مأرب قلب الشرعية النابض    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موريتانيا بين "ربيع الرصاص" و"ربيع الشائعات"
نشر في الجنوب ميديا يوم 01 - 11 - 2012

هل تحمل نهاية الأسبوع الجاري المفاجأة للموريتانيين بعد نحو ثلاثة أسابيع من القلق والترقب الشديد حول مصير الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، الذي تعرض لطلق ناري من ثكنة عسكرية شمال نواكشوط في 13-10-،2012 في حادث احتل بجدارة الصدارة في قائمة الحوادث الأكثر غموضاً في تاريخ الدولة الموريتانية .
وفي ظل غياب المعلومات الرسمية الدقيقة حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس، وما يجري في دهاليز الدولة، باتت الشائعات تفترس الموريتانيين بما فيهم أعلى هرم النخبة السياسية، كما بدا مستقبل البلاد في ملتقى طرق التخمينات ورهن أكثر من سيناريو، في ظل انتقال بعض صناع القرار إلى موقف المراقبين .
لكي نوضح الواقع ميدانياً أكثر، نشير إلى أن الحكومتين الموريتانية والفرنسية - وحتى كتابة هذا الموضوع - لم تصدرا أي بيان رسمي بشأن صحة الرئيس، ولم يخرج الرئيس على مواطنيه منذ نقله للعلاج في باريس، كما انقطعت صلته بأغلب الدائرة الضيقة لمحيطه الرسمي والعائلي، وهكذا تسربت أنباء وصول تقرير طبي سري عن حالة الرئيس إلى قيادة أركان الجيش الموريتاني، التي عقد قادتها اجتماعاً طارئاً السبت الماضي، في ظل تعليمات إلى المناطق العسكرية برفع حالة التأهب، وقرار بتبعية »الحرس الرئاسي«، القوة التي يعتمد عليها ولد عبدالعزيز في تثبيت أركان حكمه، إلى قيادة أركان الجيش، بدل الرئيس، وكانت عدم تبعية هذه القوات الخاصة لقيادة أركان الجيش أكبر إشكال بالنسبة إلى ضباط قيادة الأركان .
وعلى ضوء هذه التسريبات، انطلق مصنع الشائعات في عملية تدوير ممنهجة، وعاش الموريتانيون في ظل أجواء الترقب بأن الجيش قرر التحرك لوضع حد لحكم ولد عبدالعزيز، بناء على حالته الصحية، أو انتهازاً للفرصة المؤاتية .
وهكذا نزل أقارب الرئيس إلى الشارع لأول مرة في تظاهرة تجدد مساندته، وترفض الانقلاب العسكري على حكمه، لكن المؤسسة العسكرية والحكومة التزمتا الصمت جراء حمى الشائعات رغم الضغط الإعلامي الشديد، ووحده الحزب الحاكم أصدر إيجازاً صحفياً اعتبر فيه أن المسيرات الشعبية العفوية، أفشلت »ربيع الشائعات« الذي تقف وراءه الجهات المحسوبة على المعارضة الراديكالية، معتبراً أن تلك الشائعات محاولة لإرباك القوات المسلحة والحكومة والأغلبية الرئاسية وخلق جو ملائم لتحقيق ما عجزت عنه المعارضة الراديكالية طوال ما يقارب عامين من المطالبة برحيل الرئيس محمد ولد عبدالعزيز عن السلطة، ولو كان ذلك بطرق ملتوية تعتمد الشائعة وتنتهز فرصة وجود الرئيس في فترة نقاهة بفرنسا .
ورأى الحزب أن المعارضة الراديكالية تحاول استغلال وجود رئيس الجمهورية في فرنسا لتأجيج الوضع الداخلي واختلاق أزمة حكم لا وجود لها إلا في مخيلات من يستعجلون الوصول إلى دفة الحكم بشتى الوسائل غير المشروعة وغير الأخلاقية.
