دفع الاخوان بأنصارهم إلى ميدان التحرير في مصر وقبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بثلاثة أيام، وموقفهم هو إما أن يعلن فوز مرشح الاخوان "مرسي" وإلا فمصر ستدخل في اقتتال وحرب أهلية ليصبح احتمال عدم فوز مرشح الاخوان هو إعلان للجهاد من قبل الاخوان. هذا الموقف للإخوان لا يعني إلا خوف الاخوان من احتمال وارد لفوز المنافس لمرشحهم، وفي أحسن افتراضات حسن النوايا الخوف من تزوير الانتخابات في غير صالح الاخوان ومرشحهم. هذا الموقف للاخوان تقبل قراءته على أنه ضغط لإعلان فوز مرشح الاخوان، وإن بتزوير ضد المرشح الآخر من أجل استقرار مصر وتجنب اقتتال أو حرب أهلية. الاخوان إذاً لم يؤسسوا فقط لرفض نتيجة انتخابات في غير صالحهم، بل إنهم هددوا بالعنف والاقتتال بل وبحرب أهلية وجهاد إذا لم تكن نتيجة الانتخابات هي ذلك. الدستور الذي أُعد من طرف الإخوان أو تحت هيمنتهم وقد باتوا هم النظام وما أصدره الرئيس "مرسي" من إعلانات وقرارات من نزوع ديكتاتوري، كان موضع خلاف إلى درجة انقسام واضح داخل الشعب وغير مسبوق في تاريخ مصر. إذا المعارضة أو القوى الليبرالية والمدنية رفضت– افتراضا- نتيجة الاستفتاء إن جاءت محصلته "نعم"، فهؤلاء على الأقل لا يترجمون الرفض إلى موقف تفعيل العنف أو الاقتتال ونحوه كما موقف الإخوان المشهور في ميدان التحرير. من فرضية الإخوان لاحتمال تزوير الانتخابات الرئاسية فالمعارضون لهم يتصرفون من احتمال هو أقوى لتزوير في الاستفتاء على الدستور، وقد تابعت عبر الفضائيات شكاوي ومخالفات تعتبر مؤشرات أو قرائن، وكتابتي لهذه السطور هو بعد مد التصويت حتى الحادية عشرة من ذات اليوم. إذا الإخوان كطرف أسسوا لحق رفض نتيجة انتخابات بل وأسسوا لرفض ذلك بكل وسائل وقدرات العنف، فإنه كان عليهم- على الأقل- بعد الوصول إلى الحكم الوقوف أمام تبعات وتداعيات ذلك كواقع ووعي. الانقسام في اصطفاف الثورة حدث منذ الاحتشاد الإخواني السلفي في ميدان التحرير، والرفض للمنافس "أحمد شفيق" هو الذي أبقى اصطفافاً وليس التوافق على "مرسي"، وذلك ما كان يستوجب معالجة من طرف الإخوان بعد الوصول إلى الحكم. ربما ليس هناك من قضية ولن تأتي لمعالجة أفضل من صياغة الدستور وإعداده أو إنجازه. لو أن الإخوان كان طرفاً واعياً أو مثل الوعي في استقراء تداعيات التحولات لترك القوى الشريكة في الثورة تصيغ الدستور، أو أعطاها ال"50+ 1" في الجمعية التأسيسية وكانت مكاسبه من خلال ذلك أكثر وأبعد وبشكل مضمون ومؤكد. مشكلة الإخوان ستظل في التحجر وعدم التحرر من النمطية حين يكونون في المعارضة كما حين يصبحون في الحكم، ولذلك فإنهم حتى حين يصبحون في الحكم ينزعون للصراع واقعياً وسياسياً مع الآخر، ولا يملكون حنكة وحكمة التعامل مع الواقع السياسي وإدارة الواقع العام. إذاً للإخوان تاريخ لا ينكر في مصر فهو تاريخ صراع كنا نحمل مسؤوليته الطرف الآخر من عهد عبدالناصر حتى مبارك، لأنه لا يمكن تحميل الإخوان المسؤولية وهم ينفون ويسحلون أو يزج بهم في