د. محمد عبدالملك المتوكل .. تكررت دعوة بعض القوي السياسية إلى هيكلة القوات المسلحة بهدف التخلص من بعض قياداتها، وإضعاف جانب من جوانب الصراع، ودعم جانب آخر، وفي لعبة عبثية شبيهة بلعبة الكراسي في حلقات التسلية، وبذلك تتحول الثورة من ثورة بناء إلى ثورة انتقام بين رفاق الأمس وخصوم اليوم، ممن جمعتهم المصالح في مرحلة، وفرقتهم الأطماع في مرحلة ثانية، وكل منهم يدعي وصلا بالشعب، والشعب لا يقر لهم بوصل، فقد حفظ حكمة أن تجربة المجرب خطأ. الجيش أهم وأخطر مؤسسة من مؤسسات الدولة، فباسمه يهيمن الطغاة ويستبد المستبدون، وعليه فلا يجوز أن نتعامل مع موضوع الجيش بلامبالاة، وبلا اهتمام وبلا علم وبلا إعداد سليم ورشيد، وألا نكون غير جادين في بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة. وما نقوم به ليس أكثر من لعبة نتسلى بها تجزعة للوقت وإرضاء لهذا أو ذاك من حمران العيون. إذا كنا جادين في بناء دولة مدنية حديثة تحقق آمال الشعب في التطور والتقدم والرخاء، فإن مكان النقاش في موضوع الجيش هو في لجنة الحوار، وعند مناقشة بناء الدولة المدنية كجزء من أهم أسسها، وخلال الحوار يتم الاتفاق على الأسس التي يبنى عليها الجيش، ومكان تموضعه، ومعايير اختيار أفراده وقياداته، وأهمية حياديته وإبعاده عن هيمنة الأحزاب والأشخاص والمناطق، ليصبح جيش الوطن يحمي استقلاله ويصون دستوره ويحترم قوانينه، ويبذل جهده في مجالات التنمية ليصبح جيشا للحرب والإعمار. إن معالجة قضية الجيش خارج لجنة الحوار، وبعيداً عن كل القوي السياسية، وبعيدا عن موضوع الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، هو جهد ضائع ومشكوك في دوافعه، ويصدق عليه قول الله عز وجل: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً". - الأولى