بنجامان ستورا، مؤرخ ملتزم . يبلغ من العمر واحداً وستين عاماً، يعتبر من أفضل المتخصصين في تاريخ الجزائر، أرض مولده، المعاصر، هو السيد المتخصص في التاريخ الجزائري، كما تلقبه الجامعات الفرنسية . يسعى إلى اعادة ترميم تاريخ الصراع عبر ممثليه الرئيسيين، سواء كانوا فرنسيين أو جزائريين، صاحب سيناريو الفيلم الوثائقي "حرب الجزائر، الصدع"، حيث يرجع إلى التراجيديا الجزائرية، ليعيد المنسي منها إلى الذاكرة . لا توجد أي تظاهرة رسمية في فرنسا للاحتفال بنهاية حرب الجزائر . بالتأكيد، يتعلق الأمر بالإخفاق/الهزيمة، ولكن أ لا يمكن أن نتمنى جملة، ايماءة، على سبيل التهدئة؟ نحيا دوماً في حرب الذاكرة، حيث يقول كل معسكر: "معاناتي أكبر من معاناتك، موتاي أكثر عددا" . بعد خمسين عاما من انتهاء الحرب، من الضروري الوصول إلى هذا المنطق التذكاري المشترك . أتمنى أن تحترم فرنساوالجزائر كل الضحايا، من جزائريين، حركيين "المتطوعين في الجيش الفرنسي من أبناء البلاد"، مهاجرين، وهذا لن يتم إلا باحترام الموتى . كتبت سيناريو فيلم "حرب الجزائر، الصدع" . بالرجوع إلى هذه المرحلة، أ لا تشعر بأننا لا نتكلم عنها بالأسلوب نفسه اليوم؟ حينما درست في نانتير أوائل السبعينات، لم نكن نستطيع الكلام عن كل شيء، المجتمع الفرنسي قلب الصفحة . اقترح رونيه ريموت علي أن أعمل على هذه الموضوعة . قدمني إلى المتخصص في هذه الفترة، المؤرخ شارلز-روبير آغيرون . وتحت اشرافه حررت أطروحتي حول مصالي الحاج (1898 ،1974 رائد النزعة القومية الجزائرية . لتتخيلوا . . . الجزائر لا تثير اهتمام أحد، بل وأيضا القومية، في عصر كانت الموضة تدور حول الاشتراكية، الحركة العمالية، صراع الطبقات . . . فضلا عن ذلك، كنت تلميذه الوحيد . . . أدين بالكثير إلى آغيرون . علمني مهنة المؤرخ: الوظيفة الدقيقة للمراجع، الروح النقدية، الحذر تجاه الايديولوجيا . كانت النزعة العالمثالثية قوية وكنت مناضلاً منذ الثامنة عشرة من عمري داخل حركة تروتسكية، التي سرعان ما هجرتها عندما حصلت على أطروحة الدكتوراه في عام 1978. متى بدأ الكلام عن الجزائر؟ بدأ الخروج من الصمت، ومن العزلة، بالنسبة للباحث في أكتوبر ،1988 مع الانتفاضة الشعبية في الجزائر التي خلفت خمسمئة قتيل . طرحت ثلة من الأسئلة . كيف وصل الجزائريون إلى هذه الدرجة؟ كيف يتم تفسير هذا العنف؟ هل له علاقة بالحرب الجزائرية الأولى؟ هذه الأحداث أطرت العودة إلى الذاكرة . في البداية، اهتم الصحافيون بها، ثم الباحثون . غير أن المنعطف الكبير جرى في عام 1992 لحظة الغاء الانتخابات في الجزائر وبداية الصراع الرهيب بين الدولة والاسلاميين، خلال الاحتفالات بالعيد الثلاثين للاستقلال . أصبح الأرشيف الفرنسي متاحاً للجمهور . وهذه المادة الاستثنائية غذت العديد من الأطروحات حول الحركيين، وحالات التعذيب . مما أدى إلى اهتمام جيل جديد من الباحثين، ويمثل عام ،2002 تاريخاً آخر مهماً . للمرة الأولى، ضابط سام سابق، الجنرال آوساريس، يعترف بممارسة التعذيب . هذا الاعتراف سيخلق فضيحة مدوية . ومن الناحية الجزائرية، تتعدد الشهادات حول الحرب: الأمر الذي أنتج ما يقارب الثلاثمئة عمل على الأقل منشور بين 1995 و2010 . في العقد الأول من القرن الحالي، إلى أي مدى استحوذت الجزائر على السينما والأدب؟ في الواقع، هناك تأرجح سينمائي وأدبي . أذكر عدداً من هذه الأفلام التي عرضت خلال هذه السنوات: "سيدي الجنرال" للوران هربيرت، "العدو الحميمي" لفلوران اميليو سيري، "الخيانة" لفيليب فوكون، "خارج القانون" لرشيد بوشارب، "ليلة سوداء" لآلان تازما، عن حادثة 17 أكتوبر / تشرين الأول 1961 (1)، "تحيا الجنة" لبورليم غيردجو، "تحت أقدام النساء" لرشيدة كريم، وغيرها . وهناك روائيون أيضا: جيروم فيراري "حيثما تركت روحي"، لوران موفينيي (رجال)، حتى الفائز بجائزة غونكور في دورتها الأخيرة آليكسيس جيني عن الفن الفرنسي للحرب . هذا الإفراط الخيالي منح الحرب الجزائرية بعداً آخر . مع العودة إلى موضوع الجزائر في الثقافة الفرنسية هل ترى أن الصيغة المثلى لتلخيص هذه الفترة هي "التراجيديا الجزائرية"، عنوان كتاب ريمون آرون، الصادر في عام 1957 والذي آثار غضب وسباب اليمين؟ نعم، تراجيديا . مع مرور الزمن، أنا مندهش من عنف هذه الحرب الكبير . وحتى اذا كان احصاء الضحايا من الصعب بلوغه وهو محل نقاش، من المممكن أن نذكر أن 000 .350 إلى 000 .400 قتلوا، مما يمثل 3% من تعداد السكان الذي كان يبلغ تسعة ملايين وهي نسبة مماثلة لقتلى الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى أن مليون ونصف المليون فلاح جزائري رحلوا من أراضيهم مما أدى إلى اضطراب كلي في المشهد الفلاحي . نضيف إلى هذا الإحصاء مابين 000 .15 حركي إلى 000 .20 حركي وثلاثين ألف جندي فرنسي و500 .4 من الأقدام السوداء قتلوا وأن ثمانمئة منهم رحلوا إلى الدولة المستعمرة . من اللازم أن نعرف أنه برغم ذلك انهار الوجود الفرنسي الذي دام قرناً ونصف القرن تقريباً . الآن ومنذ عقود هناك آثار لاختراق للثقافة الفرنسية، العادات، السلوك . يكفي سماع أغنية كلود فرانسوا "هذا العام"، في 1962 . التي تتقاطع النص مع "البيتلز" الإنجليزية والولع بمارلين مونرو . حضر الجميع باستثناء الجزائر . لا كلمة عنها . أفلام، كتب، مقدمات، حوارات: تعتبرك "سيد التاريخ الجزائري" . كيف تفسر هذه المكانة المركزية؟ ألفت كتباً عن تاريخ فيتنام والمغرب، وهما بلدان عشت فيهما لسنوات . ولكن، في فرنسا، الجزائر دوما في مخيلتي وهذا نتيجة لعمل دام خمسة وثلاثين عاما، ونشر عشرات المقالات، والكتب، وتحقيق العديد من الأفلام . وددت نقل معرفتي بتحقيق أفلام وثائقية لأجل التلفزة، وهو ما لم يقم به سوى عدد محدود من الجامعيين . هذا العرض يضاعف الشهرة، وأيضا الحميمية والغيرة . كل هذه الشروح لا تكفي . من دون شك حفرت طريقاً انبثقت عنه أسئلة جوهرية طرحت على المجتمع الفرنسي حالياً تتناول موضوعات مثل: التاريخ الكولونيالي والأقليات، والجاليات والجمهورية، والدين والهجرة . (1) مذبحة 17 أكتوبر 1961 تشير إلى القمع الذي مورس على تظاهرة سلمية لأجل استقلال الجزائر في فرنسا . حسب التقديرات، هناك مابين 32 و325 مغاربياً ماتوا تحت ضربات الشرطة الفرنسية التي كان يقودها آنذاك موريس بابون . ألقي بالعشرات من المتظاهرين في مياه السين، بينما مات آخرون في مراكز الاعتقال . أنكرت السلطات هذه المجزرة، ولم تعترف بها رسمياً إلا في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2001.