تعتبر معرفة الرياح المحلية قديماً قبل ظهور مراكز التنبؤ بالأرصاد الجوية كنزا لمن له باع طويلة في هذا المجال إذ تعتبر الدراية بالرياح المحلية نتاج وخلاصة خبرات وتجارب طويلة ممتدة عكست الكثير من جوانب الطقس والأحوال الجوية على مدار العام، وارتبطت بذاكرة أهل البر والبحر . وتزخر ذاكرة أجدادنا بأنواع ومسميات للرياح تمكنوا من خلالها من التنبؤ بالأحوال الجوية وطوعوا حياتهم بما يتلاءم مع سكونها وثورتها عكس معرفتنا المعاصرة التي نستمدها بكل سهولة ويسر من النشرات الجوية اليومية وقراءتنا لأجهزة الديجيتال الرقمية . ويقول المواطن بخيت سيف بن هندي(75 عاماً): "كثير من جيل الشباب والصيادين والهواة وأغلب الناس لا يعرفون أنواع الرياح التي تهب علينا على مدار العام ولا يدركون أثرها حتى بعد سماع أسمائها عبر المذياع أو قراءة النشرة الجوية من خلال وسائل الإعلام الأخرى" . ويضيف: "أهل الإمارات كانوا يقاسون الكثير من وطأة البيئة وظروفها الطبيعية بشكل عام وظروف الطقس والمناخ بشكل خاص ذلك لأن البحارة والرعاة يرتبط نشاطهم اليومي وبشكل مباشر بتلك الظروف وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على سلوكهم وفكرهم" . ويشير إلى أن الإنسان عرف ومنذ القدم أوقات ومواسم الرياح خاصة في البيئات البحرية حيث إنها تترك أثراً مباشراً في نشاطه فتؤثر في سرعة واتجاه قوارب الصيد وسفن الأسفار الشيء الأمر الذي دعاه إلى اتخاذ التدابير الملائمة التي تضمن سلامة رحلات الأسفار وطلعات صيد الأسماك . ويوضح أن حركة الرياح العاتية تتسبب في نشوء تيارات بحرية مختلفة السرعة فتعمل على تحريك الكتل المائية من منطقة إلى أخرى جالبة معها الطحالب والأغذية من المياه العميقة والساحلية فتتشكل بيئات غنية تزخر بالعديد من أنواع الأسماك التي تهاجر إلى هذه المناطق لتكمل دورة حياتها وتتكاثر في هذه البيئات وهنا تصبح هذه البيئات جاذبة للصيادين الذين يدركون قيمتها بمجرد رؤيتها . ويكشف ابن هندي أن هذه الأيام هي موسم "رياح البارح" وجمعها بوارح وهي رياح شمالية موسمية في الخليج العربي تهب من الشمال إلى الجنوب وتبدأ في الأسبوع الأول من شهر يونيو/حزيران وتستمر لمدة أربعين يوماً تشتد أحياناً وتهدأ أحياناً أخرى وتثير كثيراً من الغبار بينما "رياح الكوس" تهب على السواحل الغربية والشرقية للدولة قادمة من الهند "جهة الشرق" وشديدة التأثير في السواحل الشرقية وعادة تصاحبها أمواج عالية قد تؤدي إلى نحت الساحل الرملي، مشيراً إلى أن هذه الرياح قوية أحياناً ويخاف منها أهل البحر ولا تؤثر كثيراً في المناطق البرية وهي رياح رطبة دائماً تلطف من درجة الحرارة المرتفعة . وبخصوص "رياح الثريا" يوضح أن بعضهم يسميها يولات الثريا لأن اليولات هي التي تسبب هبوب الثريا وحتما بعد اليولات لابد أن تأتي ضربة الثريا والتي لها تأثير في البحر والبر وهبوبها يسبب تساقط أشجار النخيل والثريا هي مجموعة من النجوم تغيب يوم 28 إبريل لمدة 40 يوماً وتدخل في تسابق مع الشمس وأول أيام طلوعها فجر 7 يونيو أما "الرايحة أو الروايح" فهي رياح تهب على المناطق الجبلية فقط وموسمها غالباً في مطلع شهر أغسطس من جهة الشرق وتستمر لمدة شهرين وتصاحبها سحب بيضاء كبيرة وتتأثر بها المناطق البرية الداخلية مثل المنطقة الوسطى والعين وتحمل الأتربة من الصحراء