عندما نتحدث عن انتخابات فهي تعني وصول طرف إلى أغلبية في برلمان وإلى إنجاح مرشحه للرئاسة، وبالتالي فالانتخابات هي حق لكل الناس، ولكن لينجح طرف في الوصول إلى الحكم أو تكتل. عندما نتحدث عن الدستور فعن دستور البلد ولفترات لا ترتبط بسقف انتخابات ونجاح طرف أو فشله في الوصول إلى الحكم، ولذلك فالدستور لا علاقة له بأغلبية أو بسقف فترة انتخابية. حين مجيء الثورة في مصر فالرئيس السابق كان يتحدث عن تعديلات للدستور، فيما انتصار الثورة هو الذي دفع إلى وضع دستور جديد. في ثورات محطة 2011م فالشباب المستقلون والعوام غير الحزبيين من أبناء الشعب كانوا الأكثرية والقوى الفاعلة في هذه الثورات وفي كل البلدان، ولذلك فالذي يفترض هو إعداد وإنجاز الدستور من وضع اصطفاف الثورة حتى يوضع دستور لا يهيمن عليه طرف ولا يكون موضع اختلاف وصراع. كان المفترض أن يعد وينجز الدستور في الفترة الانتقالية وقبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولكن الإخوان هم الطرف الوحيد الذي استعمل قدراته وأدواته لأن يعد الدستور بعد الانتخابات، والمجلس العسكري سار وتوطأ مع لعبة الإخوان وإن بحساباته. أكتب أو أطرح هذا قبل الاستفتاء في مصر بيوم وتوقعي أن أغلبية ستوافق على الدستور وبالتالي لست طرفاً ولا مصطفاً صراعياً، ولكن مكاسب الإخوان من إعداد الدستور بعد الانتخابات وعلى هذا النحو الذي تم لا تستحق ما خلفته من مشكلات حتى الموافقة عليه شعبياً غير انعكاسات وامتدادات ذلك في الصراعات والتطورات. ماذا يضير الإخوان إذا كانوا سيستأثرون بالسلطة والبرلمان من خلال الديمقراطية أن يتركوا اصطفاف الثورة بشراكتهم ليعد الدستور الجديد؟!!.. فالإخوان من خلال هذه الآلية كانوا قادرين على فرض ما هو أساسي أو سياسي في الدستور الحالي، ويتجنبوا المزيد من المشكلات والصعوبات وانعكاساتها أو امتداداتها بعد إقرار الدستور!. عندما نصبح بصدد تقييم نظام جديد وبعد عام أو أقل أو أكثر، فليس من مقارنة مع نظام سابق قامت الثورة ضده، وليس من خلال الانتصار في معركة الدستور والتصويت له ب"نعم". فإن لم يكن- بحكم قصر الفترة- بإنجازات أهم أو أكبر فبمشاكل وصراعات أقل وأخف. الرئيس "مرسي" والإخوان كانوا قادرين على إنجاز بمشاكل وأثمان أقل بكثير، لو امتلكوا أفقاً أبعد ومرونات أكثر وامتلكوا الحنكة والحكمة في إدارة صراعات ومشاكل الواقع. عند الحديث عن الفلول فالإخوان هم فلول الجهاد في أفغانستان و"الاشتراكي اليمني" هو فلول لنظام شيوعي، وإذا لم يعد طرف يعتنق فكر الجهاد أو الإرهاب ولم يعد طرف مع فكر الشعب، فهو طرف واقعي وفي الواقع لا يمكننا غير التعامل معه كديمقراطية كطرف سياسي أو كمواطنين. حل أحزاب أو استصدار تشريعات تمنع أناساً من حق الترشيح لأية فترة ليس ديمقراطية ولا منها، وهو ذات وجه ما مارسه مبارك مع الإسلاميين. حصول احمد شفيق على قرابة 49% من الأصوات كمرشح للرئاسة يمثل إرادة الشعب وديمقراطية الشعب في معالجة هذه القضايا والتعامل معها، وأي نظام معني باحترام إرادة قرابة نصف الشعب، فإذا الإخوان يدفعون بقضية اتهام أهم قادة ورموز المعارضة ب"الخيانة العظمى" من خلفية صراع الدستور والإعلان الدستوري، فذلك قد يعني منع أو إعدام أي منافس حقيقي لهم على منصب الرئيس وفي الانتخابات القادمة. فالمشكلة لم تعد الآن فيما إذا كان المرشح شفيق ارتكب أخطاء أو خطايا أو حقق كسباً غير مشروع في موضوع ملاحقته، ولكنها باتت في ربط هذه الملاحقة أو الاستهداف بكونه رشح كمنافس لمرسي الإخوان وكاد يفوز عليه. فأي منافس للرئيس المرشح من الإخوان أو من المحتمل أن ينافس سيلاحق على طريقة شفيق أو بإعادة محاكمات "التخوين"، فما قيمة الانتخابات الرئاسية المصرية بدون الإثارة التي أضفتها مشاركة شفيق؟!!. لقد أراد الإخوان بالعزل فقط منع "شفيق" من إكمال المرحلة النهائية للانتخابات، وعندما يحركون قضية اتهام كبار قيادة معارضيهم بالخيانة العظمى، فكيف سينصرفون حين وجود مرشح