البلدان العربية والإسلامية شهدت ظهور العديد من الحركات الفكرية التي توصف بأنها (ليبرالية إسلامية) ، تنظر إلى الإسلام بأنه ينادى بقيم الحرية وحقوق الإنسان والمساواة الليبرالية وفصل الدين عن الدولة وغيرها من المبادئ التي توصلت إليها الحضارة الغربية حديثا، بيد أنه نادى بها من قبل ذلك بزمن بعيد . في الوقت الذي يرى فيه عبدالرحمن الوابلي ان الليبرالية ليست ديناً أو مذهباً، حتى تطرح نفسها كبديل للدين في تأويله وتفسيره ونشره بين الناس بل تطرح نفسها كرؤية لإدارة الشؤون الدنيوية، المدنية، ولا تتدخل في الأمور العقدية والفقهية ، فان فهمي هويدي يرى ان عبارة (الإسلام السياسى) على الجماعات والأحزاب التى تنطلق من المرجعية الإسلامية ينبغى أن تتغير لكى نتحدث عن الإسلام الليبرالى ، وهو ما يدعو اليه السيد يسين، الذى كان دائم النقد للحركات الإسلامية طوال السنوات الماضية. ويعرج الوابلي على السؤال الذي يطرحه البعض وهو : ما حاجتنا إلى الليبرالية ولدينا الإسلام؟ .. فيقول : صاحب هذا السؤال ، إما جاهل بالإسلام أو جاهل بالليبرالية، أو جاهل بهما معاً، في ظل تزييف الواقع وتغييب الوعي ، فالمذاهب والمدارس الإسلامية القديمة والحديثة، لا تختزل الإسلام بطروحاتها، إلا أنها تجزم بأنها الأقرب لتمثيله روحاً ونصاً، مع اختزال الإسلام بها من بعض متعصبيها، ومع ذلك لم يتجرأ أحد على طرح السؤال وهو: ما حاجتنا للسلفية أو الإخوانية أو الدعوية أو غيرها ولدينا الإسلام؟ ولكن من السذاجة كذلك طرح مثل هذا السؤال على أي مذهب أو مدرسة إسلامية، كون الإسلام أعم وأشمل وأثرى من أن يختزل بمدرسة أو رؤية بعينها على مر العصور وانتشار المسلمين في أرجاء الكرة الأرضية. وهذا دليل على ثراء الإسلام وكونه صالحا لكل زمان ومكان، وما زال الإسلام يقبل ويتسع لرؤى ومدارس إسلامية جديدة، ما دام باب الاجتهاد مفتوحا ويعتبر أحد مصادر التشريع في الإسلام. ليبرالية إسلامية جدير ذكره ان البلدان العربية والإسلامية شهدت ظهور العديد من الحركات الفكرية التي توصف بأنها (ليبرالية إسلامية) ، تنظر إلى الإسلام بأنه ينادى بقيم الحرية وحقوق الإنسان والمساواة الليبرالية وفصل الدين عن الدولة وغيرها من المبادئ التي توصلت إليها الحضارة الغربية حديثا، بيد أنه نادى بها من قبل ذلك بزمن بعيد ومن قلب صحراء لم تعرف معنى الحضارة المدنية. وغالبا ما تدعو تلك الحركات للتحرر من سلطة رجال الدين والفصل بين آراء رجال الدين الإسلامي وبين الإسلام ذاته، ويميلون لإعادة تفسير النصوص الدينية وعدم الأخذ بتفسيرات رجال الدين القدامى للقرآن والسنة. ويشير فهمي هويدي الى رأي الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، راموند وليام بيكر الذي كان ، بحكم عمله ، على مقربة من تيارات الفكر الإسلامى المعاصر ، وأصدر فى العام 2003 كتابا تحت عنوان ( إسلام بلا خوف مصر والإسلاميون الجدد المعاصر) ، وكانت فكرته الأساسية أن التيار الإسلامى فى تحولاته المعاصرة لا ينبغى أن يثير الخوف سواء فى داخل المجتمعات الإسلامية أو فى البلاد الغربية، بعدما اتجه أنصار الإسلام السياسى إلى الليبرالية وفق اجتهادات متنوعة. تطبيق على أرض الواقع واذ امتدحت مجلة (جين افريك) الصادرة باللغة الفرنسية حزب النهضة التونسى. واعتبرت توجهاته الليبرالية تطورا مهما فى مشروعه الفكرى ، فان هويدي أثار الموضوع مع الشيخ راشد الغنوشى رئيس الحزب وكان رده أن "ما نحاول تطبيقه الآن على أرض الواقع هو ذاته الذى