بهذه الكلمات عاد الرئيس فلاديمير بوتين قيصر روسيا الجديد الي عرشه في الكرملين بعد غياب لم يطل لاكثر من اربع سنوات, ليواصل مسيرته الذي ثمة من يقول انها قد تمتد الي عام.2024 متكئا علي ما حققه من انجازات خلال السنوات الماضية, عاد بوتين الي سدة الحكم في الكرملين ولم يكن غادر الساحة السياسية حيث طالما كان الحاضر الغائب الي جوار سلفه وخليفته دميتري ميدفيديف في سابقة كانت الاولي في تاريخ روسيا. عاد بوتين وكانت البلاد علي شفا السقوط فريسة مظاهرات المعارضة التي اجتاحت شوارع وميادين موسكو وكبريات المدن الروسية علي نحو جعل الكثيرين يتوقعون ربيعا روسيا علي غرار احداث ربيع البلدان العربية. ويذكر المراقبون ان موسكو استقبلت الاحتفالات بتنصيب بوتين في الكرملين بمحاولات من جانب فصائل المعارضة لافساد اجواء هذه الاحتفالات بالخروج الي شوارع موسكو تحت شعارات تطالب برحيله واعادة اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ولذا كان من الطبيعي ان يستهل الرئيس بوتين ولايته الثالثة بسلسلة من القوانين التي اقرها مجلس الدوما لوضع حد لتحركات المعارضة ومنها ما تناول تغليظ العقوبات بما يحد من نشاط المتظاهرين, الي جانب فرض الرقابة علي الانترنت, والحد من التمويل الاجنبي لمنظمات المجتمع المدني التي اعتبرها القانون الجديد ممثليات لمنظمات اجنبية واطلاق تسمية العملاء علي أعضائها!, وهو ما اثار في حينه الكثير من اللغط والسخط والاحتجاج في الداخل والخارج علي حد سواء. لم يكن بوتين في حاجة الي الكثير من الوقت لاستيعاب دقائق الامور وهو الذي كان منها علي مقربة. سارع قيصر الكرملين الي اعادة ترتيب امور البيت من الداخل, في نفس التوقيت الذي صارح فيه الخارج بان شيئا لم يتغير بشأن اصراره علي تأكيد هيبة بلاده ومواقعها علي خريطة السياسة العالمية.استهل الرئيس الروسي تحركاته بزيارة لبيلاروس معلنا بذلك اولوية علاقات بلاده مع شركائها القدامي في الفضاء السوفييتي السابق, دون اغفال اهمية اقطاب السياسة العالمية, وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة التي اعلن عن عدم ارتياحه لتراجعها عما سبق والتزمت به في علاقاتها مع روسيا, في اشارة الي تراجع واشنطن عن العديد من الاتفاقات مع موسكو في مجال الحد من التسلح بما في ذلك ما يتعلق بمشروعها حول الدرع الصاروخية واصرارها علي نشرها علي مقربة مباشرة من الحدود الروسية ما يخل بالتوازن العسكري السياسي الذي طالما بذل البلدان الكثير من الجهد من اجل اقراره. ورغم ان بداية الولاية الثالثة اقترنت بالاعلان عن انضمام روسيا الي منظمة التجارة العالمية بعد مداولات ومفاوضات طالت لما يقرب من العقدين من الزمان, فان ذلك لم يخفف من التوتر الذي شاب علاقات روسيا مع الولاياتالمتحدة والذي يزيد من حدته اليوم اقرار الرئيس اوباما لقائمة ماجنيتسكي التي اصدرها الكونجرس الامريكي وتنص علي فرض الكثير من القيود ضد كبار رجال الدولة في روسيا الي جانب تجميد حساباتهم وملاحقتهم في العواصم الغربية.