التجاوزات الاعلامية في مصر كثيرة، اقترفتها كل القنوات، الاسلامية والليبرالية على السواء، كشفها الاستفتاء الأخير على الدستور، يساهم فيها تراجع مستوى مقدمي البرامج السياسية وتغليبهم التوجه السياسي على توخي الدقة والموضوعية. أحمد حسن من القاهرة: انقسم عدد من الإعلاميين والسياسيين حول طبيعة دور وسائل الإعلام في الظرف العصيب الذي تمر فيه مصر اليوم، خصوصًا بعد ارتفاع حدة الصراع بين القنوات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية بشكل كبير، تزامنًا مع إتمام المرحلة الأولى من الاستفتاء، إذ ساهمت كل وسيلة إعلامية في استقطاب للناخبين بحسب توجهها السياسي، بعيدًا عن مبادئ المهنية والحياد والدقة. تخبّط إعلامي أكد الدكتور صلاح عبد المعبود، أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، ل"إيلاف" أن جميع وسائل الإعلام، بمختلف فصائلها وانتماءاتها، "تخالف المهنية والمصداقية، لأسباب عدة من بينها أن جميع مقدمي البرامج في الفضائيات غير مختصين، وبعضهم لا يعلم شيئًا عن قواعد المهنية، إذ لم يتم تأهيلهم أكاديميًا وتدريبيًا، بل تم اختيارهم وفقًا لشهرة المقدم وقبول المشاهد، وبالتالي نرى أداء الكثير منهم متخبطًا، قائمًا على الفهلوة والاجتهاد الشخصي". قال: "التوجه السياسي لمقدمي البرامج يسيطر على أدائهم من حيث توجيه أسئلة معينة للضيوف، واستضافة شخصيات بعينها تصب في صالح هذا التوجهه السياسي، وهناك قنوات انتهجت توجهًا سياسيًا معينًا، ولهذا تحولت جميع المواد الإعلامية التي يقدمها الإعلامي تصب في هذا التوجه، من دون الالتزام بأي معايير مهنية أو أخلاقية". أضاف عبد المعبود: "أثر دخول رجال الأعمال عالم الاعلام على رسم سياستها وتوجهها السياسي وفقًا لمالكي تلك الصحف، فهناك رجال أعمال يمتلكون صحفًا مستقلة تميل للنظام السابق وتعادي الرئيس الحالي والإخوان، وبالتالي تعمل على مقاومة وجود الحكم الإسلامي، وهناك صحف مستقلة يمولها الفلول، لا تراعي المهنية لدرجة أن بعضها يتعمد نشر أخبار كاذبة، وهذا انتهاك كبير لمهنة الصحافة، وفي المقابل تواجدت الصحف التابعة للنظام والتي تقوم برد فعل عما ينشر في الصحف المستقلة وتؤيد الرئيس والحكومة بشكل مستفز، من دون اتباع أقل درجات المهنية". لا حقيقة مطلقة أما الصحفي صلاح عيسى فقال ل"إيلاف" إن عرض وسائل الإعلام وجهات نظر متنوعة ومتعارضة لا تنتج بالضرورة استقطابا لدى المواطن، "وسبب ما نحن فيه من فوضى إعلامية من وجهة نظر البعض في الأساس يعود إلى أننا نعيش لأول مرة أحرارًا بعد الثورة وسنوات من تكميم الأفواه أمنيًا، فهناك حالة حراك ديمقراطي إعلامي من دون وجود خطوط محددة لممارسة المهنية الإعلامية، وبالتالي ظهرت العشوائية". اضاف: "قبل محاكمة الإعلام، كان ينبغي معرفة قواعد تقييمية أولًا، فنقابة الصحفيين لم تتدخل لمرة واحدة بشأن تجاوزات الصحف في تقديم المادة الإعلامية وممارسة الصحفي المهنية، وبالتالي نجد أداء الصحفي عشوائيًا"، مؤكدًا أن الحل الوحيد لمنع الاستقطاب هو الحرية الاعلامية الكاملة. ويطالب عيسى كل من يعرض رأيًا ألا يعتبره حقيقة مطلقة، "لأن المشكلة في الاستقطاب أن كل فرد يحدد القضية من وجهة نظر مسبقة، وهذا ما يفعله الإسلاميون والليبراليون على السواء، والحديث عن تطهير الإعلام يجب أن يشمل القنوات الدينية والإسلامية والإعلام الحكومي أيضًا". تجاوزات متبادلة قال جمال فهمي، وكيل أول نقابة الصحفيين، ل"إيلاف" إن الإعلام ليس مسؤولًا عن الانقسام السياسي والاستقطاب الموجود في الشارع المصري، "وقبل محاسبة الإعلام الخاص علينا محاسبة الإعلام التابع للإسلام السياسي، الذي كان يبتعد كل البعد عن أدنى درجات المهنية والأخلاق، فانتقادهم قائم على سب المعارضة والإساءة لأعراضهم، في حين أن الإعلام الخاص يمارس المهنية القائمة على الانتقاد الحقيقي الذي يعبر عن موقف الشعب وتوجهه". أضاف فهمي: "الإعلام لا يستقطب أحدًا على الإطلاق، وليس مطلوبًا منه أن يقدم حلولًا، فمن حق كل وسيلة إعلامية أن تتحيز إلى رؤيتها، لكن بما لا يخل بقيمة الموضوعية، وهذا ما يحدث في الإعلام الخاص الذي يحرص على تمثيل كل وجهات النظر". ورأى محسن راضي، وكيل لجنة الإعلام بمجلس الشعب المنحل، أن الإعلام الخاص ارتكب تجاوزات مهنية كبيرة كانت سببًا في اشتعال الأزمة السياسية الحالية. وقال ل"إيلاف": "الفوضى كبيرة في جميع وسائل الإعلام، حتى الإسلامية منها، لكنها كانت رد فعل لتجاوزات الإعلام الخاص، الذي يرفض مقدمو البرامج السياسية فيه الحكم الإسلامي والإخوان، ومن مصلحتهم عودة النظام السابق الذي حقق لهم ملايين الجنيهات بخلاف المكاسب الخاصة". أضاف: "وراء تلك القنوات تمويل كبير، يقدمه الفلول وأنصار النظام السابق، بهدف إسقاط مرسي، ومن مصلحتها رفض الدستور من دون أسباب موضوعية".