أفق آخر ثقافة النصر والهزيمة ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 05/06/2014 كانت الفروسية فيما مضى - وقد لا يعود - تقتضي من المنتصر أن ينحني للمهزوم ويهديه سيفه، هذا على الأقل ما قالته ملاحم الإغريق، لكن شرط هذا الطقس الفروسي هو اعتراف المهزوم، ويبدو أن هناك ثقافة أخرى غير هذه الثقافة المتداولة إعلامياً عن ثنائية النصر والهزيمة . فالمهزوم قد تأخذه العزة بالإثم ويصرّ على انكار ما جرى له، وعندئذ تكتمل هزيمته، حيث لا يرتجي بعدها أي استدراك، بعكس المهزوم الذي ينقد ذاته ويراجع خطواته ويتعلم من الدروس، بحيث يحول الخسارة إلى مرتكز أو رافعة . وهناك نصر أنكى من انكسار، إذا كان عابراً وبفضل المصادفة أو على طريقة ما قاله العرب عن الرمية بلا رام . وهذا ما عبر عنه كاتب يهودي هو شلومو رايخ عندما قال إن الصهيونية ستقفز من نصر إلى نصر نحو هزيمتها . والفروسية ليست حكراً على الانتصار، فالمهزوم أيضاً له حصة منها إذا اعترف وقرر أن يعاود الكرة مستفيداً من أخطائه، لكن عصرنا ليس من تلك العصور التي تحفظ حتى للمهزوم اعتباره، فثمة انكار للوقائع واستسلام للرغائب إضافة إلى بلاغة الكذب على الذات، وما من مهزوم الآن يضع ولو قسطاً من هزيمته على كاهله، فالآخرون هم المسؤولون عما لحق به، سواء كان ذلك تحت عنوان المؤامرة أو الخذلان أو أي شيء كهذا . والمنتصر أيضاً له "عقب آخيل" الذي يشكل مقتله وبالتالي انكساره، وهو الإركان إلى الانتصار والغرور، بحيث يصيبه الترهل ويصبح ضحية وهم الانتصار الدائم، أما تجليات هذه الثقافة عن الظفر والانكسار، فهي ليست عسكرية فقط، إنها أحياناً في مباريات رياضية أو انتخابات سياسية، وهناك متطوعون في كل هذه المجالات للتبرير، كي يبرئوا أنفسهم من أي تصور، والحصيلة هي تكرار الهزائم، لأنه ما من وعي يحد من تعاقبها ويعيد النظر في الاستراتيجية والأدوات . وجذر هذه الثقافة تربوي بامتياز فمن رضع تربية من الطراز النرجسي التي تتوهم أن الذات معصومة وعلى حق دائماً، لن يصلح طرفاً في أية مبارزة سواء كانت بالسيف أو بالقلم أو بصندوق الاقتراع . ولدينا من الشواهد في حياتنا اليومية ما يكفي لإعادة النظر في ثقافة النصر والهزيمة وسائر الثنائيات على اختلاف مجالاتها . خيري منصور الخليج الامارتية