يتذكر سكان مدينة كريتر بعدن، بائعة الشاهي الملبن الحجة "مريم ومقهايتها المعروفة، التي عرفنا شيئا من تفاصيلها عبر صديق ولمعرفة باقي تفاصيل القصة انطلقنا بخطوات سريعة نمرق في أزقة الأحياء لنشرب كوباً من الشاي في "مقهايتها" المعروفة بمقهاية "البديجي" التي ذاع صيتها أرجاء المدينة . وصلنا إلي المكان المطلوب وجدنا باب المحل مغلق تمسكنا بأحد المارين من أبناء الحي .. بسؤال .. أين تلك الأم التي كانت تبيع الشاي في هذا المحل ..؟! كانت الاجابة رادعة لنا ..لقد اغلقت المحل منذ عامين .. بحثنا عن منزلها لنعرف سبب اغلاقها المحل.. قابلتنا عجوز ثمانينية وكان السؤال على أطراف اللسان: هل انتِ "مريم" بائعة الشاي ؟؟ قالت: نعم.. وأصرت علينا الدخول غرفتها عندما عرفت أن الحديث معها طويلاً .. أذهلنا منظر الغرفة مرتبة نظيفة أنيقة وقبل أن تبدأ الحديث معنا أخذت من دولابها المركون بالغرفة رشت العطر وعطرتنا بلطف مما يدل على قلبها الذي يحبه الصغير والكبير. كتب/ فهمان الطيار حكاية مقهى مختلف من ايام الزمن الجميل تقطن "مريم" في مدينة كريتر محافظة عدن في إحدى غرف منزلها مع عائلتها التي كونتها بعد أن قضت مسيرتها الطويلة في "مقهايتها" برفقة كوب الشاي والبسمة لا تفارق محياها تعمل فيها بكل نشاط في اوقات تواجد الزبائن لتحصل على الرزق الحلال معتمدة على نفسها في تربية اولادها وكان الناس يتوافدون إلى محلها لشرب الشاي الذي تصنعه بيدها فهو مختلف عن بقية المقاهي الذين يستغربون لتوافد الزبائن عند هذه الأم .. فالكل يحبها الصغير والكبير.. يشرب عندها الغني والفقير ويقعدون على تلك الكراسي المتواضعة والتي تكاد تسقط لا ترد احداً من باب محلها البسيط.. والقصة لم تنته .. روت لنا حكاية مسيرةٍ طويلة برفقة كوب الشاي الملبن.. تاريخ حياتها مليء بالقصص والشواهد.. مكافحة .. صبورة عاشت حياتها مع والد أطفالها (زوجها) الى ان شاءت أقدار السماء ورحل عنها فلم تستسلم للحياة .. شدت حيلها لتواصل ما تبقى من عمرها والسعادة تنطلق من نور عيونها والابتسامة لا تفارق شفاها. قصة تعايش مع كل الاجناس بدأت الحديث لنا قائلة" أصلي من محافظة إب شاءت الأقدار بهذا الرجل بعد أن ماتت زوجته الأولى وهي أختي لكن والدي رجل طيب يحب الطيبين وبعد أن ماتت أختي أشفق أبي بحالة ونظر الحزن مرسوماً على ملامحهُ فقرر أن يزوجني به وهكذا بدأت حياتي .. تحلق مريم بحديثها عن رحلة العمر الجديدة وعن بداية مسيرتها مع شريك عمرها وأنيس وحشتها ورفيق دربها تقول" انتقلنا إلى محافظة عدن الجميلة .. ووصفت عدن وصفاً رائعاً ومدحت أهلها وسكانها قائلة" كان حين ذاك الوقت يتواجد في عدن من كل الأصناف والأجناس وتذكر" البريطانيين والهنود واضافت" النصارى والفرس تتابع حديثها" لم تكن توجد هذه العداوة وهذا الحقد بين قلوب الناس. اعتقال زوجي ايام علي ناصر دفعني للخروج كان منزلنا سكن للجميع تقول" في سابق الأيام كان يعمل زوجي في هذا المحل منذ أيام