فراغ
ورأت مصادر سياسية وإعلامية أن الانتشار المتزامن ل»ربيع الشائعات« في كل موريتانيا ليس أكثر من جس نبض للشارع الموريتاني حول إمكانية التغيير العسكري للسلطة، وأن بعض قادة المؤسسة العسكرية والأمنية ليسوا بعيدين من الشائعات التي سرت حول التحضير لانقلاب عسكري .
ويتضح الآن أن مسار الأحداث يتجه إلى احتمالين: إما أن يعود الرئيس وبصحة جيدة ووسط استقبال شعبي كرنفالي يشبه الأساطير، وفق ما يخطط له الحزب الحاكم وأنصار الرجل، ووسطه العائلي، وإما أن مظهر نواكشوط الهادئ، وشائعاتها الفوارة، وكواليسها التي تعاني زحمة تنسيقات سياسية وأمنية، شرعت في وضع الأمور في اتجاه آخر . ولأن موريتانيا يسيرها رجال وليس قائمة المؤسسات الشكلية المعلنة بما فيها الإدارية والتشريعية »فكل دوائر السلطة والنفوذ في الموالاة والمعارضة انتهزت فرصة أزمة الرئيس وتحاول الاحتفاظ بكل الاحتمالات مفتوحة لتتعاطى مع كل الخيارات الممكنة«، ولتستغل هذه الأزمة فيما يخدمها وفق التطورات »القدرية« المفترضة .
ويرى أحد المحللين الموريتانيين أن »الأزمة الصحية للرئيس عطلت عملياً مشاريع وتسيير الدولة، فمجلس الوزراء لم يجتمع منذ إصابة الرئيس، والتحويلات المالية الكبيرة توقفت، والتمويلات لا تضخ الآن في المشاريع، وهكذا فإن »الفراغ بعد أن كان تشريعياً أصبح تنفيذياً«، لأن السلطة التنفيذية تعطلت بإصابة الرئيس«، وبات الجهاز الحكومي والإداري والسياسي في حالة طوارئ لحين إشعار آخر .
لقد تم تسيير أزمة الرئيس الصحية بكثير من الأخطاء الفادحة حتى على المستوى الإعلامي، فيما تم قطع آخر شعرة اتصال ظاهرياً مع المعارضة بشقيها المحاور و»الترحيلي«، وحاول الغربيون جاهدين سد الثغرات العديدة في استراتيجية جميع الأطراف، وسط مخاوف من أي انزلاق في بلد كموريتانيا يقف على حدود الدولة السلفية الجديدة في الساحل الصحراوي .
إن أطرافاً سياسية موريتانية كثيرة لا تزال - مثل رجل الشارع العادي - متوقعة عند لحظة الحادث (الصدمة)، وتتساءل عن طبيعة الحادث الذي تعرض له الرئيس، وكيف روى ضابط شاب على شاشة التلفزيون الحكومي، أنه أطلق وابلاً من الرصاص على سيارة بها شخصان ملثمان لم يتعرف إلى هويتهما، وأنه لم يخضع لأي شكل من أشكال التحقيق ولم تتم معاقبته، بل تم الاستماع له فقط من قبل قائد أركان الجيش الذي أمره بأن يلتحق بعمله من دون أي متابعة .
ولكن أطرافاً أخرى، بدأت تفصل أدوارها بكل جدية وصرامة، معتمدة على أن »السلطة تماماً كالطبيعة لا تحتمل الفراغ« وفق تعبير أحدهم، فوضع البلاد مفتوح على كل الاحتمالات، حتى في حالة عودة الرئيس خارجاً بأقل الخسائر من محنة »النيران الصديقة« .
