اتسمت كلّ أُمة من الأٌمم القديمة بقيمٍ أخلاقيةٍ يقتدون بها، ويرونها فضائل مُثلى تساعدهم في رفعة شأنهم وتنظيم حياتهم، وتعدُّ الأمة العربية أوّل الأُمم التي فُطرت بقيمٍ أخلاقية، قلّما نجدها عند الأُمم الأخرى، وتصديقا لذلك فقد جاء الإسلام يعزز تلك القيم ويقوي أواصرَها، حين أثنا ربنا سبحانه وتعالى على رسول هذه الأمة بقوله:(وإنََّكَ لعلى خلقٍ عظيمٍ)، فقد كان صلى الله عيه وسلم معلم البشرية ومرشدها فحرص على نشر القيم والمثل العليا التي اقتصرت بعثته لإتمام ما نُقص منها حيث قال:)إنّما بعثتُ لأتتم مكارمُ الأخلاق). إن الناظر إلى تاريخ الأمم وتطورها يرى أن القيم الخلقية هي النواة الأساسية التي اتكأ عليها الأنبياء والعلماء والفلاسفة والمفكرون، لإصلاح مجتمعاتهم، وشكلت مكارم الأخلاق عند الإنسان العربي قبل الإسلام قاعدة الانطلاق الأولى التي أخذت على عاتقها مسؤولية الاستعداد الفكري لتقبّل الحدث العظيم وخلق بيئة حاضنة للبعثة النبوية ونشر تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وكان لها أهمية كبرى في تأمين حياة الإنسان العربي، الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وقد نوه القران الكريم بإيلاف قريش وأهمية لها في قوله تعالى: (لإلآفِ قريشٍ إلافهم رحلة الشتآءِ والصيفِ فليعبدوا ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وأمنهم من خوف). لذا مكارم الأخلاق عند الإنسان العربي قبل الإسلام شكلت قاعدة فولاذية وانطلقوا منها لتنظيم حياتهم الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية. فاعتزوا بها وعدوها سلوكا في حياتهم ومعيارا للنبل والشرف والسيادة لدى الفرد والأسرة والمجتمع، كما عدوا نقائضها من المثالب الذميمة والنقائص الفاسدة التي تشين سمعتهم ومكانتهم بين الأمم. ولعل أهمها- الشجاعة، الكرم، الوفاء،الصدق، العدل، العفة، الحلم . وفي وضعنا العربي الراهن ولا سيما نحن – الجنوبيين العرب وثورتنا العربية التحررية السلمية المباركة - بحاجة ماسة إلى ثورة أخلاقية وتربوية عظيمة يهتدي قادتنا وشبابنا ومناضلينا بنبراسها في سبيل إصلاح مكامن ضعفنا وتقوية أواصر عزيمتنا وللملمت نسيج لحمتنا؛ لاستعادة هويتنا ونصرة قضيتنا. ومن خلال هذه النافدة سنحاول استعراض أبرز مكارم الأخلاق التي اتصف بها الإنسان العربي قبل الإسلام، والمتمثلة في تراثهم الأدبي بوصفيه وسيلة لتطيهر نفوسهم وتهذيبها وبث القيم السلوكية العليا التي وجهت تفكيرهم وحرصوا على ترسيخها في حياتهم ليصنعوا منها رجالا أفذاذا. فقد جاءت الشجاعة والقوة والبأس والتحدي والتضحية في المرتبة الأولى وتعد أبرز القيم الخلقية عند الإنسان العربي قبل الإسلام، لما لها من أهمية كبرى في حياته ومعاشه، فسعى جاهدا للتحلي بها والعمل بأسبابها، وفقدان هذه القيمة الخليقة يعني الجبن والخضوع والضعف والذل والهوان والهزيمة والاستسلام التي هي نقيض الشجاعة فهم يزرون بها ويعدونها من الخصال الدنيئة والنقائص المشينة التي لا تليق بشيم العربي وبما يتحلى به من نخوة وشهامة ورجولة، ولا يمكن لأي عربي جبل على القوة والبأس والتحدي أن يخدش شجاعته بسلوك مهين، فشجاعته نفسها تتحلى بقيم أخلاقية، فعندما تحتدم الحروب وينتصر أحد أطرافها فأنه يتوقف عن القتل المفرط، ويكتفي بما غنمه في ساحة المعركة، وغالبا ما يسعى إلى أسر خصمه بدلا من قتله، فأخلاقه تدعوه ألا يقتل أسيرا أو جريحا أو شيخا أو طفلا أو امرأة، فمعظم فرسان العرب اتصفوا بالعفة والنبل ومكارم الأخلاق والعفو والإنصاف، لتجعل منه فارسا عزيز النفس يسعى لنيل الفضائل وكسب المعالي وإحراز الشرف الرفيع، لا يقتل عدوه إذا كان مجردا من السلاح أو مدبرا أو في أحد الأشهر الحرم أو كان برفقته امرأة أو طفلا, لا