وكانت واشنطن اختارت اسم ماجنيتسكي المحامي الروسي ممثل احدي المؤسسات المالية الامريكية في روسيا والذي لقي حتفه في السجون الروسية في اشارة الي ما ارادت به اتهام موسكو بارتكاب التجاوزات في مجال حقوق الانسان وهو سرعان ما رد عليه مجلس الدوما باستصدار قائمة مماثلة تحمل اسم ديما ياكوفليف وهو طفل يتيم لقي حتفه عن طريق الخطأ من جانب اسرة امريكية كانت قد تبنته منذ بضع سنوات. وينص المرسوم الروسي حول هذا الشأن علي حظر تبني الاطفال الروس من جانب امريكيين وفرض القيود المماثلة علي عدد من الشخصيات الامريكية وهو الامر الذي يكاد يفضي بالعلاقات الروسية الامريكية الي طريق مسدود بعد ان بادر الكونجرس بطرح اقتراح حول ادراج اسماء البرلمانيين الروس ضمن الشخصيات التي تشملها قيود قائمة ماجنيتسكي. ولعل توتر علاقات روسيا مع بعض البلدان الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة يمكن ان يكون تفسيرا لتركيز روسيا خلال العام الفائت علي توطيد علاقاتها بالشرق, سواء الخارجي منه والذي تمثله الصين والهند بالدرجة الاولي من جانب, أو بلدان الجوار القريب في اسيا الوسطي ومعها بيلاروس واوكرانيا في الجزء الاوروبي من الدولة الروسية من جانب آخر, وكانت موسكو قد عادت لتعلن مجددا عن زيادة حجم التبادل التجاري مع الصين والهند, في نفس الوقت الذي اعربت فيه عن ارتياحها لكون هاتين الدولتين الاكثر استخداما للسلاح الروسي ما ساهم في تحقيق روسيا للرقم القياسي هذا العام بحجم مبيعات اقترب من15 مليار دولار وهو رقم حملها الي المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة في اسواق السلاح العالمية. اما عن بلدان اسيا الوسطي فقد شهد العام الماضي ايضا استعادة روسيا للكثير من مواقعها في هذه المنطقة التي سبق وسجلت انحسار النفوذ الروسي فيها تحت وطأة الزحف الامريكي الذي كان تزايد كثيرا في اعقاب احداث سبتمبر2001. وكان بوتين توصل الي اتفاق مع نظيره القيرغيزي الماظ بك اتامبايف حول مد فترة بقاء القاعدة العسكرية الروسية قانت لمدة عشرين عاما في نفس الوقت الذي اتخذت فيه القيادة القيرغيزية قرارها باغلاق القاعدة الامريكية ماناس الموجودة ضمن منشآت مطار العاصمة القيرغيزية. وقد تضمن الاتفاق ايضا توسيع مجال وجود القوات الروسية ليشمل الي جانب القاعدة قانت المجاورة لمطار بيشكيك عددا من المراكز البحرية في مياه بحيرة ايسيك قول والبرية في بلدة قره بالطا بمقاطعة تشويسكايا ومركز دراسات الزلازل في مقاطعة جلال اباد. وقد نجح بوتين كذلك في التوصل الي اتفاقيات مماثلة في تاجيكستان سمحت لقواته الموجودة هناك منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق بمد فترة بقائها في نفس قواعدها العسكرية بشروط ميسرة مقابل الكثير من المعونات الاقتصادية الروسية فضلا عن موافقته علي فتح ابواب التكامل مفتوحة امام كل بلدان اسيا الوسطي. وكان ذلك في صدارة اسباب تراجع كل من قيرغيزيا وتاجيكستان عن موافقتها علي مد فترة بقاء القواعد العسكرية الأمريكية في هذين البلدين. أما قزقستان فقد بقيت وشأنها في السابق أحد أهم أركان سياسات التكامل التي تضم ايضا بيلاروسيا في الفضاء الاورواسيوي بوصفها من مؤسسي معاهدة التكامل الجمركي التي تواصل موسكو جهودها من اجل استمالة اوكرانيا الي الانضمام اليها.