلى أن وصلنا المركز، حينها نبهني الوالد بألا أفتح «الرديتر» حتى تبرد السيارة، لم أسمع كلامه وفتحت الغطاء، فانهمر البخار على وجهي جهة اليسار، ونزل الكف على يمين وجهي قوياً، كان ذلك «كف عتاب» من الوالد، الذي أبدى ندمه ظناً منه أنه قد آذاني، لكني في حقيقة الأمر كنت سعيداً جداً بهذه الصفعة، أخيراً تحقق ما تمنيت! البيان الاماراتية