يغدر به ولا يقتله وهو بمأمن، في رأي الإنسان العربي يتحتم على المرء أن يثأر من الجاني وألا يقبل الدية والصلح إذا كان في ذلك إفلات القاتل من العقاب وتخلقت شجاعتهم بمكرمة التسامح والتصالح والصفح والعفو عند المقدرة وفتح صفحة جديدة تنهي كافة الصراعات السابقة. وارتبط الكرم والعطاء والجود والبذل بالشجاعة والقوة والبأس ارتباطا وثيقا؛ لأن الحياة القاسية التي عاشها الإنسان العربي تتطلب قوة للاستمرار وتضامنا وتكافلا للبقاء، ومن المعروف أن شهرة الكرم والكرماء بين العرب لا تكاد تعدلها شهرة وهذه القيمة الخلقية مُنحت مكانة رفيعة وبلغ من يتصف بها ذروة النبل والشرف، فالكرم عندهم في مقدمة الخلال الإنسانية الفاضلة، والبخل والشح والتقتير في نظرهم خروجا على القيم الخلقية والعرف وبعيدا عن الإنسانية التي تطلبها حياتهم القاسية. ولم يكن الوفاء بالعهد والوعد والصدق والأمانة بعيدا عن سلوكهم واعتبروها أهم القيم الخلقية المتعارف عليها عند العرب لمّا لها من مكانة في حياتهم؛ لكونها تنبع من نفس الإنسان وضميره، لذا فقد هيأت لإنسان العربي الاطمئنان والاستقرار ونظمت علاقته بالإفراد والجماعات والقبائل الأخرى معتمدا على حبل الوفاء بالعهود والعقود الذي يشد به أواصر الثقة ويقوي به روابط الأمانة، وأصبح الوفاء عند الإنسان العربي بمثابة القانون الذي يحميه من الجور والظلم والغدر والخيانة والتعدي، فهو أي الوفاء من المآثر الكبرى ومكرمة من المكرمات الفاضلة، التي تمثلها الإنسان العربي ورفع من شأنها كما جليت في رفضهم للغدر والخيانة والكذب وعدوها مثلبة ما بعدها مثلبة .لذا فقد ذم العرب الغدر في كل صوره وأشكاله وعدوه سلوكا سيئا في حياتهم . والعدل والحلم والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه كان منهجا في حياتهم يدعون إلى التحلي به وتحقيقه في حياتهم، ليمنع عنهم الطيش والسفه والظلم والشطط والغبن والجهل، وكل من اتصف بالعدل والحلم بلغ مكانة عليا في نفوس الناس وأصبح جديرا بالإجلال والتقدير والاحترام، ومثلت العفة والطهارة والشرف والنزاهة مزية فاضلة تحلى بها الأشراف والقادة والسادة والفرسان وخيار الناس، فالإنسان العربي ذو الشرف الرفيع يكف عن انتهاك الأعراض ويمتنع عن السوء والفواحش في الأقوال والأفعال، ومن خرج عن هذا السلوك السائد في مجتمعهم عنفوه وطردوه بوصفه خارقا لعادتهم ومخلا بسلوكهم القويم. وبعد أن وقفنا على مقتبسات من مكارم الأخلاق عند العرب التي جاء الإسلام يرسخها في عقائدنا وعباداتنا – نحن العرب – هل نحن بحاجة، ولا سيما في وضعنا العربي الراهن - أن نقتبس شيئا منها؟؛ لنزيل ركام الفوضى من حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والفكرية، ونعمل لتنظيمها على أسس عادلة تمنع عنا سفك دماء الأبرياء الآمنين في المساجد والطرقات والأوطان وترفع منا الظلم والغدر والخيانة وهتك الحرمات والتجارة بالأرواح والمبادئ والأديان، أو أن تزرع فينا على الأقل روح المحبة والتسامح والصدق والوفاء ونصرة الضعيف ومساعدة الفقير وحماية المواطن والتأني في الحكم ونشر العدالة والعفة والطهارة بين الناس. ومن هنا! نصرخ ...أما آن الآن لشعب الجنوب - بكل أطيافه ومكوناته، قياداته وشيوخه وشبابه وأطفاله - أن يفجر ثورة أخلاقية عظيمة، أركانها: الشجاعة، الكرم، الوفاء،العدل، العفة، الحلم؛ لتشكل ثنائية تلازم الثورة السياسية التحررية التي يتطلع إليها شعب الجنوب، فإذا نظرنا إلى ثورثتنا الجنوبية نرى أنها اتكأت على مكرمة أخلاقية واحدة هي(التصالح والتسامح والتضامن) فمن خلالها استطاع شعبنا أن يخلق المعجزات ويفجر ثورة عظمى أبهرت العالم واحتذى بحذوها.. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد...!! عدن الغد