بقلم/ صالح عمر بادحدح استشاريُّ جراحة المخ والأعصاب وجراحة العمود الفقري في ألمانيا، وعضوُ اللجنة العلمية لمعادلة الشهادات الطبية الصادرة من خارج الاتحاد الاوربي، والقاضي الطبيّ، والأستاذ المشرف على الأبحاث العلمية في أكثر من جامعة ألمانية لمادة علوم وظائف الأعضاء العصبية وعلاقتها بالصرع... صاحبُ هذه الإنجازاتِ المشرقةِ ليس أمريكياً ولا أوروبياً .. إنّه شابٌّ مسلمٌ عربيٌّ ولد في جدة لأبوين يمنيين ( حضرميين ) أواخر عام 1976 م وترعرع فيها، وتعلم في مدارسها، ولكونه غير سعودي اضطر إلى السفر إلى اليمن ليُتمَّ دراسته الجامعية حيث حصل على درجة البكالوريوس في الطب من جامعة عدن، وبعد تخرُّجِهِ اضطر للعمل متطوعاً دون أجر.. في اليمن لأنه مولود في السعودية! وفي السعوديّة لأنه يمنيّ! وهكذا درّس متطوعاً في جامعتين يمنتين، ثم عاد إلى جدة ليعمل متطوعاً في قسم جراحة المخّ والأعصابِ بمستشفى الملك فهد. بعدها قرر السفر إلى ألمانيا لاستكمال دراساته العليا ومكث ثماني سنوات في جامعة فرايبورج التي تعتبر أكبر جامعة في ألمانيا في هذا التخصص وأكرمه الله بتفوق مبهرٍ مكَّنه من الحصول على أربعينَ شهادةً علمية مختلفة. ظل حنين الرجل يشده إلى البلد الذي ولد فيه وترعرع على أرضه، وكله أمل أن تتاح له الفرصة لكي يقدم لهذا البلد -وإن لم يحمل جنسيته- عصارة العلم الذي حصل عليه، وخلاصة تجاربه التي خاضها في ألمانيا. ولكن! وما أقسى ما بعد لكن! بدأت المعاناةُ منذ مرحلة تصديق الشهادات، فقد جَهِدَ سعياً بين سفارتي اليمن والسعودية في ألمانيا ليصدِّقَ شهاداتِهِ، أما الملحق اليمنيّ فقد رفض تصديق الشهادات أصلاً إلى أن توسطتْ لصاحبنا سيدة يمنية فقام بالتصديق! وأما السفير السعودي فاضطَرَّ صاحبَنا إلى أن يسافر من مقر إقامته إلى السفارة ثلاثَ مرات استغرقت كلُّ رحلةٍ إحدى عشرةَ ساعة بالقطار لينتهي به الأمر إلى أن يحصل على تصديق لثلاث شهادات فقط! والغريب حقاً أنَّ الرجلين كليهما كان يردِّدُ: لماذا أنت فرحان بهذه الشهادات؟!! حتى اضطر إلى أن يقول: أنا آسف لأني فرحان بجهدي وتعبي وإنجازي وتفوقي! بعد هذه المعاناة وصل دكتورنا إلى جدة والأمل الكبير يحدوه إلى أن يحقق أمنيته، وأن يخدم البلد الذي تلقى تعليمه العام فيه، والبلد الذي احتضن عائلته لعدة عقود من الزمن ولايزال، عاد ليكون إضافة نوعية إلى الكادر العلمي الطبي (غير السعودي) الذي يعمل في مستشفيات المملكة وهنا كانت المفاجأة. على الرغم من أن هناك العديد من أعضاء هيئة التدريس السعودية العاملين في كليات الطب في المملكة هم من خريجي المدرسة الألمانية ومنهم السفير السعودي في ألمانيا في ذلك الوقت إلا أن الهيئة السعودية للتخصصات الطبية أخبرت دكتورنا العزيز أنها تصنف البورد الألماني تصنيفاً أقلَّ! وتعادلُهُ بشهادة أخصائي أول! في حين أن من يحمل هذه الشهادة في ألمانيا يُعدُّ استشارياً! وزاد من حجم المأساة نظرة