مراكز قوة
والحقيقة أن الرئيس ولد عبد العزيز واصل تلقي النيران الصديقة من أكثر من جبهة ومن مركز قوة محلي وإقليمي، الأمر الذي يفتح الباب أمام تصور وضع جديد دخلت إليه موريتانيا ويمكن تسميته ب»المرحلة الاستثنائية«، حيث تتحفز قوى للوصول للسلطة، وتحاول مراكز القوى في النظام إعادة تموضعها في ظل هذه الوضعية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد .
ويرى المحلل السياسي اتهامي ولد امحيمدات أن »مراكز قوى مختلفة ظهرت كل منها يحاول التحكم في جانب من جوانب الشأن العام« .
ومراكز القوى هذه تتوزع إلى أربع دوائر كبيرة:
الدائرة الأولى وعلى رأسها الجنرال محمد ولد الغزواني، قائد أركان الجيش، الذي يدير أمن البلاد والحدود وحركة الوحدات العسكرية وإبقاؤها في مواقعها البعيدة وخارج دائرة الحراك السياسي، ويعاونه أغلب قادة »المجلس الأعلى للأمن القومي«، إلا أن أوامر الجنرال غزواني، وفق مصادر مؤكدة، طالت الشؤون الإدارية وأوامر التسيير المدني (أمر برفض الخزينة دفع مستحقات المقاولين، وأمر بمنع مسؤولين من السفر)، كم تأكد أن قائد الأركان بات المرجعية العليا في غياب الرئيس، وجرت تسريبات عن تعديل جزئي في الحرس الرئاسي، الذي يعتبر القوة الضاربة للجيش، والذي يتبع مباشرة للرئيس، وهذه التعديلات في غياب الرئيس، تطرح الكثير من التساؤلات عما إذا كان الحرس الرئاسي فقد استقلاليته التامة سابقاً، وبات قادته أكثر تفهماً لدور وحداتهم في المصلحة العامة بدل خدمة شخص واحد هو رئيس الجمهورية .
ولا يخفى على أي متابع للشأن الموريتاني أن دور المؤسسة العسكرية يبقى حاسماً، فهي من تحمي الرؤساء وتصنع ماركاتهم المختلفة، وتختار ملابسهم المدنية أو العسكرية، وهي المؤسسة الوحيدة المنظمة والمتماسكة في البلد، عكس مؤسسات الجمهورية الأخرى، من خريطتها الحزبية، بما فيها الأيديولوجية، إلى فسيفسائها القبلية والاجتماعية والعرقية والجهوية، المتناحرة والمتناثرة .
والحقيقة أن كل مراكز القوى المتنافسة في هذه الظرفية، إنما تدور في فلك المؤسسة العسكرية، حتى أغلب تلك القوى التي تنادي بخروج الجيش من السلطة وإرساء دعائم الدولة المدنية، بل إن صراع مراكز القوى المدنية الموريتانية يعكس صراع النفوذ داخل الجيش وضباطه .
الدائرة الثانية، بحسب محللين موريتانيين »هي دائرة رئيس الوزراء (الوزير الأول) مولاي ولد محمد الأغظف وأعضاء حكومته«، وهذه الدائرة التي لا يتجاوز »قطرها« في الوضعية الاستثنائية الحالية دور حامل الأختام، مع ذلك يمكنها ترجيح الكفة في حالة أي صراع داخلي ينشب على رأس السلطة، من دون أن ننسى هنا أن رئيس الوزراء وأغلب أعضاء الحكومة ينتمون للمنطقة الشرقية التي ينحدر منها قائد أركان الجيش، واغلب ضباطه، ورئيس الحزب الحاكم أيضاً، وهي منطقة تخوض صراعات استحواذ تقليدية مع بقية جهويات البلاد، وكانت متهمة بأنها من حمى نظام ولد الطايع طوال عشرين سنة، قبل أن تكون مسمار نعشه .