الاستعمار البريطاني واستمر لفترة يكافح ويعمل فيه ودوماً ما يلاقي ابتزازات واقفال المكان عليه وخلال حكومة علي ناصر تم اعتقال وحبس زوجي وكنت أذهب إلى علي ناصر ويتهرب مني بينما يرسل لي اتباعه وحاولت مراراً وتكراراً لكنني كنت شجاعة في مواجهة أي واحد بخصوص زوجي إلى أن تم الإفراج عنه . في ذلك الوقت كنت محتشمة لا أخرج إلى خارج المنزل إلا وقت الترفيه وتفريج الضيق كان زوجي لطيفاً في معاملتي لذا كان يحافظ عليا ويخاف عليا ومتكفل بمصروف المنزل.. لم تعرف "مريم" تلك المدلعة والمحتشمة أنها ستكون في يوماً ما هي من يتكفل بمصروف البيت تتابع حديثها في حرقة تذكار الماضي وما مرت به لكن البسمة على شفاها تقول" كان منزلنا سكن للجميع لكونه واسع ولدينا غرف مستقلة فكل من يأتي من قريتنا و من أي مكان يقطن عندنا خلال أيام سفره ويأكل ويشرب وكنا نفرح بهم بكل رحابة صدر .. وكان زوجي يبحث للعاطلين عن عمل.. ذكريات التاميم والسبع المجيدة تواصل الحديث "مريم" لم يعد زوجي للعمل بعد خروجه من السجن وكانت تلك الأيام تسمى أيام "التأميمات" او السبع المجيدة التي بسببها أغلقت كافة المحلات واتفقت أنا وزوجي أن اشتغل بنفسي في المحل لكوني "حرمة" ما يقدروا يلمسوني والكل سوف يقوم ضدهم اذا فكروا بالاعتداء علي ولكن هذه الخطة التي فعلتها مع زوجي من أجل أن نقاوم ظروف الحياة القاسية ونأكل نحن وأطفالنا لقمة الحلال .. وتبتسم الأم مريم وهي تسرد لنا حكايتها في الصراع مع ظروف الحياة بكل نشاط راضية مسترضية بما قسم الله لها وتواصل حديثها قائلة " الحمد لله اشتغلت ومشيت أموري .. كان الناس يتوافدون إلي أكثر من المحلات المجاورة كنت أشعر بالسعادة برفقة أولئك البشر الطيبين .. كان إذا مرٌ أحدهم من امام باب المحل لابد أن يرد السلام ويبتسم وكنت ابادلهم ذلك الشعور. شريكان شعارهما الصبر لم تنقطع عني الفلوس ولم نشعر بالحاجة بل كانت في بعض الأحيان يتبقى لدينا فلوس فائضة من الدخل اليومي، لأنني أتقن صناعة الشاي الأحمر والشاي مع الحليب اصبحت ماهرة في ذلك بسبب شغلي الدائم، شاءت أقدار السماء ورحل رفيق الحياة زوجي واصلت العمل مع ولدي منذ كان صغيراً وكنت أعلمه في التعامل مع الناس بأخلاق حتى كبر وأصبحنا شريكين نتقاسم اتعاب هذه الدنيا والصبر شعارنا . ايوب طارش شرب من شاهي مريم تتذكر مريم عدا من عشاق مذاق الشاي الأصيل من يدها.. استمتع بشرب الشاي في "مقهايتها" كبار الشخصيات ومنهم الفنان الكبير أيوب طارش عبسي كما قالت. وتختتم قصتها بالقول" في الأيام الأخيرة بعد أن كبر الأولاد وتزوجوا وأصبح لديهم ذرية وبدأ الشيب يداهمني .. لم تعد تلك الطاقة والنشاط في الاستمرار انقطعت منذ أعوام قليلة عن العمل ولكنني تحديت كل الصعاب إلا أن الشيب هزمني وهذه من عند الله .. والحمد الله الآن نعيش مرتاحين شاكرين الله فعائلتي كبيرة وأولادي واحفادي كلاً لديه وظيفة ويعملون بالحلال ونأكل ونشرب والحمد الله على كل حال .. فقد زهرة اليمن