العاملين في الهيئة إلى دكتورنا، فلأنه يمنيٌّ وصغير السن نسبياً لم يوافقوا له إلا على وظيفة أخصَّائي! ثم أضافوا شرطاً لم يكن معمولاً به من قبل وهو اجتياز اختبار البرومترك الذي لم يكن سوى 70 سؤالاً في مواضيع متنوعة لا تشغل منها جراحة المخ والأعصاب سوى 50% من الأسئلة، في حين أن المفترض والمعتاد أن يكون هذا الاختبارُ اختباراً شفوياً تقدمه مجموعة من العلماء المتخصصين، وليس هذا فحسب بل كانت الأسئلة مضطربةً تحتمل إجابتُها عدة اختيارات!! عندها أدرك الرجل أن في الأمر تعجيزاَ، وأنّ الهدفَ هو عدم تمكينه من الحصول على أي وظيفة لائقة، وزادَ من همِّهِ تلك المعاملة الرديئة، والألفاظ البذيئة التي يسمعُها كلما عرف – ذوو الشأن!- أنه من اليمن. ولكن مع كل هذا شاءت إرادة الله أن يحصل على وظيفة عند استاذه الأول في جراحة المخ والأعصاب د. نبيه باجنيد في الهيئة الملكية في ينبع الصناعية، ووعده الدكتور باجنيد بمتابعة معاملته عن طريق الهيئة الملكية، وُفّق دكتورنا في تكوين صورة علمية جيدة جداً عنه من خلال العمليات التي أجراها، ولكن ذلك لم يشفع له للحصول على الرخص الطبية اللازمة! وباءت جميع المحاولات بالفشل! وكانت قاصمة الظهر أن عرض عليه أحدهم أن يحصل على كل الرخص التي يريد مقابل سبعين ألف ريال!! ولكن ثقة الرجل بنفسه وترفعه عن هذه الأمور المرذولة جعلته يقرر العودة إلى ألمانيا، فاتصل بأستاذه القديم الذي رحب به وطلب منه العودة فوراً، وفي خلال 3 أشهر استلم كل الرخص الطبية المطلوبة بالإضافة إلى رخص الإقامة في ألمانيا له ولكافة أفراد أسرته. عاد الرجل إلى ألمانيا ولم يرض أن يظلّ تابعاً لأستاذه الكبير بل قرر أن يكوّن مدرسة علمية خاصةً به وقد وفقه الله لذلك، وأصبح رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، وكبير الأطباء في مستشفى مدينة شنتدال المركزي الذي يغطي منطقة قطرها 65 كلم قريبة من العاصمة الألمانية برلين، وسعته السريرية 3000 سرير. وللعلم فمعدل عدد العمليات التي يجريها دكتورنا سنويا لايقل عن ألف عملية أقصرها مدة يستغرق 4 ساعات وأطولها يصل إلى 18 ساعة. وهو الآن على وشك الحصول على الجنسية الألمانية له ولكافة أفراد عائلته. بطل هذه القصة هو الأستاذ الدكتور صالح محمد بن سلمان ،، قصة قامة علمية فارعة في تخصص طبي دقيق ، قامة علمية فعلت المستحيل وقدمت التنازلات الكثيرة لتتمكن من خدمة بلاد الحرمين ولكن للأسف! أُغلقت الأبواب في وجهه! وبدلاً من أن نكون قوة جاذبة لهذا المبدعِ وأمثاله من العلماء المسلمين لنعزز المكانة العلمية لنا ولهم تغلبنا العنصرية المقيتة التي يرفضها الإسلام أيما رفض فندعم بذلك -دون أن نشعر- الأمم غير المسلمة لتزدادَ تقدماً ونزداد نحن تخلفاً ولاحول ولاقوة إلا بالله. هل ياترى من أمل في مراجعة مثل هذه الإجراءات؟ ومحاسبة أمثال هؤلاء الأشخاص لنسهم في تقدم بلدنا في كل مجالات الحياة؟ أمل أرجو أن يتحقق عدن اف ام