أما الدائرة الثالثة، بحسب هؤلاء المحللين، فهي الوسط العائلي للرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي تعد قبيلته الأغنى في البلاد، وقد تسربت أنباء تفيد أن أقارب الرئيس قلقون من تصرفات قيادات الجيش، ودرجة ولاء تلك القيادات لنظام ولد عبدالعزيز، فيما تتسرب أنباء أخرى كثيرة عن لائحة »تصفيات زبونية« جاهزة في انتظار عودة الرئيس، بموجبها سيتم التخلص من رجال وقوى كثيرة في البلاط .
لكن هذه الدائرة، المتخوفة على مصالحها المالية والنفوذية، لا يعتقد أنها تملك تأثيراً كبيراً في مجريات الأمور حالياً، خاصة في حالة ما إذا قررت المؤسسة العسكرية والقوى المهيمنة على القرار الموريتاني في هذه الظروف، اتخاذ منعرج جديد بالتخلص من الرئيس تحت ذريعة ما، أو وفق رواية المؤامرة التي تروج على أن الحادث الذي تعرض له الرئيس ولد عبد العزيز هو انقلاب نفذ شقه الأول في ظلام بوادي موريتانيا، وشقه الثاني تحت أضواء باريس .
الدائرة الرابعة، هي المعارضة الموريتانية بشقيها المحاور والراديكالي، ويجب التنبيه هنا أن لدى هذه المعارضة حالياً دستورياً إمكانية إبلاغ بغشور المنصب الرئاسي، حيث يخول الدستور رئيس البرلمان إبلاغ المجلس الدستوري بحالة الشغور الرئاسي .
لكن على مستوى المعارضة المحاورة التي تحوز هذا الامتياز لا يتوقع أن تتخذ أي خطوة سياسية »انقلابية« إلا بترتيب مسبق مع العسكر، فيما تحاول منسقية المعارضة الراديكالية استغلال الظرفية الحالية بأسلوبها الخاص الذي لا يبدو مفهوما لكثير من المراقبين، ويعتقد أن الجهات الغربية تكفلت بهذه المعارضة ولو إلى حين، فبعد مسلسل اللقاءات التي دارت بين الغربيين ورؤساء المنسقية، »استدعي« زعيم المعارضة أحمد ولد داداه إلى باريس تحت يافطة ضيف شرف على المؤتمر العام للحزب الاشتراكي الفرنسي (الحاكم)، وبذلك غيب »الزعيم« عن العاصمة نواكشوط لأمر واضح الدلالة .
ما هو مفاجئ أكثر للمحللين أن تقف المعارضة الموريتانية موقف المتفرج في هذا التوقيت »الملائم« والحساس والحاسم، فبعد إعلانها الثورة والعزم على النزول للشارع للمطالبة برحيل النظام بحجة عدم شرعية المؤسسات الدستورية، وفساد الرئيس، تبادر إلى تجميد نشاطاتها الاحتجاجية تحت لافتة »الموقف الأخلاقي«، ثم تسارع إلى جس النبض والانتظار في طابور المنتفعين من تطور الأحداث، أو تنزل إلى ساحة نصائح القوى الغربية التي تريد تأمين وضع ما يخولها ذهاب موريتانيا إلى »حرب الوكالة« التي تقرع طبولها في »أزواد« (شمال مالي) .
