عندما ذهبت توريا لو لمقابلة طبيبها لكي تشكو له من إحساسها المستمر بالدوار ومن الغثيان أحياناً قطع الطبيب بإصابتها بالتهاب في الأذن الداخلية وأخبرها بأنها ستعود لحالتها الطبيعية في غضون أسبوعين . ولكي يتمكن من معالجة الغثيان، وصف لها بعض العلاجات المقاومة للمرض ومنحها راحة 7 أيام من العمل . في الأسبوعين التاليين وبدلاً من شعورها بالتحسن بدأت توريا، التي تبلغ من العمر 29 عاماً وتعمل مديرة محتوى في شركة إنترنت، تشعر بأن حالتها أصبحت أسوأ . تقول توريا التي تعيش في جنوبلندن: »باتت حالتي أكثر سوءاً، وأصبحت أشعر بأن الغرفة تدور وتتمايل في كل لحظة أحرك فيها رأسي أو عنقي، حتى لو كانت الحركة خفيفة . لم أكن أفعل شيئاً سوى الجلوس على الأريكة، إذ لم أكن أقدر على الذهاب لأي مكان أو فعل أي شيء لأن أي حركة من الممكن أن تصيبني بالدوار . العلاجات لم تحدث أي تحسن في حالتي وكنت بالكاد أتمكن من الأكل لأنني كنت أشعر بإعياء شديد، وكنت أشعر بأن رأسي أصبح ثقيلاً جداً . كنت محبطة للغاية لأنني، وبجانب عملي بدوام كامل، أحرص على ممارسة رياضة الركض لمسافات طويلة وعندما كنت في حالتي الطبيعية، كنت أتمرن 4 مرات في الأسبوع، أنا لست معتادة على الخمول والجلوس من دون عمل . وقد توجب عليّ أن أعود للعمل بعد أسبوع، لكنني كنت أشعر بدوار شديد أرغمني على أن أتحسس طريقي في المكتب معتمدة على الجدار لكي أحافظ على السير في خط مستقيم . كان الأمر صعباً جداً لأنني كنت أشعر بأنني لست على ما يرام، لكنني كنت أشعر بارتياح عندما أجلس . توريا عانت أيضاً من مشكلات في التركيز والذاكرة . وتقول: لم أكن أقدر على تذكر ما فعلته وما لم أفعله في العمل، كنت قلقة للغاية . وبعد مضي أسبوعين على زيارتها الأولى عادت توريا مرة أخرى لطبيبها، الذي أحالها على اختصاصي أنف وأذن وحنجرة . وعوضاً عن انتظار دورها، استغلت تأمينها الصحي لاستشارة اختصاصي على نفقتها . وبعد بضعة أيام، أخبرها الاختصاصي بالنتيجة المفاجئة: صداع الشقيقة المصحوب بدوار، وهو نمط من أنماط مرض الشقيقة لا يسبب صداعاً، بل دواراً . وتقول: لم تكن لدي فكرة عن إمكانية إصابة المرء بصداع الشقيقة من دون صداع . قبل تعرضي لهذه الحالة ب 5 أعوام، أصبت بالشقيقة مرتين، تعرضت على إثرهما لإعياء شديد وألم مبرح، لكنني لم أعان من دوار في تلك الفترة . ووفقاً لورقة بحثية نشرت في مجلة »فيستيبيولار ريسيرش«، يعد مرض الشقيقة المصحوب بدوار، شائعاً، وهو أحد الأسباب الشائعة التي تؤدي للإصابة بالدوار . ويحدث هذا المرض بنفس الطريقة التي يحدث بها صداع الشقيقة التقليدي عبر تغيرات في انسياب الدم في الدماغ وهذه التغيرات تنجم في الأغلب من تشنجات غير معتادة وارتخاء في الأوعية الدموية . وعوضاً عن إصابة مراكز الدماغ، تستهدف مناطق الإتزان في الدماغ، وتؤدي بالتالي للإصابة بالدوار . ويقول الدكتور ديفيد سيلفادوراي اختصاصي جراحة الأنف والأذن والحنجرة في مستشفي ذا ليستر« في لندن ، الذي أشرف على علاج توريا: في أغلب الحالات يكون المريض قد تعرض لنوبة شقيقة أو من إعياء السفر في الماضي، ونحن لا نعلم لما تتحول الحالة بهذه الطريقة خلال حياة المرء . في الأغلب يكون لدى من يعانون من هذه الحالة، تاريخ من الإصابة بإعياء السفر، الذي يرتبط أيضاً بجهاز الإتزان . ويقول الدكتور سيلفادوراي: في العادة يصيب هذا النمط من الشقيقة النساء على الرغم من إمكانية حدوثه للرجال اللائي أصبن بالشقيقة في سنوات المراهقة أو في العشرينات ومن ثم لم يتعرضن لها ثانية . والبعض قد يكن تعرضن لصداع الشقيقة مرة واحدة فقط في الماضي . ويرى الدكتور آندي داوسون، مدير مركز الصداع في مستشفي كينغز بلندن أن الأطفال قد يعانون من الشقيقة عندما يكبرون . وإضافة للدوار، قد يعاني المرضى من أعراض أخرى . وفي هذا الصدد يقول الدكتور سيلفدوراي: قد يشعرون بعدم الإتزان باستمرار، وقد يشكون من بلبلة وتشوش في أذهانهم ونفور من الضوء، والصوت أو في حالات نادرة من الروائح . وبمجرد حدوث الدوار، يصبح جهاز الإتزان في الجسم، بحاجة لإعادة ضبط ذاتي، وهي عملية قد تستغرق أسابيع أو شهوراً . وكلما كان المصاب في صحة جيدة وأصغر سناً، حدثت عملية الضبط بسرعة أكبر . وإذا كان المرضى يصابون بنوبات الدوار المرتبط بالشقيقة عند كل بضعة أسابيع أو أزيد .