أمامهم أقوى من شفيق، أو وجود قوى معارضة أقوى من المعارضة الحالية؟!!.. إذا الإخوان لا يقبلون أن يمارس اصطفاف الثورة إعداد الدستور بحضورهم كالشريك الأساسي والأهم والفاعل، فكيف سيتعاملون ويتصرفون مع طرف يكون مرشحاً للفوز عليهم في البرلمان أو على مرشحهم للرئاسة؟!!. يطرحون كلاماً وإعلاماً أنهم يقبلون وسيقبلون بذلك كديمقراطية، فيما ما مارسوه تجاه شفيق ورموز في المعارضة ينفي ذلك ويؤكد استحالته من قبل الإخوان تحديداً. لا يستطيع الإخوان إنكار أنهم حشدوا أنصارهم إلى ميدان التحرير قبل إعلان نتائج الانتخابات المصرية، وطرحوا بوضوح أنه إما إعلان نتيجة فوز مرشحنا وإلا سنمارس تفعيل القتال أو الجهاد، فماذا في ظل الفارق الضيق لو أن الآخر هو الذي فاز؟!!.. إذا صح ما طرح لتبرير الإعلان الدستوري بمؤامرة ضد النظام، فإن بياناً من الرئاسة أو مجلس الوزراء أو وزير الإعلام أو من طرف وحزب الإخوان كان يكفي لفضحها ومنعها. كان على "مرسي" وقبل ذلك الإعلان استدعاء رؤساء الأحزاب الفاعلة ووضعها في الصورة وطلب رأيها في ذلك والتعامل المفترض. لو أصدر إعلانه الشمولي بعد ذلك ما كان لهذه القوى أن تعارض الإعلان أو تعترض عليه. الإخوان رفضوا أن يعد الدستور في الفترة الانتقالية حتى ينفردوا أو يهيمنوا على إعداده بعد الانتخابات، ولعلي أوافق أو أتفق مع جانب من طرحهم بأن القوى الأخرى "المدنية" تمارس صراعاً سياسياً أكثر منه خلافاً أو اختلافاً على مواد في الدستور. الطبيعي حدوث ذلك لأن الإخوان مارسوا لوفاق الدستور أو التوافق حوله مما عمله الرئيس السابق صالح والمؤتمر عام 2008م في الحوار والتعديلات الدستورية. إذا الثورة في مصر هي كما طرح سلمية فليس فقط إحراق مقر الحزب الوطني غير سلمي، ولكن إحراق أقسام الشرطة وأجهزة الأمن حتى شل الأمن وعطل أو أعطب، وكل ذلك أفعال غير مشروعية عطلت مشروعية الأمن وأفقدت كوادره وأفراده الثقة حتى باتوا تحت خوف يفقدهم الحد الأدنى من أهلية أداء الواجب. ذلك أعطى بالوعي أو اللا وعي بأي مستوى مشروعية أو عدم اكتراث بالمشروعية حين ممارسة مثل ذلك، وإذا النظام القديم كان يتجسد في أقسام الشرطة وأجهزة الأمن والداخلية، فالنظام الجديد لا زال يتجسد في مقرات الإخوان التي استهدفت. من باب الإنصاف بأن استهداف مقرات الإخوان وراءه طرف أو أثقال قدرات وتأثير، فإذا هو- كما يطرح- بقايا أو فلول النظام السابق فإن- من باب الإنصاف أيضاً- إحراق وتدمير أقسام الشرطة وأجهزة الداخلية لا بد أن يكون وراءه طرف منظم وصاحب قوة وقدرات، وذلك ما لا يمتلكه طرف في مصر غير الإخوان!. الإخوان حين كانوا خارج الحكم كانوا يدينون من يختلف معهم في أمور تؤثر بالتكفير، أما حين يصبحون في الحكم فهم يدينون بالخيانة العظمى. الديمقراطية ليست ولا يمكن أن تكون الطلاء للمدخلات أو تخريجات بطلاء كما يقدمها الإخوان في مصر بالأفعال والتفعيل. أكثر الأنظمة تخلفاً وابتعاداً عن الحريات والديمقراطية لم تعد تستطيع كسب شعبية أو استقطابها على مستوى بلدان أو على مستوى المنطقة إلا من خلال الدين كأسلمة سياسية، والطبيعي إسقاط ذلك على أطراف أسلمة تصل إلى الحكم لأول مرة وبشكل أكبر. لو أن الأزهر الشريف في مصر بنى أو تبنى حزباً سياسياً فلا يستطيع طرف أن يقف أمامه أو ينافسه، ولذلك فالأسلمة في تشكل ديمقراطية أو شكلها هي ديكتاتورية في النبع والمنبع والمعطى والمنتج، وستظل ديكتاتورية في الثقافة وفي الأفعال والتفعيل. لا يمكن التنافس كديمقراطية إلا من خلال الجامع أو من خلال الشارع، والجمع بينهما نفي ونسف للديمقراطية لأن الذي يمارس على الشارع هو ديكتاتورية الجامع!. ديكتاتورية الجامع على الشارع كديمقراطية في مصر ستفضي إلى مشاكل وربما إلى أزمات في واقع مصر حتى بعد الاستفتاء كموافقة على الدستور وإقراره، وإذا ظل ذلك فإنه قد يحتاج إلى تبادل الأدوار بين الإخوان والسلفية لحكم ومعارضة أو إلى طرف أسلمة من ولاية الفقيه الجامع مقابل ولاية الجامع!.