السجون ويعذبون. ولذلك وحين مجيء محطة 2011م الأميركية الغربية إخوانية، فنحن نعرف أن الإخوان ليسوا من الديمقراطية ولا يطبقونها في فكرهم، فهل سيكونون ديمقراطيين في ممارساتهم وأفعالهم حين الوصول إلى الحكم؟!. هنا تكمن مشكلة الإخوان حين يقدمون على الأفعال السطحية والتفعيل السطحي كديمقراطية فيما جوهر الأفعال والتفعيل هو غير ذلك، ولذلك فالإخوان في مصر يعيشون صراعات داخلهم وبينهم وفي بينياتهم وتباينهم بين اضطرار مفروض من المحطة لديمقراطية أوصلتهم إلى الحكم وبين حتميات في فكرهم وفي ثقافتهم بل وفي أهدافهم وغائيات لهم. الثورة وقواها التي ظلت شريكة في تصعيد مرسي رفضاً لشفيق ظلت شريكة في الانقلاب على المجلس العسكري رفضاً لما أسمي "حكم العسكر"، ولكن مرسي "الإخوان" سار إلى الانقلاب على القضاء وعلى الشعب في إعلاناته الدستورية، وذلك اصطدم بثقل الثورة الحقيقي وأعاد اصطفافها. مرسي حتى وقد أصبح الرئيس تصرف بشكل أو بأسلوب مشابه لخط الإخوان لفرض نجاح "مرسي" أو خيار العنف. فمن الشك بتزوير انتخابات فالإخوان سيدمرون مصر من ميدان التحرير ما لم يعلن فوز مرشحهم، وحين يصبح مرشحهم هو الحاكم ويشك في تآمر على النظام يمارس ما لم يسر فيه عبر التاريخ إلا "هتلر" أو "موسليني". حتى لو وجد تآمر أو مؤامرة فهي كمشكلة أقل بكثير من هذا التعامل الفوقي الهمجي والديكتاتوري، وكل ما كان على مرسي اطلاع القوى والرموز الأساسية في الثورة، وذلك يكفي لأن تحل حتى لو رفضوا أو مارسوا تملصاً افتراضاً. الإخوان هم أصدق من يجسد الديكتاتورية من خلال الديمقراطية و "مرسي" هو الديمقراطية من طرف الشعب والديكتاتورية من طرف الإخوان، وواقعياً هو موظف مع "الإخوان"، ومن الظرافة في لطف تخريجات ديمقراطية للغطاء والتغطية على مثل ذلك قوله "ليس لي حقوق ولكن علي واجبات" أو أنه "خادم الشعب". فكر الإخوان وثقافتهم تجعل المستحيل أن يشاركوا الآخرين شراكة ديمقراطية، والطائفية أو المذهبية هي الأنسب لشراكتهم حتى وإن لم يكونا على وعي بهذا، ولذلك فهم أفضل الأطراف التي تدفع أي واقع أو المنطقة برمتها إلى الديمقراطية الطائفية والمذهبية، وهذا ما يعتمل في مصر وهو تفعيل الإخوان بوعي أو بدونه. الفيتو الأميركي الرافض للثورات والديمقراطية في بلدان الخليج هو مؤقت ومرتبط على الأكثر بسقف وكيفية حسم الصراع مع إيران، وبعد ذلك ستعم المنطقة وتعمم عليها الديمقراطية المذهبية الطائفية، وستكون أميركا كما تؤكد قراءتها في وضع قدرة لتحافظ على مصالحها في ظل هذا التغيير ولحل الصراع مع إسرائيل والسير في إعادة تشكيل خارطة المنطقة. أهم أدوار الخط الأميركي في المنطقة هي التي تؤديها أطراف اللا وعي بها كما الإخوان وإيران، مقابل الأدوار المباشرة في تصفيف المنطقة أميركياً الذي يصبح اصطفافا للمنطقة أو في المنطقة. لا اعتقد أن الإخوان في مصر وعلى مستوى المنطقة سيراجعون وعيهم أو يعيدون استقراء تموضعهم، والمنطقة تنتظر التعامل مع إيران ومع روسيا والصين في التغييرات المؤمركة للمنطقة.