لا يجد جهاز الإتزان أية فرصة لإعادة ضبط نفسه . والمشكلة تكمن في عدم تشخيص الحالة بسرعة . إذ تشخص بالخطأ باعتبارها مرضاً في الأذن مثل مرض التهاب التيه »التهاب في عمق الأذن الداخلية« أو تشخص بمرض مينير حالة أخرى يعتقد أن لها علاقة بالأذن وهي تصيب من يعاني منها بدوار . ولكن بخلاف هذه الحالات، يرى الأطباء أن مرض الشقيقة المصحوب بدوار، سهل العلاج، ولذلك من الممكن تجنب المعاناة طويلة الأمد التي تنجم منه . ويضيف الدكتور سيلفادوراي قائلاً: إذا كنت تعاني من نوبات دوار وتتسم بتاريخ من التعرض للشقيقة »خاصة إذا اختبرت بعض السمات الأخرى التي غالباً ما تترافق مع مرض الشقيقة التقليدي، كالنفور من الأضواء أو الروائح القوية فمن المحتمل أن تكون مصاباً بمرض الشقيقة المصحوب بدوار« . ويقول الدكتور سيلفادوراي: إن خطوة العلاج الأولى مماثلة للشقيقة التقليدية ذ تكمن في تجنب الأطعمة المنشطة للمرض مثل الكافيين والنبيذ الأحمر، الشوكولاتة، الفواكه الحمضية والزبادي . وثمة خلاف أو جدال يدور حول مدى علاقة الطعام بمرض الشقيقة، »في مرض الشقيقة التقليدي، يبدو أن الطعام ليس له تأثير كبير بالنسبة لكثير من المرضى« بالمقابل، يبدو أن المرضى الذين يعانون من مرض الشقيقة المرتبط بالدوار، يتسمون بحساسية شديدة للتغيرات في طعامهم . ومن الممكن تقليل الأعراض التي يعانون منها بتجنب هذه الأطعمة . رأيت نساء كن يبدأن يومهن بكوب من الماء الدافئ والليمون، وعندما امتنعن عن تناول هذا الحمض، تلاشت أعراضهن »هنالك نساء أخريات تطلبت حالتهن أخذ علاجات للشقيقة« . ويقول الدكتور سيلفادوراي: »في العادة نحتاج لإخضاع الناس للعلاج فترة تتراوح بين 4-6 أشهر، وهذه الفترة تمنح جهاز الإتزان في الجسم، الوقت اللازم لإعادة ضبط نفسه وتجعل حالة الأعراض مستقرة . ويمكن للمعالجة الطبيعية »الفسيوثيرابي« للدوار الدهليزي نمط من العلاج الطبيعي يشمل تمرينات رياضية لتحسين الإتزان يمكن لها أن تسرع التعافي، وهي مفيدة للمرضى المتقدمين في السن الذين يتسمون بقلة نشاطهم . وهنالك إمكانية لمعاودة المرض نتيجة للإجهاد البدني أوالنفسي . وبعد مضي شهر من إصابتها أول مرة بدوار، بدأت توريا تتناول الأطعمة الخالية من المواد المحفزة للشقيقة . وتقول توريا: »قابلت الاختصاصي في 23 ديسمبر/كانون الأول وكان الامتناع عن تناول الشيكولاتة والمرطبات في أعياد الميلاد قاسياً للغاية، لأنها الأشياء التي أستمتع بها كثيرا« . وبالرغم من إحساسها بتناقص الدوار، إلا أن أعراضها لم تتحسن وتعرضت لنوبتين سيئتين . ولذلك قررت استخدام عقار بيزوتيفين »pizotifen« الذي يُعتقد أنه يسهم في استقرار انسياب الدم في الدماغ، وبالتالي يمنع التغيرات التي تؤدي لنوبات الشقيقة . وتقول توريا: »في الأسبوع الأول كان الأمر صعباً لأن العقاقير كانت تشعرني بالنعاس« لكنني بدأت ألحظ سريعاً، أنني لا أشعر بدوار أو ضبابية في ذهني طوال الوقت، وأصبحت الأشياء التي تثير هذه المتاعب، أقل كثيراً عما كانت عليه سابقاً« . ومن ثم فرغت توريا من »كورس« العقاقير الذي استمر 10 أيام وبدأت تشعر بتحسن حالتها وأن صحتها عادت لسابق عهدها . وتقول توريا: »مع اقتراب نهاية المدة المحددة للعقاقير »الكورس«، قلصت المقدار الذي كنت أتناوله، وأخذت كوبين من المرطبات إضافة لشيكولاتة . يتوجب عليّ أن أكون حذرة، في عيد الفصح تناولت كمية كبيرة من الشيكولاته وشعرت بعدها بإعياء شديد . وقد قررت ألا أتناول أكثر من قطعتين من الشيكولاتة في اليوم . أنا منشرحة للغاية بعودة وضعي الصحي لسابق عنفوانه . كنت أتساءل عما إذا كنت سأشعر بالدوار بقية حياتي.