فهل تسعى المعارضة الموريتانية بمواقفها هذه إلى إقناع النظام بأنها بديل عن ائتلاف الموالاة، واستعطافه مقابل موقفها الأخلاقي لتحصل على حصة من السلطة، وهي التي كان الرئيس نفسه يردد أنها لا تتحرك إلا من أجل مصالحها الشخصية و»من أجل أن تحصل على شيء«؟
أم دخلت منسقية المعارضة في مقايضة التهدئة داخلياً وإقليمياً وقبول مشاركة موريتانيا في الحرب في شمال مالي، مقابل إزاحة الجنرال عزيز، عبر ما يتسرب أيضاً عن التشجيع اللامحدود للقادة العسكريين الحاليين على التحرك ووضع نهاية لحكم نظام الجنرال الأكثر إثارة للجدل في تاريخ البلاد؟
وهل صحيح أن بعض قوى هذه المعارضة جربت خلال الأيام الماضية مساومة العسكر على بدء الإجراءات العرفية، وإعلان مرحلة انتقالية توافقية برئاسة شخصية معارضة، على أن يزكي للجيش مرشحه الخاص في أول انتخابات رئاسية يتم تنظيمها؟
وما علاقة كل ذلك، بالترويج للقرار الطارئ للمعارضة والذي يتزامن مع »ربيع الشائعات«، وهو القرار القاضي بالتظاهر الأسبوع المقبل من أجل تفعيل الدستور - على ضوء الحالة الصحية للرئيس- والتشاور من أجل اتخاذ القرارات الكبرى، إلى غير ذلك؟
هل هذه خيبة أمل في نتائج المساومات السرية مع أصحاب النياشين، أم تمهيد الأرضية لدفع أطراف المشهد السياسي إلى تنفيذ بعض الإرادات المبيتة لدى الدوائر الممسكة الآن بزمام السلطة في نواكشوط؟
وبتعبير أدق . . هل أوعز الجنرالات للمنسقية بتحريك الشارع من أجل تبرير الجزء الثاني من الانقلاب، بعد أن تم تسويق الحالة الصحية للرئيس بتشويش وفوضوية لا ترضى بها العواصف الشتوية، ما زاد من قناعة البعض بأن »المؤامرة« التي تعرض لها الرئيس فصول متوالية اقتضتها حبكة الظروف أم العكس؟
أي ثمن حصلت عليه المعارضة الموريتانية من هذه الأزمة، وأي خسارة خرجت بها الموالاة، والأهم إلى أين تتجه موريتانيا بعد »ربيع الرصاص«، »وربيع الشائعات« وما مشهد الفرجة المقبل بعد أن تحركت الستارة، وأظهر التعاطي مع أزمة الرئيس كثيراً من الشخصنة، وزاد في رتوق الوضع المؤسسي للبلاد؟
سيناريوهات
يرى زعيم اليسار الموريتاني المصطفى ولد بدر الدين أن مستقبل الوضع في موريتانيا لن يخرج عن أحد السيناريوهات الثلاثة التي أوردتها »الخليج« في تحليلها الأسبوع الماضي، وخلاصتها: رئيس يعود بحالة صحية جيدة ويواصل بالأسلوب السابق نفسه، أو عودة الرئيس بحالة صحية ضعيفة أو متوسطة وتقديم تنازلات، أو قفز قوى جديدة إلى السلطة مستغلة الوضع، مضيفاً »أن الاحتمال الأخير هو الأقوى« .
على خرائط مصممي السيناريوهات، وكهنة المحللين، وعيون المراقبين الشاخصة، تبدو موريتانيا مقبلة على »تغيير« من »نوع ما«، فهنا في نواكشوط من يعتقد أن حكم محمد ولد عبد العزيز أصبح من الماضي، وأن نظامه يفصل الآن وجهاً رئاسياً آخر، وهناك من يعتقد العكس، وأن كل هذا الضجيج عائد إلى القطار العتيق للمعارضة التاريخية التي تحاول إرباك الجيش، وإعادته إلى لعبة تغيير الأقنعة، وأن »التغيير« حتمي، لكن في أجنحة البلاط، وليس في رأسه .
مَنْ ينتصر على مَنْ؟ الرئيس على وضعه الصحي الصعب، أم الجنرالات في أحلامهم، أم المعارضة في »ضربة الحظ« التي سجلتها بالنيابة عنها من قبل أطراف أخرى؟ ذلك ما ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة، وفي غضون ذلك يمكن للموريتانيين اللعب على المفاهيم والمصطلحات التي يستنبتون منها ربيعهم الخاص، سواء كان »ربيع رصاص« أو »ربيع شائعات« .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.