الأزمات السياسية وراء إتساع الفجوة الإقتصادية بين الدول الشرق الأوسط * عائدات النفط تؤمن لشعوب الدول المنتجة الحياة الكريمة مواضيع ذات صلة تحدث تقرير صدر أخيراً عن الفجوة الاقتصادية بين بلدان الشرق الأوسط، ووصف المنطقة بأنها عالمان مختلفان، دول تحقق عائدات مرتفعة من الطاقة والنفط، ودول تعاني أصلاً ضعفاً اقتصادياً، إضافة إلى عدم استقرار سياسي زاد في تأزمها. جاء العام الجديد يرافقه تذكير مزعج باتساع الفجوة الاقتصادية بين بلدان الشرق الأوسط الغنية وبلدانه الفقيرة واستمرارها في الاتساع يوماً بعد آخر في أعقاب الربيع العربي. وفيما تتواصل أزمة الجنيه المصري، رغم ضخّ 2.5 مليار دولار لدعمه من الدوحة، فإن قطر وقريناتها من دول الأوبك حققت عائدات قياسية بلغت 1.05 تريليون دولار في العام الماضي، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز. يشكل هذا الاختلاف الصارخ في حظوظ دول ودول، جزءًا من صورة أكبر رسمها تقرير أصدره في الأسبوع الماضي بنك اتش اس بي سي.، ويتحدث التقرير عن منطقة لا تعيش بلدانها في عالمين مختلفين فحسب، بل وبأبعاد متوازية ايضًا. ففي أحد هذين العالمين، تحقق أسعار الطاقة المرتفعة عائدات تتيح للدول النفطية إغداق المال على شعوبها وتنفيذ مشاريع داخلية عملاقة وخوض مغامرات في مضمار السياسة الخارجية، على حد تعبير صحيفة فايننشيال تايمز. وفي العالم الآخر، تُدفع اقتصادات ضعيفة أصلاً إلى المزيد من التأزم بسبب انعدام الاستقرار السياسي وافتقارها إلى الموارد الطبيعية ومشاكلها المالية البنيوية المزمنة. جاء في تقرير بنك اتش اس بي سي "أن 2013 يبدو مرشحًا لأن يكون عامًا آخر من التخمة والمجاعة بالنسبة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وأضاف التقرير "بالنسبة إلى البلدان النفطية نرى عامين آخرين من الوفرة، ولكن بالنسبة إلى باقي دول المنطقة فإن تصاعد الخطر السياسي يرفد طائفة من الاتجاهات السلبية، التي أدت إلى ضعف النمو، واتساع مواطن الخلل في الموازين الخارجية والمالية وتعاظم الضغوط المالية". وفي حين أن فكرة وجود شرق أوسط ذي مسارين مختلفين اقتصاديًا فكرة قديمة قدم اكتشاف النفط الذي يُثري بلدان الخليج منذ عقود، فإن الغليان السياسي في المنطقة خلال العامين الماضيين عمل على تكريس الفوارق القديمة وأوجد فوارق جديدة. وأسهم الاضطراب السياسي في دفع سعر خام القياس مزيج برنت الى 100 دولار أو أكثر طيلة العام الماضي باستثناء 24 يومًا، فإن أضرارًا فادحة لحقت باقتصادات البلدان الفقيرة وذات الدخل المتوسط، مثل سوريا ومصر واليمن. ويُخمَّن الآن أن عائدات دول مجلس التعاون الخليجي الست من النفط خلال الفترة الواقعة بين 2010 و2014 ستزيد على عائداتها خلال السنوات الخمس عشرة الماضية كلها، بحسب تقرير بنك اتش اس بي سي. وفي الفترة الواقعة بين 2004 و2014 ستبلغ مدخرات دول المجلس 2.4 تريليون دولار، أو ما يقرب من اجمالي الناتج المحلي لبريطانيا. ولكن الوضع الاقتصادي للعديد من البلدان الأخرى شمال الخليج وغربه يتفاوت من المقلق الى السيء. وفي مصر، اكبر البلدان العربية سكانًا، انخفض حجم الانتاج الصناعي والطلبيات الجديدة وتشغيل الأيدي العاملة خلال النصف الثاني من العام الماضي، مع تفاقم المشاكل في كانون الأول/ديسمبر، الذي شهد مواجهات فجّرها الخلاف على الدستور الجديد. كما تسبب النزاع السياسي في تعطيل التوقيع على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. ولكن القرض حتى لو مُنح ما كان ليغطي إلا نسبة ضئيلة مما تحتاج حكومة الرئيس محمد مرسي اقتراضه هذا العام. واشار التقرير الى أن تونس وليبيا، اللتين تمران بمرحلة انتقالية بعد اسقاط الدكتاتورية على غرار مصر، في وضع أفضل منها نسبيًا، لكنّ البلدين ما زالا بعيدين عن الدخول في طور الازدهار. ورغم أن التقديرات تشير الى أن اجمالي الناتج المحلي تضاعف في ليبيا أكثر من مرتين في العام الماضي بعد استئناف انتاج النفط فإن الاقتصاد ما زال اصغر حجمًا منه قبل الحرب الأهلية عام 2011. وتمكنت تونس من تفادي الانزلاق الى نزاع مسلح خلال ثورتها ضد زين العابدين بن علي، التي احتفلت بذكراها الثانية يوم الاثنين، ولكن اقتصادها أسير دوامة من ارتفاع معدلات التضخم ونقص فرص العمل. وفي المشرق، تبدو الصورة أشد قتامة في المنطقة التي تشكل سوريا محورها. وفي حين أن الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري نتيجة النزاع بين نظام الرئيس بشار الأسد وقوات المعارضة ليس مفاجئًا، فإن الاردن يواجه مصاعب جمة وسط الاحتجاجات الشعبية المتقطعة، لكنها تزداد سخطًا باستمرار. وانفجرت موجة تظاهرات جديدة بوجه حكومة العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في تشرين الثاني/نوفمبر بسبب ارتفاع اسعار المحروقات، بعد الغاء الدعم في محاولة لخفض هذا العبء، الذي يُقدر بنحو 2.3 مليار دولار سنويًا، مساهمًا في رفع عجز الميزانية الى مستوى قياسي.