كنا نتحدث عنه فى الثمانينيات. وكل الذى حدث أنهم ظلوا طوال السنوات التى خلت ينظرون إلينا بنظارة سوداء، فرأونا إرهابيين ومتطرفين وظلاميين. لكنهم حين خلعوا النظارة بعد إعلان نتائج الانتخابات رأوا فينا ما لم يروه من قبل، فى حين أننا لم نتغير". من جانبه يؤكد الوابلي ان "الليبرالية هنا ليست دينا أو حتى مذهبا أو مدرسة دينية، ناهيك عن أن تطرح نفسها كبديل للدين أو حتى مزاحم للمذاهب والمدارس الإسلامية، في تأويل الدين وتفسيره ونشره بين الناس ، إنها تطرح نفسها كرؤية لإدارة الشؤون الدنيوية، المدنية لا غير، ولا تتدخل في الأمور الدينية العقدية ولا حتى الفقهية، وإنما تتركها لأصحاب المدارس والمذاهب الإسلامية وأتباعها ". الفصل بين الدين وإدارة الحياة ان الهند الهندوسية وماليزيا المسلمة واليابان البوذية، وأميركا المسيحية؛ كلها تتخذ من الليبرالية أسلوبا لإدارة حياتها العامة، مع احتفاظ كل منها بدينها وطابعها التقليدي الرسمي للبلاد. ومع ذلك لم يتجرأ أحد من مواطني تلك الدول، طرح السؤال: ما حاجتنا إلى الليبرالية ولدينا ديننا الرسمي الذي نؤمن به ونتقرب به إلى الله؟ وذلك لوجود الوعي الرشيد بالفصل التام بين الدين وإدارة الحياة. ويرى الوابلي في نفس الوقت اننا سنشهد أن "الإسلام، لن يتأثر بذلك إلا إيجاباً من ناحية المزيد من الأنسنة والتعايش السلمي والتفاعل الحضاري مع الحضارات الأخرى، أي بتخليصه مما ألصقه به الفكر المتطرف والمتشدد والمعادي لكل ما هو مغاير". ان الليبرالية بحسب الوابلي ، "ستزيد من ثراء الإسلام ، ويثبت على أرض الواقع والمجرب أن الإسلام فعلاً وبحق صالح لكل زمان ومكان، وهذا ما يؤمن ويبشر به بكل ثقة ومعرفة ، الليبراليون. وكذلك سيزيد الإسلام الليبرالية ثراء ويصبغها بصبغته العالمية و التاريخية ، ليجعل منها فكرا إنسانيا عريقا ضاربا أطنابه في تاريخ ووجدان شعوب الأرض قاطبة ". الدين الإسلامي ينتعش ويرى الوابلي في مقاله في صحيفة الوطن السعودية ان الإسلام أكثر دين ينتشر في المجتمعات التي تطبق الليبرالية كمنهج ورؤية لإدارة شؤونها الحياتية العامة، ولا نسمع عن انتشاره في الدول التي تنتهج النظم الديكتاتورية الشمولية الاستبدادية. أي أن الدين الإسلامي ينتعش وينتشر أكثر في أجواء الحرية والتسامح، التي هي أهم قيم الليبرالية. يعتقد الوابلي ايضا بأننا نشاهد ونلمس اليوم تشكل بدايات ليبرالية عربية حقة، بعد ثورات الربيع العربي، التي شارك فيها الإخوان والسلفيون وغيرهم من أصحاب الفكر الإسلامي الذين لم يكن فكرهم يتسع لفكرة الليبرالية أو الديموقراطية، بل يحاربها. وستنضج الليبرالية العربية مع الممارسة والتجربة، والخطأ والتصحيح، مثل ما هو حادث في مصر وتونس واليمن، لتصل إلى ما وصلت إليه الليبراليات العريقة. وكذلك سنشهد داخل الليبرالية العربية تنوعات، مثل ما هو موجود في أوروبا والعالم كله. الإسلام (الاجتهادي) ما يلفت في سياق الموضوع ، ان هناك الكثير من المثقفين والمفكرين الاسلاميين والليبراليين يميزون مجموعة كبيرة من الأفكار الليبرالية داخل الإسلام، اذ يسمها البعض بالإسلام (الاجتهادي) وسماه آخرون ب(الإسلام التقدمي)، في حين يرى اخرون نقيض ذلك ، فيجدون في الإسلام الإصلاحي التقدمي والإسلام الليبرالي حركتين مختلفتين ضمن دين الإسلام ، في حين يعرّف آخرون الإسلام الليبرالي بأنه امتداد لحركة الإسلام (التنويرى) الذي تأسس على يد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا في العصر الحديث.