إلى السواحل وأحياناً يصاحبها المطر وإذا ضربت في البحر يكون لها تأثير واضح . جدير بالذكر أن "رياح السهيلي أو العقربي" موسمها يبدأ يوم 17 أغسطس/آب بداية تغير المناخ الحار إلى جو لطيف ويظهر معها نجمان من النعش وغالبا تهب من ناحية الجنوب ولا يتأكد التغيير في الجو إلا بعد 40 يوماً ولابد أن يهب بعدها رياح الشمال، مشيراً إلى أن "الأحيمر" هي رياح قوية تؤثر في البحر والبر وتصاحبها أمواج عاتية في البحر وموسمها فترة انتهاء در التسعين ودخول در المائة بمنتصف نوفمبر وهي فترة لا تناسب الأسفار البحرية وتنتهي بدخول در الثلاثين . وبشأن "رياح الشمال" قال ابن هندي: "إذا ضرب الشمال دور لك على بندر" ودلالته أن أهل البحر دائماً يخافون من قدوم رياح الشمال وهي الرياح الهوجاء التي تأتي من جهة الشمال وتكون باردة في الشتاء وغالباً يسبقها السهيلي "رياح السموم" ومع نهايته يثور البحر ومن علامات الشمال السحاب المتقطع من جهة الشمال الغربي وهي رياح لها تأثير في البحر إذا كانت قوية وتضطر السفن للرسو في البنادر من شدتها وقد كانت قديماً تلحق الأضرار بالسفن لشدتها مما يتسبب في إغراق بعضها أو تعطيل سيرها ورحلتها فيضطر النوخذه إلى البحث عن بندر "مرسى" قريب حتى تهدأ الريح وكانت شدتها تؤدي إلى تلف أدوات الصيد . أما رياح "شمال الثمانين" فهي أقوى رياح الشمال وترتفع معها الأمواج إلى أعلى حد لها وغالباً ما تهب عند الفجر يسبقها هدوء البحر وموعدها في در الثمانين من 3 ديسمبر/كانون الأول إلى 12 فبراير/شباط ولها تأثير في البر والبحر وتكون شديدة البرودة في حين "رياح الغربي" تسمى "بارح" وليس لها تأثير في أهل البحر لأنها رياح معتدلة تهب من جهة الغرب . ويعرج ابن هندي على الأنواع الأخرى ومنها "رياح أربعين المريعي" وموسمها من 25 ديسمبر/كانون الأول إلى 3 يناير/كانون الثاني ويصاحبها انخفاض شديد في درجات الحرارة ويبلغ البرد أشده وتقل الأسماك بالمياه الضحلة وتهاجر الشواطئ القريبة نحو العمق بحثا عن الدفء . أما "رياح المطلعي" فهي رياح الكوس تؤثر في السواحل الشرقية للدولة وتصل السواحل الغربية قادمة من البر وعادة تكون معتدلة الحرارة والرطوبة أي أنها تلطف الأحوال الجوية بصفة عامة وإذا كانت قوية فإنها تؤدي إلى هطول أمطار خاصة على المناطق الجبلية . و"رياح اليولات" وهي رياح يتغير اتجاهها من حين إلى آخر في وقت قصير نسبياً وهي تهب غالباً في النصف الثاني من شهر إبريل/نيسان على جنوب الخليج وتكون مصحوبة بالأمطار . ويضيف ابن هندي: أما رياح الشمال والسهيلي فهي شتوية باردة معروفة لدى سكان المنطقة . وذكر أن السهيلي "نسبة إلى نجم سهيل"، كما أنها هي رياح المطلعي أو الكوس وتستمر لفترات قصيرة يعقبها عادة سقوط الأمطار . ومن الأنواع الأخرى التي جاء على ذكرها: "رياح نسيم البر" تهب عادة وقت الفجر وفي الصباح الباكر ولا تؤثر كثيراً في الأحوال الجوية ويمكن تسميتها البري أو نسيم البر السهيلي والتي تأتي من جهة البر ويكون البحر على إثرها دوجة "هادئ"، "رياح المزر" وقد سميت بهذا الاسم لأنها تساعد على جمع السحب في المنطقة التي تهب عليها ما يسهل ويعجل من سقوط الأمطار وعادة يفرح بها أهل البر لأن تجمعها في منطقة معينة يسبب سقوط الأمطار على هذه المنطقة وليس لها تأثير كبير في أهل البحر . (وام) الخليج الامارتية